نضال البطاينة يكتب: قراءة في الرّسائل الملكيّة في نيويورك، ودلالات عالميّة وإقليميّة ومحليّة

نضال البطاينة
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 01:02
في ظلّ التّخلي والتخاذل العربيّ تجاه فلسطين، يؤكد جلالة الملك، عبدالله الثاني بن الحسين، في خطابه في اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة في دورتها السّابعة و السّبعين في نيويوك : إنّ فلسطين حاضرة دائمّا في قلبه ووجدانه، وإنّ وحدة الدّم والمصير ليست شعارّا يرفع، ولا حديثًا للإستهلاك .
كعادة جلالته في خطاباته الدّولية، يضع النّقاط على الحروف بكل صراحة ووضوح، ويقول ما لا يجرؤ على قوله الآخرون، يفاجئ العالم بطرحة لعدد من القضايا التي تؤرق الأردنيين والعالم الحرّ، وعلى رأسها القضيّة الفلسيطينيّة التي وضعها على الطاولة مجددًا بكافة أبعادها السّياسيّة والإنسانيّة؛ ليمرّر الملك رسالة عامة للمجتمع الدّولي بشكل عام، والعرب بشكل خاص، تحليلها؛ إنّ هرولة الأعراب نحو التّطبيع المجاني لن تخدم العرب ولا الفلسطينيين، ولا يمكن أن يتم ويستقر كلّ ذلك بالتجاوز أو الإلتفاف من الخلف على الفلسطينيين وتناسي أساس الصراع.
ويحمّل المجتمع الدّولي مسؤولياته حين يشير جلالته إلى أنّه إذا استمرت الضبابيّة التي تحيط بمستقبل الفلسطينيين، سيكون من المستحيل الإتّفاق على حلٍّ سياسي لهذا الصراع، مؤكدًا على أن إنهاء الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحل القضية المركزيّة في الشرق الأوسط، هو السبيل لإنهاء المعاناة في منطقتنا.
ويؤشر جلالته على جوهر حلّ الدّولتين، المستند على قرارات الأمم المتّحدة منذ بداية هذا الصراع، والتي تعترف بالحقوق المتساوية للشعب الفلسطيني بمستقبل ينعم : بالسلام و الكرامة و الأمل، والذي يتم الضرب به عرض الحائط اليوم حين يعيش خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال بلا حقوق مدنية، ولا حرية في التنقل، ولا قرار لهم في إدارة شؤون حياتهم.
ولا يخفى على أحد إنّ الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس الشريف، كانت ولا زالت هي الضمانة الهامة التي أحرجت دولة الكيان الصهيونيّ، وهي قبل وبعد ذلك إرث تاريخي إسلامي عربي، وحق لا ولن يقبل القسمة مع أحد.
ويدقّ جلالته ناقوس الخطر بخصوص اللاجئين الذين يعتمدون على مساعدات المجتمع الدّولي للعيش، مشيرًا جلالته أنّه خلال الأشهر الماضية نقلت هذه الوكالات، واحدة تلو الأخرى، أخبارًا صعبة حول اضطرارها لقطع هذه المساعدات جرّاء النقص الحاد في التمويل الدًولي.
ويتساءل جلالته : هل هذا ما وصلنا إليه؟ هل سيقف المجتمع الدّولي مكتوف اليدين؟ ويتم ترك أسر اللاجئين، التي تجد نفسها مجبرة على إرسال أطفالها إلى العمل بدل الدّراسة؟
ويؤكد جلالة الملك مجددًا على موقف الأردن بخصوص اللاجئين حيث يقول: " نحن الأردنيون جادون في القيام بواجبنا تجاه المحتاجين، ونبذل كل ما في وسعنا لتأمين حياة كريمة للاجئين، لكن اليوم، تجاوزت قدرة الأردن على تقديم الخدمات الضرورية للاجئين حدودها، إنّ مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، وليس في البلدان المستضيفة، وإلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم، علينا جميعًا أن نفعل الصواب تجاههم" .
وكما نرى بكل صراحة ووضوح يتحدّث جلالة الملك أمام المجتمع الدّولي بعيدّا عن المجاملة؛ ليضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينيّة، والفقر، واللاجئين، وهي الصراحة التي اعتادها منه الأردنيون والمجتمع الدّولي، حديث الواثق بنفسه وبقدراته قيادة وشعبًا.
ومن الواضح أن قوة الطّرح الدّولي الأردنيّ التي تمثلت بالرسائل التي تضمنها خطاب جلالة الملك سبقها تحضير لترتيب البيت الدّاخلي، وفي هذا الإطار، فإن رؤى جلالة الملك أنّ مستقبل الأردنيين هو في العمل السّياسيّ المنظم الذي يقوم على العمل الحزبيّ البرامجيّ الحقيقيّ،ما يؤكد أن جلالته يراهن على مستقبل للأردنيين يقوده الشّباب وصولًا للإعتماد على الذّات .
المئوية الثّانية من عمر الدّولة الأردنيّة، ستكون نبراسًا للعمل الجاد النّوعي الحقيقي، القائم على مبدأ تداول السّلطة بين الأحزاب السّياسيّة التي اكتمل عقدها واستكملت مسيرتها وفق قوانين التّحديث السّياسيّ؛ للوصول إلى حكومات حزبيّة تنضج تدريجيّا.
عبر مسيرتها لا زالت الحكومات التّقليدية تراوح مكانها، فلا حلول فاعلة لمشكلتي الفقر والبطالة، ولا تحسن على معيشة المواطن، وارتفاع كبير ومطّرد في الدّين العام، يرافقه انعدام الثّقة بين المواطن وحكوماته، فضلًا عن مشكلة الطاقة والمياه، وانحسار الإستثمار، وارتفاع الضّرائب .
هذه الأزمات وغيرها الكثير ،لا يمكن للحكومات التّقليديّة أن تحلّها؛ ذلك أنّها جزء من هذه الأزمات، وفي هذا الإطار فقد كان جلالة الملك تقدميًّا ،ديمقراطيًّا ، يضع بين عينيه مستقبل الأردن وشبابه، فمنذ عشرات السّنوات والحكومات التي تتشكل بالطرق التّقليدية والبرلمان الذي ينتخب ضمن أطر ضيقه لا تراعي الكفاءة، فلا الحكومات قدّمت برنامجًا سياسيًّا اقتصاديًّا، قابل للتّطبيق، ولا البرلمان قدّم حلولًا ناجعة ألزم الحكومات بتطبيقها، وظلّت الأزمات تتدحرج مثل كرة الثلج، حتى وصلنا إلى وضع ينذر بالخطر، ما أحوجنا اليوم إلى الالتفاف حول قيادتنا؛ لتحصين جبهتنا الدّاخلية بهدف الخلاص الجماعي لا الفردي، سبيلنا هو برلمان قوي، وحكومة حزبيّة برامجيّة قوية من الشّعب للشّعب مسائلة من الشعب في ظلّ القيادة الهاشميّة، وشعارنا الذي نطبقه هو الإعتماد على الذّات؛ لنشكل رافعه تساعد جلالة الملك للعبور بنا إلى برّ الأمان .
وعلينا أن نعترف، لولا جلالة الملك، وبعينه الثاقبة، ورؤيته الاستراتيجية قد تنبٌه إلى المستقبل لما تنبه إليه الدّوار الرّابع، ولا قبة العبدلي.
ليست لدينا خيارات كثيرة سوى أن نتصالح مع الذات، ونَصْدِق مع شعبنا الأردنيّ العربيّ الأبي، وأن نقلّع شوكنا بأيدينا، علينا أن نواجه الحقيقة المُرّة بأنّنا نواجه الصّعاب، وعلينا أن نقف صفًا واحدّا خلف قيادتنا الحكيمة الواعية، التي تحظى بإحترام وتقدير المجتمع الدولي، علينا أن نعمل يدًا بيد، حكومة وبرلمان؛ لحل الأزمات لا تعميقها، بعيدًا عن الأنا السّياسيّة، وتصفية المصالح والخصوم، علينا أن نؤمن بالنّهج الهاشمي بأن الأردن للأردنيين شبابه وشيبه، هذا النهج الذي قال الملك لاءاته الثلاث حسمًا لمسألة الوطن البديل .
اليوم ركبت الأحزاب السّياسيّة على السّكة، وأخذ الرّكاب مواقعهم، وانطلق القطار، ولنبدأ الرّحلة بإيمان أن التٌجربة ستنضج تدريجيّا مع ضرورة الإلتفات إلى عامل الوقت الذي ليس في صالحنا، بقي أمامنا عدة أشهر ليوصِل كلّ حزب ركّابه بأمن وسلام، لكنّ هذه الرّحلة هي رحلة البداية لعمل حزبي فاعل تحت قبة البرلمان قوامه العمل المشترك؛ لرفعة الأردن وتقدمه بخطوات ثابته نحو المستقبل.
كم نحتاج اليوم إلى مصارحة ومصالحة مع الذّات أولًا؛ لننطلق نحو أفق أوسع وأرحب، نعمل معًا تحت عنوان عريض اسمه " الأردن "، علينا أن لا نجامل على حساب الوطن، لنقول للمصيب أصبت، وللمخطىء اخطأت قف عند حدك ، إنّ الأردن يا سادة يستحق منا أكثر وأكثر.
Elbatayneh.nedal@gmail.com
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/24 الساعة 01:02