د. محمد المومني
كثيرة هي التحديات التي تواجه الأحزاب: نقص المال وشحه إلا من منحه الله تمويلا سخيا، وهؤلاء قلة معروفون، وضعف الثقافة الحزبية داخل الأحزاب وحولها، وضعف الثقة بالتجربة الحزبية الجديدة رغم زخمها وضماناتها الحقيقية الحالية، وذلك بسبب التاريخ وتجارب فاشلة عدة، وأخيرا عدم التفرغ إلا لمن يستطيع ذلك من أعضاء الأحزاب وقيادييها. هذه كلها تحديات حقيقية تتصارع معها الأحزاب يوميا، لكن ثمة تحديين آخرين لا يقلان أهمية؛ أولهما، نخبة مخملية رسمية وأهلية حالية وسابقة تنظر لعمل الأحزاب بكثير من التهكم والانتقاص، لسان حالهم يقول إن هذا العمل السياسي مع القاعدة لن يجلب إلا هما ولا طائل منه، وبالنتيجة ستبقى قواعد العمل السياسي بصناعة القرار وخلق شخوصه كما كانت بالسابق، فافعلوا أيها الحزبيون ما تشاؤون، فنحن المخمليين من سيفوز بالنهاية ونحصد الثمار. يذكرني ذلك بالمشهد ذاته عندما كنا نخوض غمار العمل السياسي الميداني في الجامعات في التسعينيات من القرن الماضي، ويقف أبناء المخمليين الذوات ينظرون لنا من أبراجهم العاجية قائلين أنتم عليكم العمل ونحن نفوز بالإبل. هذا لم يحدث بحول الله وعمق الدولة، فاستبعد المخمليون وأبناؤهم، وفاز من لبى نداء وطنه واستنتصر للدولة وإرثها وقيمها. نرى المخمليين الآن ونلحظهم، ونقول لهم، الأردن يستحق كل نقطة عرق، ومن يجلس يستمرئ التهكم لن يكون إلا في أقبح صفحات التاريخ وستلفظه الدولة والمجتمع.
أما التحدي الثاني المهم الذي يواجه الأحزاب، فهو عدم الانصياع لضرورات الحياد الإداري من قبل الجهاز البيروقراطي الرسمي. نسمع، ويتردد بشكل مستمر، أن مسؤولين في الجهاز الإداري يحابون أحزابا بعينها في قراراتهم، من تعيين ونقل وترفيع ومنح للمكافآت وتحديد المخصصات، وهذه كارثة بمعنى الكلمة، وتجاوز واضح لمبدأ الحياد الإداري الضروري لحياة برلمانية صحية، بل شرط أساسي لها، وأنه من الأهمية، بحيث تم التشديد عليه وبعمق في الورقة النقاشية الثانية لجلالة الملك كمتطلب من متطلبات نجاح التجربة الحزبية البرلمانية. هذه التجاوزات لا يمكن توثيقها بطبيعة الحال، وقد يكون جزء منها أكاذيب تطلقها بعض الأحزاب التي امتهنت الكذب لتقول لقواعدها إن لها حظوة، ولكن استمرار ترديدها يستدعي تدخلا واضحا من قبل الحكومة وأجهزتها، بضرورة تأكيد مبدأ الحياد الإداري، وحرمة أن يتخذ أي مسؤول قراراته بناء على مسوغات ومحفزات حزبية. الأمر يتطلب أكثر من مجرد تعميم تطلقه الحكومة، بل ضخ ثقافة الحوكمة الرشيدة بين صفوف القيادات في الإدارة العامة وإفهامهم دورهم في ضوء الانفتاح والزخم الحزبي الحالي. هذا لا يمنع بطبيعة الحال أن يتحزب أي من أعضاء الجهاز الإداري الرسمي، باستثناء من نصت القوانين والدستور على منعهم من ذلك، ولكن أن تمارس حقك بالانتساب لحزب بناء على أفكاره أو برامجه شيء، وأن تستغل موقعك في الإدارة العامة لتحزب قراراتك الإدارية شيء آخر غير أخلاقي وغير قانوني، ويتناقض مع أبسط قواعد الحوكمة الرشيدة وأوراق الملك النقاشية.