هل غيّرت قمة 'بوتين - كيم' قواعد اللعبة مع واشنطن؟

محمد خروب
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/18 الساعة 02:17

ما تزال أصداء الزيارة التي قام بها الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون لروسيا, والمباحثات الطويلة والمعمقة التي أجراها مع الرئيس الروسي بوتين, تتردّد في جنبات المشهد السياسي والعسكري الغربي وخصوصاً الأميركي. حيث لم تمنع تهديدات واشنطن لبيونغ يانغ (قبل الزيارة بالطبع), بأنها ستفع ثمناً باهظاً إذا ما زوّدت موسكو بالأسلحة وقذائف المدفعية, على ما قال مستشار الأمن القومي/جاك سوليفان, وهو ما تجلّى «عكسه» على نحو لافت «بعد إنتهاء الزيارة", عندما قلّل رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي من تأثير أي صفقة سلاح كورية شمالية لروسيا, بقوله لدى وصوله إلى النرويج لحضور اجتماعات حلف الناتو التي بدأت السبت الماضي, حيث ستُركز خصوصاً على كوريا الشمالية, أنه –قال الجنرال ميلي- من غير المُرجّح أن تُحدث إمدادات كوريا لروسيا بالسلاح فرقاً كبيراً, مُتسائلاً: هل سيكون هناك فرق كبير؟ أُشكّك في ذلك -أجابَ-، ثم واصلَ: إنه على الرغم من أنه لا يُريد التقليل من أهمية «المساعدات» المتعلقة بالأسلحة، إلا أنه -استطردَ- أشكُ في أنها ستكون حاسمة»..

فإذا كان الأمر كذلك من وجهة نظر الجندي «الأول» في المؤسسة العسكرية الأميركية، فلماذا إذن كل هذا الضجيج الأميركي الصاخب, الذي بدأ قبل زيارة كيم جون أون وارتفع كثيراً وطويلاً خلال الزيارة وخصوصاً بعدها، ما عكس من بين أمور أخرى حجم الارتباك الذي استبد بإدارة بايدن وفشل واشنطن في دفع بيونغ يانغ إلى إلغاء الزيارة أو تأجيلها؟. خاصة أن يوميات الزيارة والمباحثات الطويلة التي جرت بين بوتين والزعيم الكوري الشمالي، حظيت بمتابعة حثيثة من دول المعسكر الغربي، دع عنك الناتو وخصوصاً ما تضمنه البيان «الرباعي» الذي أصدرته كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية، حيث اعتبرت الدول الأربع أن «أي اتفاقات ثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية, سيُعد خرقاً لقرارات مجلس الأمن».
صحيح أن التحليلات الغربية بشكل عام أولت اهتماماً استثنائياً بقمة بوتين- كيم, وذهبت بعيداً في لعبة التوقّعات وما قد تتمخض عنه من تشكيل تحالف «ثلاثي", يضم روسيا والصين وكوريا الشمالية وصفته بـ"المثلث الاستراتيجي", كون بيجين ليست بعيدة عن موسكو وبيونغ يانغ وتربطها شراكة استراتيجية بالأولى, فيما علاقاتها مع بيونغ يانغ أكثر من جيدة وهي -بيجين- الداعم الرئيس لجارتها الجنوبية, التي أغلقت حدودها إغلاقاً تاماً عند انتشار جائحة كورونا, وليس ثمة ما يعكر صفو علاقات البلدين حتى في ظل العقوبات المفروضة على بيونغ, والتي تم فرض بعضها بموافقة موسكو وبيجين في مجلس الأمن، لكن رئيس الدبلوماسية الروسية/لافروف أعلن بشكل حاسم أن «روسيا لن تؤيد فرض أي عقوبات بعد اليوم على كوريا الشمالية", مُوضحاً أنه «تم تبنّي العقوبات الدولية السابقة ضد كوريا الشمالية, في بيئة جيوسياسية مختلفة تماماً عن الوضع الحالي»، ما يعني من بين أمور أخرى, رسالة روسية حاسمة وحادة لواشنطن, بأن استمرار تلويحها بسلاح العقوبات لم يعد يجدي. خاصة أن متحدث الخارجية الأميركية/ماثيو ميلر قال (بعد زيارة كيم), أن واشنطن ستفرض عقوبات على موسكو وبيونغ يانغ, إذا «أبرمتا صفقات أسلحة جديدة». فيما كان مُنسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي التابع للبيت الأبيض/جون كيربي, أعربَ عن (مخاوف الولايات المتحدة حيال أي علاقات عسكرية «مُزدهرة» بين روسيا وكوريا الشمالية).
على المقلب الآخر كان واضحاً الاحتفاء «الروسي» الاستثنائي بزيارة الزعيم الكوري الشمالي, وهو ما تجلّى في ما كتبه مُفكرون وإعلاميون ونشطاء سياسيون, في الصحافة الروسية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، نقتبس منها (على سبيل المثال لا الحصر), ما كتبه المفكر الاستراتيجي الشهير ألكسندر دوغين, وفلاديمير خومياكوف الصحافي وكاتب العمود والناشط السياسي, «وفق ما ترجمه الصديق الدكتور زياد الزبيدي».
يقول دوغين: «يُعد التقارب بين روسيا وكوريا الديمقراطية مبادرة ممتازة. لا يمكننا الآن الاعتماد حقًا إلا على مساعدة أولئك الذين شرعوا السير بحزم في طريق النضال الشامل ضد هيمنة الغرب، الذين يدافعون يُضيف.. بجدية عن سيادتهم ويعتمدون في هذا الصدد على نظرتهم السيادية للعالم. واليوم نجد في الصف الأول كوريا الشمالية وإيران. وكذلك بيلاروسيا التي نحن وشعبها في قارب واحد. وليس من قبيل الصدفة أن تسميهم واشنطن جميعهم بـ «الدول المارقة». أولئك–يُواصلِ دوغين ـ الذين يتحدون العولمة الليبرالية بشكل مباشر يتم تهميشهم وشيطنتهم».
أما خومياكوف فكتب: «أول شيء بدأت وسائل الإعلام الغربية الحديث عنه عندما علمت بزيارة «كيم جونغ أون» المرتقبة إلى روسيا–كان (أوه، رعب وكوابيس!), إمدادات الأسلحة الكورية الشمالية إلى روسيا من أجل الحرب في أوكرانيا. ففي نهاية المطاف، (كوريا الجنوبية فقط) هي القادرة على توريد الأسلحة, إلى البولنديين الذين يستهدفون روسيا وبيلاروسيا، ويمكن للغرب إرسال طوفان من المساعدات العسكرية إلى زيلينسكي».

مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/18 الساعة 02:17