التخادم بين الإعلام واللغة العربية

الدكتور عثمان الطاهات
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/07 الساعة 11:12
على الرغم من الهفوات والسلبيات التي تتعامل بها وسائل الإعلام والعاملون فيها حيال اللغة العربية، فإنه ينبغي الاعتراف بأن هذه الوسائل لديها الكثير من المحاسن والفضائل على لغتنا العربية، ومنها على سبيل المثال إحياء العربية، فبعدما كانت مهددة بالدعوات المغرضة المشبوهة والداعية إلى إحياء اللهجات العامية، ماتت تلك الدعوات البغيضة التي كانت فرص نجاحها كبيرة لولا جهود الصحافة العربية، التي تكون أحيانًا متقدمة على المجامع اللغوية.
وبفضل ذلك كانت المظاهر الإيجابية تتمثل بوَحْدة العربية وانتشارها بين مختلف فئات المجتمع، والتقريب بين اللهجات والمستويات اللغوية وتنمية الثروة اللغوية. فاللغة الإعلامية في إعلام التواصل الاجتماعي هي لغة الجماهير العادية التي هي بنفسها تحدد وتختار الرموز والإشارات التي تتطابق مع تلك التي يختزنها المتلقي في الإطار الدلالي (المخزون المعرفي)، وهي التي وُلدت ونمَت في رحم وسائل الاتصال الجماهيري التي أنتجت خطابًا ولغة خاصين، لا تنفصلان عن الزمان والمكان الاجتماعي والإنساني، فكان لها تأثير واسع في الشارع الذي تلقى خطاب هذه الوسائل وسارع لتبني هذه اللغة، وذلك الخطاب القصير والواضح.وفي إطار عملية التخادم والتفاعل الإيجابي بين اللغة والإعلام، ينبغي أن نبيِّن أن بعض وسائل الإعلام العربية قدمت خدمة جليلة إلى اللغة العربية وكان لها دور إيجابي في نشرها وتقريبها من المتلقين، وفي بناء عاطفة واندماج كبيرَين مع اللغة.ومن مزايا اللغة العربية المستعملة في بعض وسائل الإعلام هي أنها لغة فصيحة، سهلة التناول، قريبة من أفهام عامة الناس، وهي لغة مقبولة على الرغم ما قد يشوبها أحيانًا من بعض الأخطاء اللُّغوية أو الأسلوبية أو النحْوية ولكنها أخطاء يمكن تجاوزها والارتقاء بلغة الإعلام، ولا سيَّما إذا ازداد الوعي اللُغوي، ونما الإحساس بأهمية العربية والحرص على ألّا تزاحمَها العاميَّات في هذه الأجهزة التثقيفية المهمة. ومع زيادة التعامل باللغة العربية إعلاميًا تولدت حالة من التطور في تناول المفردات لتؤلف ماديات فكرية تحقق الفهم والاستيعاب لأصعب الموضوعات على المتلقي.إن الإعلام – بما يملك من إمكانات التواصل المذهلة، وبسبب تأثيره البالغ في المتلقّين – يمكن أن يكون من أنجع وسائل الازدهار اللُغوي وتقريب المسافة بين المواطن العربي ولغته القومية، وإنه القادرٌ على خدمة اللغة العربية خدمةً لا حدود لها ولا سيَّما في عصر ثقافة الاستماع، ثقافة الصورة المصاحبة بالكلمة المنطوقة، واستعلائها على الكلمة المقروءة.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/07 الساعة 11:12