إفريقيا تنتفض في وجه أوروبا
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/07 الساعة 00:42
لم يكن يخطر ببال أحد أن القارة السمراء التي وقعت تحت الاحتلال الأوروبي لعقود سابقة, سيأتي يوم وتقف بوجه من احتلها ونهب ثرواتها، لا بل وترك شعوبها يعانون الفقر والجوع والمرض, فمع الانقلاب العسكري الذي حدث في «غابون» إذا كتب له النجاح سيصبح عدد الانقلابات العسكرية في غرب ووسط إفريقيا 8 انقلابات منذ عام 2020 وآخرها ما جرى في النيجر والتي لا زالت مشكلتها على المحك.
فغابون الدولة الإفريقية الغنية ببترولها ومعادنها الثمينة, ذات التعداد السكاني 2.34 مليون نسمة حسب تعداد عام 2021 وتتربع على مساحة 268 ألف كم مربع, والتي استقلت عن فرنسا عام 1960, والتي أشعل الوضع فيها فوز الرئيس الغابوني بونغو بالانتخابات بولاية ثالثة واتهامه بتزوير الانتخابات مما أدى إلى انقلاب عسكري عليه, لقد أثرت حمى كورونا السابقة والحرب الروسية–الأوكرانية على العالم بشكل عام وعلى القارة السمراء بشكل خاص, حيث أدى زيادة مديونيتها وارتفاع الأسعار الكبير عندهم وفقدان السلع والمواد وخصوصاً الإستراتيجية منها كالقمح والذرة والشعير وغيرها, ناهيك عن الجفاف الذي يتعرض له العالم نتيجة التغير المناخي والذي أثر على الزراعة في إفريقيا بشكل خاص, في حين تتصارع الدول العظمى لفرض نفوذها وهيمنتها العالمية ضاربة عرض الحائط لمسببات التغيرات المناخية.
لقد تلقت أوروبا ضربتين قويتين في اقتصادها, وباعتقادي سيؤثر عليها بشكل كبير في السنوات القادمة, ويجعلها تعاني وبشدة, الضربة الأولى كانت الحرب الروسية- الأوكرانية وتبعاتها الاقتصادية من غلاء أسعار النفط والغاز لفقدانها المزود الرئيسي لها وهي روسيا والتي كانت تحصل على أسعار منافسة ورخيصة, إضافة إلى استنزاف في موازنة الحكومات الأوروبية لدعم أوكرانيا وخطط التوسع في النفقات العسكرية والتسليح, أما الضربة الثانية فكانت تساقط حلفائها في إفريقيا, والذين كانوا يشكلون مصادر للثروات الطبيعية التي تحتاجها المصانع الأوروبية لصناعاتها والحصول على مصادر الطاقة وغيرها من صناعات متنوعة لتعويض ما فقدته من الطاقة التي كانت تحصل عليها من السوق الروسي.
كل ذلك سيجعل من اقتصاد أوروبا على المحك ابتداءً من العام القادم, ما لم يكن هناك تغيير سريع في السياسة الأوروبية, إذ يجب على الاتحاد الأوروبي الخروج بمبادرة سريعة أولها إيقاف الحرب الروسية–الأوكرانية وعمل مبادرة سلام مع جارتها روسيا, والانفتاح على العالم بطريقة تشاركية قائمة على الاحترام المتبادل بين الدول وأن تكون العلاقات متكافئة معهم, فالوضع العالمي تبدل الآن, فقد رأينا بريكس كيف يتمدد ويضم له الدول الغنية قبل الفقيرة, فأوروبا بصناعاتها تحتاج إلى مصادر الطاقة من الخارج وتحتاج إلى أسواق دائمة خارجية تسوق منتجاتها الصناعية وتحتاج إلى الحصول على المواد الخام من جميع دول العالم لإنعاش اقتصادها, إذ إن من أهم ثلاثة مقومات لمدخلات الإنتاج لديها (المواد الخام, الطاقة والتسويق) جميعها مصدرها من الخارج، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه يجب أن تتمتع أوروبا بمصداقية عالمية عالية وبناء علاقات مع دول العالم أساسها العدالة في التعامل خصوصاً القضايا السياسية العالمية, والاحترام للشركاء الدوليين وأن تكون العلاقة متكافئة معهم لضمان مستقبل اقتصادها ورفاهية شعوبها, فما يشهده العالم من ولادة أقطاب اقتصادية وسياسية جديدة أعطى البدائل لجميع دول العالم للانضام إلى القطب الذي يحقق مصالح شعوبها.
مدار الساعة ـ نشر في 2023/09/07 الساعة 00:42