ندوة في «منتدى شومان» تناقش اعمال «راوي العاصمة»
مدار الساعة - قال منتدون أن الأديب الراحل زياد قاسم "قامة روائية أردنية شامخة، وقلب "عمان النابض"، مشيرين إلى أنه لا يمكن قراءة التاريخ الاجتماعي لعمان بعيداً عن "أبناء القلعة" كما لا يمكن قراءة تاريخ بلاد الشام بعيداً عن "الزوبعة".
واعتبروا أن الساحة الأدبية الأردنية فقدت شخصية إبداعية في مجال الرواية، مؤكدين أن قاسم قد فتح الباب أمام كتابة سلسلة الروايات "العمانية"، وكان أول من سلط الضوء على المكان فيها.
جاء ذلك، في الندوة التي اقامتها مؤسسة عبد الحميد شومان في قاعة المنتدى لديها، اليوم السبت، بعنوان "زياد قاسم: راوي عمان"، وشارك فيها عدد من أساتذة الجامعات وكتاب ونقاد الرواية في الأردن، كما قدم روائيون وأصدقاء الراحل زياد قاسم شهاداتهم الروائية.
الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، فالنتينا قسيسية، قالت في كلمة لها "كان لزياد القاسم الفضل في توثيق عمان إبداعياً، وله دين في أعناقنا، ها نحن نحاول أن نرده، بكتاباتكم وتحليلاتكم وتصوراتكم لما كتبه زياد وللدلالات التي رصدتموها، فأحيت في المدينة العاصمة ما يجعلها حية في ذاكرة أجيالها".
ولفتت إلى أن "مؤسسة شومان"، عقدت العزم منذ عقود على تكريم مبدعي الأردن، ورواد الكتابة في الأردن، وما هذه الندوة إلا حلقة في سلسلة لتطويق أعناق مبدعينا بما يستحقونه من تكريم، ولتسليط الأضواء على تجاربهم الرائدة، والبناء عليها.
الناقد نزيه أبو نضال، قال في ورقته "استطاع زياد قاسم بعث الحياة في مدينة عمّان خلال الأربعينيات، حيث اختار، كنقطة انطلاق، القلعة التاريخية المطلة على المدينة، هذا المكان المستجد بدأ يضج بالحياة، ثم لم يلبث، خاصة بعد تأسيس الامارة، أن احتوي مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية التي شكلت مدينة عمّان ورافقت حركة تطورها على امتداد زمن الرواية من بدايات الأربعينيات إلى حزيران 1967".
ورأى أن قاسم أقام من خلال هذا الكم الهائل من الشخصيات الحية، بنسيج علاقتها المتشابكة، معماره الروائي وجعل الحياة تدب في أوصال مدينة عمّان الأربعينيات، ثم راح يصوغ حركة نموها وتطورها، ويشكل مصائر شخصياتها وأحداثها، ولكن بما ينسجم مع المكونات البيئية والتربوية والنفسية للشخصيات من جهة، وبما ينسجم مع المنطق الداخلي لحركة الأحداث المادية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية من جهة ثانية.
واعتبر أبو نضال أن زياد كان الأقدر على استكمال حكاية عمّان، وربما كان وحده من استطاع الإمساك بخطوط التاريخ الشعبي ليأتي متكاملاً مع التاريخ الرسمي.. بحيث أصبحت وثيقة المؤرخ هي الوجه الآخر لإبداع الروائي.. ذلك أن هاجس الفنان هو دخول المختبر الاجتماعي كي يفهم بالضبط كيف حدثت الأشياء ولماذا حدثت.
أما د. محمد عبيد الله، فرأى أن الرواية السياسية في أبناء القلعة، قد عكست جانبا هاما من التاريخ السياسي في عمان، ولكنها شددت النقمة على التنظيمات الحزبية القومية، واتهمت بعضها بالاغتيال السياسي، وهجت بعضهم الاخر هجاء مرا، دون أن تتعمق أبعد من ذلك، لتعكس ما تعرضت له التجربة الحزبية من تخريب وتعذيب على يد السلطات الرسمية التي لم تتح لتلك التنظيمات أن تتطور وأن تعمل في النور إلا قليلا.
وعن صورة المرأة في عمان، أوضح عبد الله أن رواية أبناء القلعة قدمت شخصيات نسوية كثيرة، ولكنها في معظمها لا تعكس صورة المرأة التي تجد في المدينة فضاء للتعليم والفعالية، كما أن معظم الشخصيات الأخرى كانت شخصيات مضطهدة، مغلوبة على أمرها، لا تكاد تخلو من التشويه النفسي والجسدي.
د. صبحة علقم، اعتبرت أن رواية "أبناء القلعة" تمثل سردية وتاريخية للزمان والمكان والشخصيات، وجعلها تنتمي إلى ذلك النوع من الروايات التي تغوص عميقاً في البنية الاجتماعية المتعددة الشرائح والأطياف والمنابت في مدينة عمّان.
وبينت أن الرواية ذاتها، عدّها النقاد بمنزلة ملحمة أردنية تاريخية تعكس أبعاد المجتمع الأردني بحذافيره! الأمر الذي يؤكد رغبتهم في المطابقة الموضوعية بين الكتابة ومرجعياتها.
وعن الإطار العام لرواية "أبناء القلعة"، فرأت علقم إن الرواية ليست تسجيلاً تاريخياً لمدينة عمّان، أو صورةً مرآوية لها، بل هي عمل فني له بناء خاص، وينطوي على دلالات رمزية وفكرية صنعها الروائي وفقاً لرؤيته، وتوحي بها علامات النص وإشاراته الحرة.
أما الناقد السينمائي، عدنان مدانات، فرأى ان "رواية أبناء القلعة" يمكن ان نقتبس منها أكثر من فيلم، وأن نعالج من خلالها أكثر من موضوع، أو أن نكتفي منها بفيلم واحد يمكن تصنيفه ضمن نوع الفيلم الملحمي، الذي يمكن من خلاله، وحسب نظرية المسرح الملحمي لبرتولت بريشت، أن ننظر إلى التاريخ باعتباره حاضرا، فالتاريخ في" أبناء القلعة" حاضر في واقعنا الراهن".
وبين مدانات ان الراحل زياد قاسم كان مهتما بالسينما ليس فقط كمشاهد، بل كطامح لكتابة السيناريو السينمائي، فقد كان زياد مهتما بكتابة السيناريو، وله تجربة في كتابة مسودة مشروع سيناريو فيلم روائي طويل.
فيما أوضحت د. منتهى الحراحشة، في ورقتها أن رؤية قاسم، فرضت عليه، بلا شك، في رواية العرين جملة من الأساليب السردية تتمثل في توظيف الضمائر وبخاصة "ضمير الغائب" والارتداد والتذكر والحوار الداخلي والهذيان والتداعي والاستباق، شكلت بؤرة الرواية وقضيتها المحورية.
واعتبرت الحراحشة أن روايات زياد قاسم يمكن أن تشكل مدخلاً نقدياً مهماً يمكن الاعتماد عليه لدراسة النصوص واستخلاص التفاعلات النسبية بين أداء الأديب وتشكيل العمل الأدبي، وهذا بدوره يتطلب من الناقد البحث عن التلاحم النسبي بينهما وبيان درجة التجاذب والتداخل بين أداء الأديب وتشكيل العمل الأدبي، كما يتطلب جهداً ووعياً بالعلاقة الجدلية بين التفاعلات الداخلية للنص وتفاعلاته الخارجية.
من جهتها، أكدت إسلام القضاة أن الروائي العمّاني استطاع تكوين الأبعاد التاريخية لمدينة عمّان في روايته "أبناء القلعة"، حيث ركز على الجانب التاريخي، فتحتل عمَّان قاعدة محورية في هذه الرواية، فكل الأحداث تصبُّ فيها.
وعن رواية أبناء القلعة، قالت القضاة أن " الرواية تتحدث عن عمّان منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نكسة حزيران العام 1967، فيحشد الكاتب جميع الخطوط في روايته في تصاعد درامي يمهد للنكسة، وهو بذلك، يستبطن الهم المحلي في الأردن بشكل خاص والعربي بشكل عام".
واعتبرت أن زياد أرخ في رواياته من ناحية فنية تطور المجتمع الأردني في علاقته الحيّة النشيطة بما يجري حوله من أحداث، واستطاع أن يعيد إلى الحياة ببراعة نادرة حقبة تكاد تضيع من ذاكرة من عاصروها.
بينما قدم د. ممدوح العبادي، شهادة شخصية حول تجربة زياد قاسم الروائية، فقال" ظل زياد قاسم حالة استثنائية في حياته كما في كتابته. ومثلما فاجأ القراء بروح الكاتب الذي بدأ الكتابة الروائية بعد ولوجه الأربعين، ظل يفاجئهم. بحميميته وعناده وشراسته ووضوحه اللامحدود، كان هو نفسه دائماً".
لكن القاص مفلح العدوان، فأعتبر أن زياد قاسم، "هو سارد ذاكرة عمان، وسارد حكايتها، فلا يمكن استحضاره إلا ومعه المدينة، وقد كانت روحه هنا متعلقة في البلد، ووعيه ممتد لهفة إلى سوريا الكبرى التي يعشق... هنا.. كان حاضراً، حدّ السيل، أو على قمة جبل القلعة، أو قريبا من سبيل الحوريات، ودرج فرعون، هو دائما يحدّق بعمان كأنها على دهشتها الأولى إذ وعيها ذات زمان، فكتب أبناء القلعة".
أما محمد جميل خضر، فقال " استعجلت السفر يا زياد، ولكن عزائي الوحيد، أنك ترجّلت قبل أن ننقسم على بعضنا بين مؤيد للنظام الذي يحكم أكثر البلاد التي أحببتها وعشقت ناسها ووسواسها، وبين معارض له، وصولاً إلى الانفصام الشاقوليّ الذي قسم ظهر أمة حلمت ومعك أنطون سعادة وآخرون، أن قيامتها قريبة، ونهوضها آت لا محالة، لتشفي غليل صفد، ولينفتح الأفق عالياً أمام سوريا الكبرى وبلاد شام تلوّح بالميجنا، وتمتشق العتابا ساحةً لتباهي الرجال أمام صبايا الحي الذي لا يموت: حي الوحدة المشتهاة".
واختتمت الندوة فعالياتها، مع شهادة شخصية قدمتها زوجة الراحل زيادة قاسم، قالت فيها " في التاسع والعشرين من شهر تشرين الثاني في العام 2001، جئت كعروس تحمل معها أحلام العذارى إلى منزل زياد قاسم الرجل الذي لم أكن أعرفه إلا من خلال خطبتنا الخاطفة التي دامت أسبوعين فقط".
وتابعت " فوجئت برجل متحرر الفكر، مختلف الطباع، شديد الحساسية للنقد فهو يرفضه رفضا قاطعا ويرد الصاع صاعين، بالفعل، كان زياد بالنسبة لي رواية إنسانية عظيمة قرأتها بكثير من الصعوبة والغموض وبكثير من الدهشة والاعجاب".
يشار إلى أن زياد قاسم، ولد في عمان العام 1945، وله عدة مؤلفات منها "أبناء القلعة"، "الزوبعة من ستة أجزاء"، "المدير العام"، "الخاسرون"، "العرين"، إضافة إلى دراسة علمية واحدة بعنوان "الشحن والتجارة الخارجية".
فيما أرخ قاسم في رواياته لتاريخ مدينة عمان عبر مراحلها المختلفة منذ نشأتها، وله كتابات في القصة القصيرة إلى جانب الرواية، كما قام بتحويل عدد من رواياته إلى دراما إذاعية تم بثها عبر الإذاعة الأردنية.