الحكومة والثقة

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/09 الساعة 08:23
الجدل الذي ثار قبل أيام قليلة حول القيمة الدستورية لعملية منح الثقة للحكومة المكلفة من قبل النواب، بحاجة إلى مزيد من التوضيح من أجل إعطاء هذه الخطوة المفصلية – نظرياً – قيمتها الحقيقية المستمدة من المادة الأولى في الدستور الأردني ( ونظام الحكم فيها نيابي ملكي وراثي )، التي تبين بكل جلاء أهمية مركز ( مجلس النواب ) في مؤسسة الحكم بوصفه السلطة التشريعية للدولة، حيث إن هذا المجلس يمثل الشعب الأردني عبر الانتخاب الحر النزيه، وفي هذا السياق نحن بحاجة إلى تعزيز الفقه الدستوري القائم على تعظيم أهمية المجلس في منح الشرعية للحكومة المكلفة، وقدرته التامة على نزع الشرعية عنها عندما تستحق هذا النزع، ولست مع المنحى الفقهي الذي يذهب إلى التقليل من أهمية دور المجلس في منح الشرعية الدستورية للحكومة المشكلة بالقول بأن الحكومة تكتسب دستوريتها وشرعيتها الكاملة قبل منح الثقة وهي كاملة الدسم - بالتعبير الصادر عن بعض الأطراف الحكومية بهذا الشأن – حيث أن هذا المنحى في الفقه الدستوري الطارئ يجعل الثقة مجرد فعل شكلي كاشف عن الشرعية ولا ينشئها او انه يعزز شرعية الحكومة التي اكتسبتها قبل الثقة. وبناء على أهمية الثقة من الناحية الدستورية بحسب الرأي الذي اتبناه، فإن الحكومة معنية بتقديم بيانها الوزاري وبرنامجها التنفيذي للمرحلة القادمة بكل جدية، وينبغي أن تنظر الحكومة إلى موضوع الثقة تحت طائلة الوجل والخوف والترقب وليس من تحت شعور ان الثقة تحصيل حاصل، وأنه مجرد تمثيلية شكلية منزوعة الدسم والقيمة القانونية الحقيقية، وتتم عبر الأساليب غير المشروعة في محاولات الضغط على النواب تارة، وتارة عبر وسائل الترغيب والترضيات والوعود وتقديم الخدمات. مسألة الثقة بشكل موضوعي تقوم على مجموعة معايير، ولعل من أهمها شخصية رئيس الوزراء ومقدار الثقة بقدرته على التصدي للمرحلة، والمعيار الثاني يتمثل بالفريق الوزاري من حيث اشخاصهم وكفاءاتهم وسيرهم الذاتية وتاريخهم وتجربتهم ومن حيث ادائهم في المرحلة السابقة، والمعيار الثالث هو الأكثر أهمية المتمثل بالبرنامج الوزاري للحكومة، وقدرته على تلبية متطلبات خطاب التكليف الملكي الذي يمثل المرجعية الأولى في عملية المحاسبة والتقويم من قبل الشعب الأردني ومجلس النواب والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، ويمكن الاشارة إلى بعض هذه المضامين بشيء من الاختصار :- أولاً : إطلاق مشروع نهضة وطني، قوامه تمكين الأردنيين من تحضير طاقاتهم ورسم أحلامهم.. كما ورد في خطاب التكليف بالعبارة، وهنا يبرز السؤال ما هو تصور الحكومة لهذا المشروع النهضوي الوطني، وماهي معالمه، وما هي رؤيته ورسالته وأهدافه وسياساته ومضامينه، ومدته الزمنية وكيف سيتم تحويله إلى مضامين واضحة ومحددة و قابلة للقياس. ثانياً: مشروع الاصلاح الاقتصادي الذي يقوم على إطلاق طاقات الاقتصاد الأردني وتحفيزه واستعادته امكانياته في النمو والمنافسة وتوفير فرص العمل أمام الشباب، والبحث عن حلول خلاقة ضمن برنامج عمل محكم، والسؤال ما هي معالم هذا المشروع وما هي ادواته ومراحله وخطواته. ثالثاً: مراجعة شاملة للمنظومة الضريبة والعبء الضريبي بشكل كامل ينأى عن الاستمرار بفرض ضرائب غير عادلة لا تحقق العدالة والتوازن بين دخل الغني والفقير ويرسم شكل العلاقة بين المواطن والدولة، ويفضي إلى ايجاد قانون ضريبة جديد للدخل يشكل مدخلاً للعبور إلى منهج اقتصادي واجتماعي جديد. رابعاً : الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين، ولاعذر للحكومة في العجز عن تقديم أعلى مستويات الخدمة، خاصة على صعيد التعليم والصحة والنقل والرعاية الاجتماعية مهما كانت صعوبة الظروف ومهما كان حجم الضغوطات المحيطة بنا. خامساً: اشار خطاب التكليف أيضاً بالاضافة إلى ما سبق إلى ضرورة أن تقوم الحكومة بمواصلة مسيرة الاصلاح السياسي والبناء على ما تم انجازه من خلال مراجعة التشريعات الناظمة للحياة السياسية بما يعزز دور الأحزاب السياسية وتمكينها من الوصول إلى مجلس النواب بوضوح. هذه النقاط تمثل الاسئلة الخمس الكبرى التي ينبغي أن تستعد الحكومة للاجابة عليها بوضوح وعبر برنامج زمني محدد حتى يسهل وتصح المساءلة، وجميع هذه النقاط والأسئلة هي من خطاب التكليف نصا ومضموناً. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/09 الساعة 08:23