إسحق فرحان أحد رواد التعليم والعمل العام
ابراهيم غرايبة
ودعنا أمس الدكتور إسحق فرحان رحمه الله، والذي شغل بكفاءة واقتدار مواقع مهمة في السلك العام، وزير التربية والتعليم، ورئيس الجامعة الأردنية، ورئيس الجمعية العلمية الملكية، وعضو مجلس الأعيان، ورئيس جامعة الزرقاء، والأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي، وهو قبل ذلك ومعه وبعده أحد أساتذة الجيل في التربية والعمل العام والدعوة الإسلامية، كان يمثل بمستوى يقترب من الكمال مقولة القوي الأمين، فقد كان من المتفوقين في دراسته الثانوية والجامعية، وبعد أن أكمل المرحلة الأولى من التعليم في الجامعة الأميركية في بيروت واصل تعليمه في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، وبعد حصوله على الدكتوراه العام 1964، اختار العمل في وزارة التربية والتعليم بمكافأة تساوي ربع مكافأة الأستاذ الجامعي، وترك بصمات لا تنسى في كل مؤسسة عمل فيها أو قادها، ولم يستفد من المناصب فائدة مالية أو شخصية لنفسه أو عائلته، وظل وأفراد عائلته يعيشون حياة هي أقرب إلى الطبقة الوسطى.
لقد تعرفت على المرحوم أبو أحمد وعائلته منذ الثمانينيات، كان مستمعا دمثا، يتحمل اندفاعنا ونزقنا بسماحة وسعة صدر مثالية، وبيته وبيوت أفراد عائلته كانت مفتوحة دائما للضيوف والزوار والاجتماعات واللقاءات الثقافية والعامة، وكان يحتمل الخلاف والإساءات بخلق عظيم، وعفة لسان، ولم يكن يمنعه مقامه ولا عمره المتقدم وصحته من المشاركة العامة والاجتماعية في أي مكان في المملكة، في مدنه وقراه، ولم يردّ على إساءات كثيرة تعرض لها رغم أنه كان الأقوى والمسيئون أضعف، بل إنه لم يكن يتردد في المساعدة وتذكر حسنات وفضائل المسيئين أو المختلفين معه. وحتى الذين يختلفون معه في سياساته وأفكاره فإنهم يقرون له صراحة أو ضمنا بكفاءته وحسن خلقه.
يعتقد كثير من المخالفين للدكتور إسحق فرحان أنه مهندس عمليات الأسلمة في التعليم وفي الدولة، وهي شهادة على كفاءته وقوته رغم الاختلاف معه، ففي واقع الحال، فإنه حوّل المناهج التعليمية والدينية إلى عمليات ومؤسسات منظمة ومنضبطة، وما تزال تعمل ببصماته التي أسسها حتى بعد خمسين سنة من مغادرته لمناصبه في الدولة، وأخالفه شخصيا في موقفه من تعليم الفلسفة في المدارس والجامعات، لكن يجب الاعتراف بأنه أسهم في تحويل التعليم وبخاصة في مجال المناهج والدعوة والإرشاد إلى عمليات مؤسسية ومنظمة تخضع لمعايير ومواصفات إدارية وقياسية، وبالطبع يجب أن نذكر بخير الوزراء الذين عمل معهم الدكتور إسحق فرحان قبل أن يتولى الوزارة، مثل بشير الصباغ وذوقان الهنداوي، رحمهم الله. ويجب أن نرد لهؤلاء جميعا؛ من ذكرتهم ومن لم أذكرهم فضل النهضة التعليمية في الأردن.
إسحق فرحان يؤكد للجيل أن فرص الإصلاح والعمل بكفاءة وأمانة ما تزال ممكنة، وفي الإحباط الذي نعيشه اليوم من النخبة نتذكر هؤلاء الذين عاشوا معنا وبيننا وقد عملوا لأجل رفعة بلدهم ليل نهار، ولم تعِرهم المناصب الرفيعة بل زادتهم تواضعا وقربا من الناس.
الغد