في الغويرية لا عزاء للفقراء

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/05 الساعة 20:35
كتب : محمد عبدالكريم الزيود في الغويرية فقر وفقراء من وطننا، شوارع ضيقة وبيوت بُنيت من "لُبن تراب" ومن ثم من طوب وإسمنت ومن تعب، بُنيت بلا تخطيط لكنها ملأى بالحبّ والودّ والبساطة، سكنوها من كل جهات الوطن، من العسكر الذين خدموا في معسكرات الزرقاء وفي كتائبها وسراياها، فيها ابن بني حسن وابن قرى الشمال والجنوب المنسيّة، وأبناء الأغوار والبدو، فيها من إخوتنا الفلسطينيين من نزحوا يوما واستوطنوا الحي هنا، وتقاسموا رغيف الخبز والوجع والفقر وحب الوطن. الغويرية لا يعرفها إلاّ من سكنها، البيوت تتكاثر عاموديا، والشبابيك تفتح على البيوت، ولكن فيها من الخجل والمروءة، أكبر من كل حكايا الأصول والمنابت، نعرف الحسبة وعربات الخضار، وأفران الخبز، ونعرف دكاكين السوق، والعطار، ونعرف مدفع رمضان الذي كان يستقر في الجهة الغربية من المعسكرات مقابل "المنطقة". الغويرية، هذا النسيج من الناس الذي يجمعهم الفقر والأحلام وحب الوطن، لا يزوروها المسؤولون في الحكومات، فلا هي دير غبار ولا هي عبدون، تنقطع فيها المياه أياما في الصيف، وتفيض شوارعها بمياة المطر والطين شتاء، كما تفيض صفوف مدارسها الضيّقة بالطلاب، سكنها حبيب الزيودي وسميح القاسم، والعيط مطر، وغيرهم.. رئيس الحكومة عمر الرزاز زارها يوم أمس، ويسجّل له أنّه أول رئيس وزراء منذ رشيد طليع، ومنذ تأسيس الدولة الأردنية يزور الغويرية، بعدما إنهارت بناية على رؤوس ساكنيها، وحدهم الفقراء في بلدنا يموتون بصمت وبلا بكاء ، يموتون كما في صوامع العقبة ، وتحت عجلات السيارات ، دهسا أوحرقا أوخنقا ، ويحضر التلفزيون الحكومي والمسؤولين وقت المصائب ، ويبكون ويذرفون دموع التماسيح، ويتذكرون فجأة أن في بلادنا فقراء. في الغويرية وفي بقيّة قرانا عتب وغضب على الحكومات، التي تعرف الفقر وحاجة الناس فقط في قاعات الفنادق، وعلى شاشات "البرزنتيشن"، وفي أرقام وزارة التخطيط، وتضع الخطط على الورق وتبيع الناس مشاريع من الوهم، وتتقن الإبداع في صنع الضرائب والجباية وإستثمار التسوّل والشحدة. في الغويرية وطن كبير، يضيق بالفقراء، لكن لا عزاء للفقر ولا بواكي للفقراء فيه.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/05 الساعة 20:35