مستقلة عن من؟
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/03 الساعة 00:33
إذا ما تجولت في عمان، فربما تقع عيناك على مبنى أو أكثر من المباني التابعة لإحدى المؤسسات التي نشأت حديثا تحت واحد من المسميات الجذابة التي توحي بالاستقلالية. في إجابة عن سؤال لأحد النواب، صرحت وزيرة تطوير القطاع العام بوجود 60 مؤسسة مستقلة. بعض هذه الكيانات الإدارية شركات وبعضها هيئات أو صناديق أو مؤسسات تؤدي مهام كانت تنهض بها الوزارات والدوائر الحكومية القائمة.
للشركات والهيئات والصناديق والمؤسسات المستقلة مخصصات مالية مدرجة في الموازنة العامة للدولة تحت فصل الهيئات المستقلة، وقد يصل مجموع ما يخصص لها ربع الموازنة العامة. في العام 2018، خصصت الموازنة للكيانات المستقلة 1812 مليون دينار، في حين قدرت الإيرادات التي يمكن أن تتحقق من خلالها بـ1664 مليون دينار، الأمر الذي يشير الى أنه لا جدوى مالية من وجودها.
الكثير من المتحمسين لهذه الكيانات يشير الى أهميتها في إحداث التحول في القطاعات من الإدارة الفعلية الى التنظيم والإشراف، مما يسهم في تسريع الإنجاز وتجاوز الروتين وتحقيق الأهداف التي قد لا تتمكن المؤسسات والوزارات الموجودة أصلا من القيام بها. على الجانب الآخر، يرى البعض أن تكاثر هذه الكيانات جاء بالتزامن مع الخصخصة لتسريع إجراءاتها وإيجاد هياكل موازية توفر نوافذ ومسارات يدخل منها البعض برواتب وأجور وامتيازات مرتفعة ويحصلون على عقود وترقيات استثنائية من دون الحاجة الى الخضوع للقواعد والأسس التي يخضع لها المستخدمون في القطاع العام.
في بلد ينظر فيه للقطارات باعتبارها فلكلورا، توجد مؤسستان مستقلتان للعناية بالسكك؛ إحداهما مؤسسة سكة حديد العقبة والأخرى باسم الخط الحديدي الحجازي الأردني. وفيما يخص النقل والاتصالات والسياحة والأوقاف والصحة وغيرها من المؤسسات، فإن العديد من المهام والواجبات التي تقع على عاتق القطاع مقسمة بين العديد من الهيئات والشركات والصناديق التي توالدت كلما خطر ببال البعض معالجة قضية طارئة أو اكتشف تقصيرا في الأداء.
المياه التي كانت تصل الى البيوت والمباني بعد الحصول على إذن الأشغال الذي تمنحه البلديات في حين تتولى الوزارة وضع السياسات والإشراف على المشاريع أصبح لها ومنذ عقود سلطة خاصة تحت مسمى "سلطة المياه" كواحدة من ثلاث مؤسسات عنيت إحداها بوادي الأردن والأخرى بالمجاري. اليوم هناك شركة غير السلطة وتعمل بالتعاون والتنسيق معها "شركة مياهنا"، ومع ذلك ما يزال المستهلك الأردني يتطلع الى مستوى خدمات أفضل بتكلفة أقل.
بالتزامن مع ميل الأردن الى تبني سياسات إدارية واقتصادية تقود الى التخفيف من الهدر وضبط النفقات وتحقيق العدالة، فلا بد من مراجعة موضوعية جريئة لأهداف وغايات وجدوى وجود هذا الكم من المؤسسات المستقلة اسميا عن الحكومة والمعتمدة اعتمادا كاملا على الخزينة وإلغاء أو تجميد البعض منها. كما قد يكون من المفيد العمل على تقليص عدد الوظائف والتأكد من وجود كفاءات قادرة على تفعيل وتطوير أسلوب عمل هذه الكيانات بدلا من استخدامها ملاذا لأبناء وأقارب وأصدقاء المتنفذين للحصول على أفضل الامتيازات بعيدا عن شروط المنافسة والقواعد التي يخضع لها مستخدمو القطاع العام.
المطلوب من الحكومة التي حملت مهمة الإصلاح أن تراجع الواقع وتتفحص البدائل المتاحة للنهوض وتتعاطى بجدية مع الملاحظات والمقترحات كافة التي يتقدم بها الناس وتتواصل مع الجميع وتطلعهم على ما تقوم به. المسؤولية الواقعة على حكومة الدكتور الرزاز مضاعفة؛ فقد جاءت في ظرف استثنائي تضاءلت فيه ثقة الشارع بالحكومات وكل من يحتلون مواقع صناعة القرار.
"العطوة" أو المهلة التي طلبتها الحكومة من الشارع بعد أن ظهرت تشكيلتها، تحتاج الى أكثر من أن يحسن الناس الظن بها. فحال الناس يقول: ننتظر لنرى.. ولكل حادث حديث.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/03 الساعة 00:33