الأردن ليس أميركا ليغلق الحدود.. ولكن!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/01 الساعة 01:16

معركة صراع مع الضمير يواجهها الأردن رسميا وشعبيا تجاه الشعب السوري الذي يواجه الموت والتشريد، والمعركة الأكبر إقتصاديا بعد الفجيعة التي أصابته بتخلي المجتمع الدولي والدول التي أدارت الصراع في سوريا بأكثر من ترليون دولار، وظنّت بالمساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين السوريين، ومع ذلك تستمر السياسة الوطنية بمبدأ «اللجوء الناعم» ليس للسوريين فقط، بل لست وأربعين جنسية حتى اليوم ،بعد أن تحمّل الأردن مسؤولية استقبال لاجئي حماه إثر المجزرة الشهيرة عام 1982 التي سببت له قطيعة سياسية مع دمشق آنذاك، واليوم يواجه كل مشاكل التاريخ العربي مجددا، ولا زلنا نتساءل هل نفتح الحدود مجددا أم نمنع، أم ندعم المساعدات للداخل السوري أو نقطع.

السؤال هنا: هل كانت الإستراتيجية السياسية صائبة تاريخيا أم خاطئة ؟ الجواب سيكون فوضويا إذا أطلق بدون الأخذ بعين الإعتبار الظروف التي يتعامل معها الأردن السياسي، حيث أن الأردن الإجتماعي ليست لديه مشكلة مع العابرين بل إن مشكلته مع المقيمين السياسيين أبناء جلدتهم الذين يخططون وينفذون السياسات العامة، فلا فرق عندنا اليوم بين زعبية درعا وزعبية الرمثا الكرام، كما لا فرق بين الحويطات في الحسينية والجفر وبين حويطات حقل وينبع وضبا السعودية أو بني عطية هنا وهناك أو صخور الأردن وصخور دير الزور، لهذا كان اللجوء السوري منذ سبع سنوات أمرا عاديا بالنسبة لنا كما من سبقه، لأننا لا نفاوض على السعر بل نفاوض على القيّم.

اليوم يواجه عشرات الآلاف من المدنيين السوريين في محيط مدينتي درعا والسويداء والأرياف الحدودية الكارثة الإنسانية التي كانت تتربص بهم منذ سنوات، فمن درعا إنطلقت شرارة الثورة السورية، واليوم جاء يوم الحساب النظامي، والمحكمة هي الدبابات والطائرات والمدافع، والفرار هو الحل الأسهل للمدنيين، وطبيعي أن يتجه النازحون الى الحدود الأردنية، أكانوا ألف شخص أو مائة الف، ألم نفتح لهم الحدود من قبل، ألم نحافظ عليهم طيلة ست سنوات بترتيبات عالية الشرف عسكريا ومخابراتيا من الجانب الأردني لحماية السكان هناك، فلماذا احتضنت تلك المناطق كل تلك الجماعات الإرهابية؟

في الإجتماع التحليلي الذي عقد في الديوان الملكي قبل أشهر، سمعنا من مدير الإستخبارات العسكرية تحليلا عالي الكفاءة والإستشراف للوضع الأمني والعسكري عبر الحدود الشمالية، وكان الإيجاز من أدق التقارير وأقربها الى التوقعات التي حدثت اليوم، وكانت الخشية أن ينفجر الوضع في أي لحظة في مناطق الجنوب السوري، وظهرت الجهود الأردنية في الحفاظ على الإستقرار في الشريط الجنوبي لسوريا،و التي كنت مطلعا عليها منذ سنوات حتى أن إجراءات المصالحة بين العشائر وبين البدو وسكان المدن كان يقودها مسؤولون أردنيون للحفاظ على السلم الأهلي في محافظتي السويداء ودرعا، واليوم ما كنا نخشاه قد وقع حتما.

إذا،هل نفتح الحدود للمزيد من اللاجئين أم نغلقها كاملة ؟ سؤال لئيم، يدعو للكآبة، الجواب بالتأكيد سيتلاعب بضمائرنا، وسأتحمل وزره شخصيا: نعم نفتح بشروطنا لا بشروط غيرنا، للعائلات فقط، الأمهات وأطفالهن مع التدقيق الأمني الشديد، فجيشنا البطل ومخابراتنا العتيدة استطاعت طيلة سنوات على ترطيب الجنوب السوري وتحييد كل الفصائل الإرهابية والمسلحة الأخرى، والحفاظ على سلامة المدنيين دون تدخل بشؤونهم ولا إبتزاز أي طرف أو لعب دور التسلق والبطولة فوق جثث الأبرياء كما تفعل الفصائل المسلحة ومليشيات إيران حتى اليوم ، ولهذا يجب تكون العملية تشاركية مع الدول العربية المعنية الشقيقة، فتقديم الدعم الفوري عن طريق «جسر جوي فوري» أو تسييل الودائع العربية في البنك المركزي هو واجب حتمي سيدعم الجهود الأردنية للقيام بمهماته.

الأردن ليس الولايات المتحدة والقيادة ليست دونالد ترمب الذي منع مواطني دول إسلامية من دخول بلده وفصل الأطفال عن عائلاتهم اللاتينية ، وموازنتنا ليست بالترليونات، ومع هذا لا يمكننا أن نرى إخواننا خلف الحدود يهيمون خوفا وجوعا ونبقى صامتين، إلا إذا تحقق قرار « المنطقة العازلة» داخل الأراضي السورية، أو أن نقدم خدمات النقل الفوري للعائلات من أماكن تواجدهم عبر حدودنا الى أقصى شرق الأراضي السورية عبر ممرات آمنة ندخلهم منها الى الركبان او الدحلات مجددا.

غير ذلك سندفع ثمنا أخلاقيا ليس لنا ذنب فيه، سوى « لعنة الجغرافيا» التي ذكرتها في المقال السابق. الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2018/07/01 الساعة 01:16