الشوبكي يكتب: السيوف والبارود والمدارق السود
د.عساف الشوبكي
يتحدث كثير من الناس هذه الأيام عما يسمى بصفقة القرن ويشيع حديثهم بين بعض العامة غير العارفين بتاريخ الأردنيين والفلسطينيين وتركيبة كل من الشعبين النفسية وعقيدتهما القتالية والنضالية حالة من الاحباط والياس والخوف على مستقبل الاردن وفلسطين معاً وما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني سواء حقه الان بتقرير مصيره والتجاوز على هذا الحق من قبل البعض وإنابة عرب اخرين عنه لتقرير مصيره او حقه في العودة او حقه في التعويض او حقه الكبير المشروع في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس في تجاوز وتعدي صارخ على كل الشرائع والقوانين والقرارات الدولية بخصوص القضية الفلسطينية واستثناء مجلس الامن وهيئة الامم المتحدة وكل الهيئات والمؤسسات ومحاكم العدل الدولية.
ويتقول البعض بأن حل القضية الفلسطينية سيكون على حساب الاردن وطناً بديلاً للفلسطينيين او توطيناً لهم في الاردن كما يقول أعداء ومتآمرون وخونه ( الاردن الارض بلا شعب) في دس سم الأعداء في دسم الأهل والربع لبث الفتنة والفرقة والإقليمية بين أبناء الشعب الواحد الواعي والحريص على وحدته ومصيره المشترك والمؤمن بربه والمحافظ على أمن وامان الوطن ويتحدث آخرون عن خطورة زيارة جلالة ملكنا الاخيرة الى واشنطن واجتماعه بالرئيس ترامب من باب حرصه او خوفه من املاءات وضغوطات أمريكية على قيادتنا للقبول بهذه الصفقة على اعتبار ان القبول فيها خطر ومصيبة وهو كذلك فعلاً وان رفضها خطر ومصيبة وهو ليس كذلك ولن يكون، فنحن نقول ان الخيار الاول هو خطر ومصيبة وخيانة وتخلي عن المبادىء وهذا مارفضه الهاشميون على مدى التاريخ ولم يقبلوا ولن يقبلوا به ولو كلفهم الغالي والنفيس، فهذا الجد الثائر الحسين بن علي رفض التخلي عن وحدة ارض العرب ولم يقبل بتقسيمها والتنازل عنها ولم يساوم على فلسطين مقابل كل مايريد او يطلب او عُرض عليه من متاع دنيا فانية، حين قبل ووقع على مطالب الاستعمار آخرون ، ولذلك أبعد الاستعمار الشريف حسين. ونفاه الى ان لقى وجه ربه راضياً مرضياً، وهذا عقبه من الامراء والملوك الذين رفضوا املاءات الاستعمار ولم يساوموا على حقوق الامة وفِي مقدمتها حقها في فلسطين والاقصى والمقدسات ، وحيكت ضدهم المؤمرات ولم يقبلوا بتدنيس تاريخهم الشريف حيث دفعوا ثمن ذلك عروشهم وأرواحهم ودماءهم ، فلا يمكن ان تساوم قيادتنا على ذلك وتتخلى عن ارثها التاريخي النظيف مقابل اي ثمن ، وسيكون التحامها صلباً وقوياً مع جماهير الامة كما في كل المواقف المفصلية في تاريخ امتنا المجيدة، يشدون أزرَ الشعوب ويشتد أرزُ الشعوب بهم فلم يكن خيارهم واختيارهم الا الوقوف مع الحق وبجانبه وضد الباطل والظلم والجور والطغيان، ويقودون الشعوب الى العلياء والمجد بغض النظر عن نتائج الظفر او الخسارة في معايير هذه الدنيا الزائلة.
وأما الاردنيون النابتون مع صوان وصبار ودفلى وشوك هذه الارض فهم مقاتلون شجعان ما سكتوا على ضيم وما توافقوا على باطل وما خانوا ولا نكثوا ولا نكصوا ومابخلوا بارواحهم عند حق وكرامة، ولم يهنوا ولم يحزنوا، وكانت زنودهم ولا زالت سمراء ملفوحة بشمس الحرية وسيوفهم حمراً قانيةً في كل غزوات الاسلام وكانوا مع جيوش الفاتحين الغر الميامين في مقدمات الصفوف ، ولبست نساؤهم باستمرار ثياب الحداد السوداء (المدارق) حتى أصبحت زياً شعبياً مزنراً بالعز يدل على الشرف والأصالة والكبرياء ولازالت الجدات والامهات يلبسنها الى الان في إرادة لا تلين ونار صدور قوية لا تنطفئ تحرق المعتدين، وتعبيراً عن الرضى باستقبال مزيد من القتلى الشهداء قرابين الطهر والموت في سبيل الله من اجل الدين والارض وحق الوجود وكرامة البقاء ولمستقبل الأجيال ، ودفع ثمن الريات حتى تبقى خفاقة رجال رووا بدمائهم الزكية سهول وهضاب وجبال وأودية البوادي والارياف والحواضر والأغوار في هذه الارض المجيدة في رفع شأن الامة والذود عن حياضها .
او في اختلافات كانت ودفناها ودفنها آباؤنا واجدادنا القدماء نحجم نحن الاردنيون عن ذكرها لولا تكرار الاساءة من تكرارمقولة حاقدة ان هذه ارض بلا شعب متمسكين بعرى شرعتنا الاسلامية الغراء وتعاليم ديننا وثوابتنا وأولوياتنا الوطنية والقومية ولا ننكثها احتراماً لمشاعرنا وحفاظاً على نسيجناالوطني المتين ، لكنهاحقائق لابد من الإشارة لها للدلالة على الارض الاردنية والشعب الاردني والتاريخ ليعرفها كل ناكر جميل وكاره للأردن والاردنيين ، وهي أصبحت من الماضي يعرفها العارفون بتاريخ شرق الاردن والعاملون بالإنساب ولا يتمسك اي أردني بسلبياتها لكن الجميع متمسك بنتائجها الإيجابية واهمها ما آل اليه الحال بعد سنين عجاف من الخلاف من انصهارالاردنيين كلهم في بوتقة واحدة ، وكل الاطراف صارت ركناً عربياً قوياً واحداً يعض الجميع على وحدة شعبه وسلامة ارضه بالنواجذ ، هذه الوحدة التي صاغها الاجداد ومتمسكون وباصرار صلد لا يلين بحقنا في وطننا الذي نذود عنه بالأرواح والابناء والدماء وحقنا في كرامتنا وعيشنا في وطننا وكياننا وفوق ارضنا التي ما آلت الى الابناء الا بعد عناء طويل تكبده الاجداد القدماء منذ مئات السنين الى ان عرف كل طرف حقه وكل قبيلة وعشيرة وبلدة وقرية ومكون في البوادي والحواضر والارياف والشفا والاغوار حقه وحقوقه في الارض والكلاء والمياه في عقود وفاء وكرامة بين أمراء ومشايخ وشيوخ وقادة المجتمعات المحلية، وفوضت الاراضي بأسماء ملاكها الاصليين الذين كانوا يتوحدون في واجه كل غاز خارجي ، وحددت وأجهات العشائر وصاغوا وحدة شعبية فِي ضَل الإمبرطورية العثمانية واتفاقات ملزمة لا حياد عنها بانهاء العداوات والقتال والعيش بسلام وطمأنينة ووئام وفِي الدفاع المشترك عن البلاد حيث استتب الأمن لعقود طويلة ولازال بفضل من الله وتوفيقه وبنوايا صادقة بترك الخلافات والسلبيات الى الأبد وعزز ذلك فيما بعد قيام دولة المؤسسات والقانون ومارس الناس أعمالهم في الزراعة والفلاحة والتجارة والرعي دون مشاكل تذكر وتصالح الناس مع واقعهم الجديد آنذاك وعملوا جميعاً على استتباب الامن والأمان وتسامحوا وتصاهروا وتهادوا وتحابوا وتعايشوا ضمن عقد اجتماعي محكم اتفق عليه الجميع في كل آنحاء الاردن وحوران وفلسطين ضمن حقوق اجتماعية عشائرية وأعراف وتقاليد صارمة تحاسب كل معتد ومجرم بعقوبات تتدرج حسب الجرم وتصل الى القتل وهدر الدم ، والطرد والجلوه ولازال ذلك سارياً الى يومنا هذا في الحقوق العشائرية والقضاء العشائري المساند لسلطة القضاء في الدولة الاردنية وما كنّا لنذكر ذلك الا توضيحاً للصورة التي يحاول البعض تعتيمها بضباب الفتنة والتجاوز على الاردن الارض والوطن وعلى الأردنيين الشعب والكرامة والوجود والهوية .
ويعلم الجميع انه بعد ان انتفض العرب بقيادة الشريف حسين شريف مكة ضد الظلم الذي لحق بهم بعد ان ضعفت الإمبرطورية العثمانية وتآمر عليها الصهاينة ودول كثيرة وولوا عليها من دمرها من الداخل ، فقد أيد الاردنيون والفلسطينيون وأهل الشام ثورة الشريف وأرسلوا له قبل ذلك مبعوثين ليخبروه تأييدهم له ، وأستقبل الاردنيون المقاتلون الموحدون الأقوياء الكرماء المؤمنون بوحدة الامة وحتمية استنهاضها من الضعف مثلهم مثل أهل بلاد الشام والعراق استقبلوا الهاشميين بالحفاوة والمحبة، وجاء الامير عبدالله بن الحسين الى شرق الاردن وصاغ والأردنيون عقد الإمارة ( إمارة شرق الاردن ) وبنوا الجيش الموحد والوزارات والمحاكم والمؤسسات ثم صاغ الاردنيون والفلسطينيون بعد وحدتهم مع الامير وبقيادته عقدهم ملكاً على المملكة الأردنية الهاشمية ضمن الدستور الاول وقد خاض الاردنيون والفلسينون معاً ومعهم عربٌ احرار كل معارك الشرف والبطولة ضد المستعمرين والصهاينة الغزاة دفاعاً عن كرامة وشرف ومقدسات الامة وقدم الشعبان ولايزالان قوافل الشهداء قافلة تلو الأُخرى، وانتفض الشعب الفلسطيني انتفاضات مجيدة ضد الظلم والاستعمار والطغيان والاستبداد والاستيلاء على الارض وتدنيس المقدسات ، وارتقى من اجل الأهداف النبيلة والحقوق التاريخية الخالدة مئات آلاف الشهداء والجرحى والمصابين من خيرة الشباب الذين يسطرون الى الآن بطولات خارقة ويرعبون ويرهبون عدو الله وعدوهم واضعين نصب اعينهم تحرير فلسطين كل فلسطين من نير الاحتلال الغاشم ، فأي صفقة لن تمر من عندنا وأي خيانة لن تمر من عندهم ، وليعلم كل المرتجفين والراجفين والمرجفين والخانعين والخائفين وأبواق الاستعمار ومتسولي السفارات ان الاردن وطن الشجعان النشامى الأبطال الذين لايعرفون الخوف وأرض حشد الامة ورباطها وان النصر هنا وسيكون على الباطل من هنا، وليخسأ الخونة واعداء الامة فاروحنا نقدمها رخيصة من اجل الاردن وفلسطين ، والأردنيون مستعدون لافشال صفقة القرن وكل المؤآمرات ولن تكون على حسابهم وسيوفهم الحمر متحفزة وزهابهم ينتظرهم وشعلة البارود مازالت متقدة والأردنيات يحتفظن بالمدارق السود ليلبسنها سوداء خالصة من دون تطريز ويغنين من جديد (اسود صباح العدا يوم عليهم شين).