لماذا نفذ الأردن عملية ضد داعش؟!
اثارت عمليات القصف الاردنية على مواقع داعش في سوريا، تساؤلات كثيرة، بخصوص ما تعنيه حصرا في هذا التوقيت، وامتدت التأويلات الى الكلام عن التوطئة لمرحلة مقبلة.
اولا، هذه العمليات ليست جديدة، فالاردن جزء من التحالف الدولي، الذي ينفذ عمليات ضد هذا التنظيم، وهي عمليات ليست سرية، وتم الاعلان عنها مرارا.
ثانيا، نفذ الاردن طلعات جوية ضد داعش منفردا، بعد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة، من باب الثأر والانتقام، لما فعله التنظيم بالطيار، ولربما كانت تلك العمليات، الاولى من نوعها التي تأتي منفردة وبمعزل عن قوات التحالف الدولي، لكن بعلمها.
معنى الكلام ان عمليات البارحة، تعد الثانية التي ينفذها الاردن منفردا، بمعزل عن قوات التحالف، جزئيا، لان هناك تنسيقا لوجستيا، يبقى قائما، حتى في العمليات الفردية، والاغلب ان سببها، يتعلق بقراءة استراتيجية تقول ان وضع التنظيم في سوريا، يضعف تدريحيا في ساحات عديدة، لكنه يقوى حصرا في جنوب سوريا، ومن المحتمل ان ترتد قوته على الاردن، في حال هوجم من الروس، او غيرهم، بحيث يسعى الى التمدد الى الاردن وشبك الجبهتين السورية والاردنية، وهذه القراءة، تؤدي فعليا الى استباق هذا الخطر، وتنفيذ مثل هذه العمليات ضد التنظيم.
الارجح هنا ان الاردن اخذ موافقة الاميركان والتحالف الدولي، وابلغهم بهذه العمليات مسبقا، لاعتبارات كثيرة، ولا يستبعد ابدا ان الروس لديهم ابلاغ مسبقا، بالعملية، بما يعني ان نظام دمشق على معرفة، بما يقول ان الطائرات الاردنية لم تخترق الاجواء السورية، وهي نفذت هذه العملية بتوافق دولي.
لكن في الظلال هناك من يرى ان العملية، قد تمهد لتدخل بري او اقامة منطقة آمنة في جنوب سورية، ولا يحدد هؤلاء، هل التدخل البري يأتي لاقامة منطقة آمنة، او لتطهير المنطقة من التنظيم، خصوصا، ان الكلام لا يزال غير واضح، بشأن طبيعة القوات البرية، وجنسيات المشاركين فيها؟!.
في كل الاحوال لا بد من الاشارة اولا، الى ان اقامة منطقة آمنة، وهو ما حض عليه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بقي غامضا، فالروس، اعلنوا رفضهم في البداية للطلب الاميركي، ثم عادوا وقبلوه شريطة موافقة النظام السوري، وشريطة وجود مظلة دولية.. وهذان الشرطان، يعنيان فعلا، ان المنطقة الامنة لها وظيفة واحدة، هي حماية السوريين من التنظيم، وتطهير المنطقة بما يصب لصالح النظام السوري.
لا يمكن لواشنطن ان تقيم مناطق آمنة دون موافقة روسية، ودون موافقة مجلس الامن، الذي يمتلك فيه الروس حق الفيتو، وعلى هذا فإن معنى مصطلح «مناطق آمنة» يحمل صيغة مختلفة عن الصيغة التي تم اطلاقها بدايات الازمة السورية، والتي كانت تعني تجنيب المدنيين، قصف النظام وعملياته، فالصيغة بالشروط الروسية مختلفة تماما، وتعني ان «المناطق الامنة» بموافقة النظام تصب لمصلحة النظام، وموجهة ضد داعش، والفرق كبير بين توقيت الصيغتين ومعناهما.
لهذا لا يمكن اعتبار القصف الاردني، توطئة لاقامة مناطق آمنة، على المدى القريب على الاقل، وما يمكن اعتباره ان الاستراتيجية الامنية الاردنية، تسعى الى تجفيف مصادر الخطر، حاليا، ومن ناحية عملية، فهذا يخفف فعليا الضغط على النظام السوري، دون ان يكون ذلك هدفه، اذ ان هدفه منع التسلل عملياتيا الى الاردن، خصوصا، بعد ما جرى في مخيم الركبان وانفجار سيارة فيه، تثبت انه بات محطة من محطات التنظيم قرب الاردن، وانه مرشح لتصدير اخطار الى الاردن.
يحتاج الاردن وغيره من دول محيطة بسوريا، الى شهرين، حتى تتضح الصورة كليا، على صعيد ما يتفق عليه الاميركيون والروس، وعلى صعيد مفاوضات السلام السورية في جنيف، اضافة الى جملة عوامل اخرى، وحتى ذلك الوقت، لا يمكن اعتبار العملية التي نفذها الاردن ضد التنظيم، ذات دلالات اعمق، فهي تنحصر فقط، في ردع التنظيم، واجباره على التحوصل، لا التمدد.
الدستور