ابو عرقوب يكتب: كيف نفهم الآخر؟
مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/26 الساعة 09:08
د.حسان أبوعرقوب
نعيش في منطقتنا العربية وسط فسيفساء بشرية متنوعة من حيث الأديان والأعراق واللغات والقوميات، مما يزيد هذه المنطقة أهمية على أهميتها، فالتنوع عامل إثراء لأي منطقة أو مجتمع، إلا أنه إذا استغل بشكل سلبي ربما يكون عامل هدم وفتنة وانقسام واحتراب.
ومما يعين على منع هذا الاستغلال السلبي للتنوع بين الناس هو فهمهم، لكن السؤال كيف نفهم الناس المختلفين عنا، أي كيف نفهم الآخر؟
الطريقة التقليدية لفهم المختلفين عنا أن نرجع إلى مراجعنا نحن كي نفهمهم، ولا نرجع إلى مصادرهم هم، وهذا ربما يكون خللا في منهج البحث؛ لأنك ستجد كثيرا من التجني والأساطير والكلام غير الصحيح، لأنه غالبا سيكون من وجهة نظر لا تتصف بالحياد، بل وكثيرا ما تتصف بالتحامل والانحياز.
وأضرب على ذلك مثالا، لو أردنا أن نتعرف على المسيحية، فلجأنا إلى الموسوعة (الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة) الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي، سنرى( النصرانية، هي الدين الذي انحرف عن الرسالة التي أنزلت على عيسى عليه الصلاة والسلام) ، وأتعجب لمَ لمْ يعرّفها بأنها دين سماوي بعث به سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام.
وفي تعريف الصوفية تقول الموسوعة: (..ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف والمشاهدة لا عن طريق إتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة) وهذا تحامل وتزوير وتدليس يعكس وجهة نظر واحدة وأحادية فقط.
وهكذا قل في سائر الأديان والطوائف والفِرق، فكتاب هذه الموسوعة يمثلون وجهة نظر معينة بنوا كتابهم عليها، وأصل هذه النظرة أن أفكارهم تمثل أهل السنة والجماعة، ومن عداهم إما كافر أو فاسق أو ضال أو مبتدع. وهذه النظرة في غاية الإقصائية، وتمثل شكلا من أشكال التطرف التفكري، الذي سيفرّخ عاجلا أو آجلا أفرادا متطرفين، لا يقبلون غير أنفسهم.
ويقاس على المثال السابق الكثير من الكتب، فما الحل إذن؟ الحل في أن نتعرف على الآخر من خلال ما يقدمه هو عن نفسه، بعيدا عن أي مغالطات أو افتراءات أو تصنيفات، فكل واحد أدرى بنفسه، وله الحق في أن يقدم نفسه للآخر بالصورة التي يراها مناسبة، والحكم في النهاية للقارئ.
ومن ناحية أخرى طريقة الكتابة لا بد أن تصب في خانة التعريف لا الاستعداء، وأن يتم التركيز على المشتركات الأخلاقية والإنسانية، بدل توجيه الأنظار إلى النقائص، وتكفير أو تضليل الآخر. فالغاية هي التعرف على الآخر الذي يجاورني في الوطن كي نعمل ضمن المشتركات، وليست الغاية أن أكفر الآخر أو أبدعه كي أقطع أية صلة تربطني به وإن كانت الصلات كثيرة، مثل: الوطن الواحد، واللغة الواحدة، والتاريخ المشترك، والجوار.
لذلك أدعو من يهمهم الأمر أن يقوموا على إنشاء مشروع كتاب تعريفي، يعرف بالأديان والطوائف الموجودة في بلادهم، وأن يكون منهج الكتابة موحدا، وأعداد الكلمات والصفحات محددة. وأن يقوم كل أهل ديانة أو طائفة بكتابة القسم الخاص بهم، ثم يتم تجميع الكتاب وطباعته، وتحميله إلكترونيا، ليكون مرجعية موثوقة في التعرف على الآخر، هذه خطوة أولى ربما تزيل بعض التشنجات أو الخوف من الآخر.
هذه خطوة أولى ويليها خطوات كثيرة، وطريق الألف ميل تبدأ بخطوة، والهدف أن يعيش الكل في أمان وسلام، لنتكلم فنقول كأبناء وطن واحد: نحن وعندنا ولنا، بدل أن نقول: نحن وهم، وعندنا وعندهم، ولنا ولهم، هذه هي البداية فمن يعلق الجرس؟
مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/26 الساعة 09:08