تغيير العقد الاجتماعي كترف سياسي..
مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/26 الساعة 02:25
ولو قلنا عنه بأنه مشروع مستحيل لما جانبنا المنطق ولا أقول الصواب، أعني مشروع الدكتور عمر الرزاز الذي يتبناه وتسعى جهات كثيرة لتسمية الرزاز كمهندس له، علما أن الرجل لم يفعل شيئا سوى كتابته لبحث قدمه كدراسة تتحدث عن المطلوب وليس عن الواقع، وكيف تتحول الدول الريعية الى أن تكون دولا منتجة، من خلال تغيير العقد الاجتماعي، وتم تقديم البحث كمساهمة في «المؤتمر السنوي الأول في العلوم الاجتماعية والإنسانية» المنعقد في الدوحة (آذار 2012)، وكان عنوانه « الطريق الصعب نحو عقد اجتماعي جديد»، وقد نال البحث « الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية لتشجيع البحث العلمي» للعام الأكاديمي 2011 - 2012، لفئة الباحثين، ويبدو أن جهات ما التقطت البحث وعملت عليه، ليكتشف الباحث بأنه غدا صاحب مشروع تغيير العقد الاجتماعي في الدولة الأردنية..مهمة مستحيلة تحتاج لجهود فوق اسطورية لتحقيق فكرة سياسية «رومنسية» مستحيلة النجاح بكل تأكيد، وذلك إن تحدثنا بواقعية.
التحول من الدور الريعي الى الدور الانتاجي يكون سلسا في حالة الدول القوية اقتصاديا والمستقرة سياسيا والآمنة من التهديدات الداخلية والخارجية، وحين نتحدث عن الأردن سنكتشف بأن مثل هذا التحول ليس فقط مستحيلا، بل هو ترف فكري في مثل ظروف الأردن، البلد الذي لم يأمن التحديات والصراعات الاقليمية يوما واحدا منذ قرابة قرن من الزمان، وهو البلد الذي تشكل في ظروف سياسية متنامية الاحتداد والتأزيم، والواقع في منطقة تشهد صراعات هويات ويحتل فيها العدو الصهيوني المساحة الأهم من التأثير والتوجيه والادارة..
الحالة الديمقراطية النسبية التي يتمتع بها الأردن ربما تكون ميزته عن غيره من دول المنطقة، لكنها لا تكفي لإجراء تغييرات هيكلية جذرية، تدفع الحكومات أن تتخلى عن أدوارها الوطنية المتمثلة بتجسيد وتمتين العلاقة بين الدولة ورعاياها، لتجعلها مجرد علاقة قانونية كتلك التي تربط المجتمعات والرعايا في الدول الديمقراطية الاسكندنافية، حيث القانون هو العلاقة الوحيدة التي تربط المتواجدين على اراض تلك الدول مع المؤسسات وبينهم وبين الأفراد والكيانات المختلفة، لكن لدينا ما نسميه «حالة أردنية» لا يمكن تجاهلها، وهي تزخر بكثير من التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية، يصبح معها مشروع «الدولة العسكرية» عملي ومنطقي أكثر من دولة الإدارة العامة.
ويكون المشروع محكوما بالفشل حين ندرك حجم التردي الاقتصادي الذي تعاني منه دولة، ظلمت أصلا في تقسيمات «سايكس – بيكو»، وتم ترسيم حدودها باعتبارها كيانا «مؤقتا» خاليا من مقومات فعلية للدولة المستديمة، بل ينتظر مزيدا من الهجرة اليهودية لفلسطين وإتمام الفكرة التوسعية الصهيونية، وهذه حقيقة يتجاوز عنها أي منظر للتغيير، وتعبر عن لا واقعية، وفيها تجاوز وافتئات كبير على قصة النجاح التي كتبها التاريخ، حيث نجح الأردن في البقاء على الخارطة بجهود وتضحيات كبيرة من قيادته ومن شعبه الوفي.. لا سيما حين نتحدث عن المواطن الذي يعتبر نفسه بأنه يقدم كل التضحيات من أجل استقرار سياسي واجتماعي وأمني عام، بينما يعاني نقص كثير من الخدمات «صحة ، تعليم..الخ»، والتي تكون عادة مجانية ومتطورة جدا في الدول القوية والغنية والراسخة في الديمقراطية وسيادة القانون، والتي لا تحتمل رغم رفاهها واستقرارها عبثا في العقد الاجتماعي.
لسنا ضد العدالة الاجتماعية ولا حتى ضد مشروع تغيير العقد الاجتماعي، ليتحول فيه المواطن الى فرد منتج قادر على ان يدير حياته وفق منظومة قوانين مستقرة، يتساوى الناس تحت مظلتها، وتصبح علاقته بالدولة وحكوماتها علاقة تبادلية تحكمها الخدمات التي تقدمها المؤسسات للمواطن، ويتمتع فيها الناس بنفس الحقوق، وتتنافس فيها الحكومات على تقديم الأفضل للمواطن، لكننا نصطدم بواقع آخر، حيث تتناسل التهديدات والتحديات الوجودية حول الأردن وفيه جراء صراعات أجندات دولية وغيرها، وتتفاقم الحالة الاقتصادية سوءا، وتتوالى الهجرات الانسانية ولا يمكن تقديم أي ضمانات لعدم تدفق المزيد منهم، سيما وأن فكرة وجود هذه الدولة في ذهنية كثير من القوى الدولية العظمى بأنها مجرد مستودع لأزمات اللجوء المنبثقة عن جولات الصراع الدولي في المنطقة..
المعروف أن طرفي العقد الاجتماعي هما الحاكم والمحكوم، ولا يمكن تغييرها الا بتغير أحد أطرافها، أو اتفاقهما على التغيير في ظروف مثالية وهي التي نفتقدها تماما في الأردن، بسب تواضع قدراتنا الاقتصادية، وزخم التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية الخارجية والداخلية، وأي حديث عن أي تغيير في الأردن يكون ترفا ومتعلقا بالكواكب الأخرى ما دام لم يراع هذه الحقائق.
ورغم هذا نتمنى للرزاز تحقيق تغييرات مطلوبة وممكنة وواقعية، فأية نسبة منها في مثل هذا التوقيت تكون إصلاحات، وتستحق الثناء والتأييد، وهو ما يدعمه الناس، دون التحليق في آفاق بعيدة جدا عن الواقع الذي نلمس بكل جوارحنا ..
وأرجو أن لا ينسى الرئيس بأن الأخطاء تتزايد من بعض أعضاء الفريق الحكومي، وتتناقل الأخبار ما يشبه البلطجة السياسية التي تنتجها عقليات الإدارة في بعض المؤسسات دونما حسيب ولا رقيب ولا قانون، وبشكل يناقض تماما الطرح النظري الجميل.. فدعونا نلتفت الى الواقع ونتوقف عن مطاردة الأحلام والنظريات.. الدستور
التحول من الدور الريعي الى الدور الانتاجي يكون سلسا في حالة الدول القوية اقتصاديا والمستقرة سياسيا والآمنة من التهديدات الداخلية والخارجية، وحين نتحدث عن الأردن سنكتشف بأن مثل هذا التحول ليس فقط مستحيلا، بل هو ترف فكري في مثل ظروف الأردن، البلد الذي لم يأمن التحديات والصراعات الاقليمية يوما واحدا منذ قرابة قرن من الزمان، وهو البلد الذي تشكل في ظروف سياسية متنامية الاحتداد والتأزيم، والواقع في منطقة تشهد صراعات هويات ويحتل فيها العدو الصهيوني المساحة الأهم من التأثير والتوجيه والادارة..
الحالة الديمقراطية النسبية التي يتمتع بها الأردن ربما تكون ميزته عن غيره من دول المنطقة، لكنها لا تكفي لإجراء تغييرات هيكلية جذرية، تدفع الحكومات أن تتخلى عن أدوارها الوطنية المتمثلة بتجسيد وتمتين العلاقة بين الدولة ورعاياها، لتجعلها مجرد علاقة قانونية كتلك التي تربط المجتمعات والرعايا في الدول الديمقراطية الاسكندنافية، حيث القانون هو العلاقة الوحيدة التي تربط المتواجدين على اراض تلك الدول مع المؤسسات وبينهم وبين الأفراد والكيانات المختلفة، لكن لدينا ما نسميه «حالة أردنية» لا يمكن تجاهلها، وهي تزخر بكثير من التحديات السياسية والاجتماعية والأمنية، يصبح معها مشروع «الدولة العسكرية» عملي ومنطقي أكثر من دولة الإدارة العامة.
ويكون المشروع محكوما بالفشل حين ندرك حجم التردي الاقتصادي الذي تعاني منه دولة، ظلمت أصلا في تقسيمات «سايكس – بيكو»، وتم ترسيم حدودها باعتبارها كيانا «مؤقتا» خاليا من مقومات فعلية للدولة المستديمة، بل ينتظر مزيدا من الهجرة اليهودية لفلسطين وإتمام الفكرة التوسعية الصهيونية، وهذه حقيقة يتجاوز عنها أي منظر للتغيير، وتعبر عن لا واقعية، وفيها تجاوز وافتئات كبير على قصة النجاح التي كتبها التاريخ، حيث نجح الأردن في البقاء على الخارطة بجهود وتضحيات كبيرة من قيادته ومن شعبه الوفي.. لا سيما حين نتحدث عن المواطن الذي يعتبر نفسه بأنه يقدم كل التضحيات من أجل استقرار سياسي واجتماعي وأمني عام، بينما يعاني نقص كثير من الخدمات «صحة ، تعليم..الخ»، والتي تكون عادة مجانية ومتطورة جدا في الدول القوية والغنية والراسخة في الديمقراطية وسيادة القانون، والتي لا تحتمل رغم رفاهها واستقرارها عبثا في العقد الاجتماعي.
لسنا ضد العدالة الاجتماعية ولا حتى ضد مشروع تغيير العقد الاجتماعي، ليتحول فيه المواطن الى فرد منتج قادر على ان يدير حياته وفق منظومة قوانين مستقرة، يتساوى الناس تحت مظلتها، وتصبح علاقته بالدولة وحكوماتها علاقة تبادلية تحكمها الخدمات التي تقدمها المؤسسات للمواطن، ويتمتع فيها الناس بنفس الحقوق، وتتنافس فيها الحكومات على تقديم الأفضل للمواطن، لكننا نصطدم بواقع آخر، حيث تتناسل التهديدات والتحديات الوجودية حول الأردن وفيه جراء صراعات أجندات دولية وغيرها، وتتفاقم الحالة الاقتصادية سوءا، وتتوالى الهجرات الانسانية ولا يمكن تقديم أي ضمانات لعدم تدفق المزيد منهم، سيما وأن فكرة وجود هذه الدولة في ذهنية كثير من القوى الدولية العظمى بأنها مجرد مستودع لأزمات اللجوء المنبثقة عن جولات الصراع الدولي في المنطقة..
المعروف أن طرفي العقد الاجتماعي هما الحاكم والمحكوم، ولا يمكن تغييرها الا بتغير أحد أطرافها، أو اتفاقهما على التغيير في ظروف مثالية وهي التي نفتقدها تماما في الأردن، بسب تواضع قدراتنا الاقتصادية، وزخم التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية الخارجية والداخلية، وأي حديث عن أي تغيير في الأردن يكون ترفا ومتعلقا بالكواكب الأخرى ما دام لم يراع هذه الحقائق.
ورغم هذا نتمنى للرزاز تحقيق تغييرات مطلوبة وممكنة وواقعية، فأية نسبة منها في مثل هذا التوقيت تكون إصلاحات، وتستحق الثناء والتأييد، وهو ما يدعمه الناس، دون التحليق في آفاق بعيدة جدا عن الواقع الذي نلمس بكل جوارحنا ..
وأرجو أن لا ينسى الرئيس بأن الأخطاء تتزايد من بعض أعضاء الفريق الحكومي، وتتناقل الأخبار ما يشبه البلطجة السياسية التي تنتجها عقليات الإدارة في بعض المؤسسات دونما حسيب ولا رقيب ولا قانون، وبشكل يناقض تماما الطرح النظري الجميل.. فدعونا نلتفت الى الواقع ونتوقف عن مطاردة الأحلام والنظريات.. الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/26 الساعة 02:25