فيما لو؟!

مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/25 الساعة 01:58

يمكن القول، باطمئنان، إنّ اتفاقية خفض التصعيد في درعا، التي رعاها الأردن في العام الماضي بين الولايات المتحدة الأميركية والروس، باتت في حكم "الموت السريري"، مع القصف العنيف على درعا وحشود النظام السوري والاشتباكات والتسخين الهائل على الجبهات الحيوية، ومنها "درعا البلد".

اليوم يدرك الأردن، رسمياً، عدم إمكانية استمرار الوضع الراهن، مع التطورات الأخيرة، وهو لا يمانع صراحةً من عودة الجيش السوري إلى الحدود، وفتح معبر نصيب. لكن ذلك ضمن سيناريو أُطلق عليه مصطلح "المصالحات" بأن يتم سلمياً وعبر عودة "رقيقة" -كما وصفها تقرير مجموعة الأزمات الدولية، للنظام السوري إلى مناطق درعا، بمعنى أن تكون -أي العودة- متدرّجة، ضمن رعاية دولية وإقليمية، وبترتيبات وإشراف روسي، لأنّ الوضع المحلي معقد، وهنالك خشية هائلة من قبل السكّان من عودة النظام وعمليات الانتقام المتوقعة.

هذا السيناريو -ويمكن أن يضاف إليه "العامل الإسرائيلي" المهم والأساسي في معادلات الجنوب الغربي الروسي- يتضمن "ضمانات" بإبعاد الميليشيات "الطائفية" (المقصود الموالية لإيران) عن المناطق الحدودية، وعدم تواجد إلاّ الجيش السوري على المناطق الحدودية.

على هذا الأساس يعمل "مطبخ القرار" في عمّان وعلى ذلك يراهن. ففي النهاية لن يغامر الإيرانيون والنظام السوري بإطلاق العنان للماكينة العسكرية الإسرائيلية في حال لم تتم عملية الجنوب وفق تصوّرات إقليمية ودولية مشتركة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الأطراف الاستراتيجية والأمنية.

إلى الآن هنالك محاولات ديبلوماسية جارية على قدم وساق لمسابقة الآلة العسكرية النظامية والإيرانية والروسية في المناطق الجنوبية الغربية، في محاولة لإيجاد ترتيبات سياسية وتفاهمات تضمن عدم الوصول إلى السيناريو الأسوأ. ويعتقد المسؤولون الأردنيون بأنّ ما يحدث حالياً من تحشيد عسكري وقصف وعمليات حربية ما هي إلاّ ضغوط قوية على المعارضة للقبول بالحلول السلمية.

لكن، ماذا لو تعثّر الوصول إلى حلول سلمية وسيناريو توافقي دولي-إقليمي على "عودة النظام"، وشروط ذلك، وانفجرت العمليات المسلّحة، وهو أمر محتمل بأيّ لحظة، ما هي الخيارات المتاحة أمام الأردن في مواجهة تداعيات ذلك؟!

السفارة الأميركية في عمّان -كما تؤكّد مصادر المعارضة السورية- أعلنت رفع يدها رسمياً عن المعارضة المسلّحة، وإحجامها عن أي تدخل ممكن، وقالت ذلك بصراحة شديدة للمعارضة عبر رسالة طالبتهم بأن يقرروا بأنفسهم ما هي مصلحتهم ومصلحة السكان المحليين من دون توقع دعم أميركي!

ضمن هذه المعطيات، فالأردن لن يخرج موقفه عن ذلك، لكن مع تأكيد رسمي -وراء الجدران الرسمية- بأنّ الأردن لن يستقبل أي لاجئين سوريين آخرين، أيّا كانت الحجج الدولية والإنسانية، لأنّ الأردن تحمّل كثيراً خلال الفترة الماضية، ولأنّ العالم خذل الأردن وتخاذل في توفير الدعم المطلوب!

التأكيدات الأردنية مجرّد نظريات على الورق لم تختبر، فإذا كان هنالك عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في حالات إنسانية كارثية هاربين من الحروب والقتال العنيف والقصف، إن قرّرت المعارضة المسلّحة القتال والمواجهة، وهذا احتمال ممكن، على الأقل على صعيد المعارضة التي تقع خارج نطاق العلاقة مع الأردن والحلفاء، فإنّ سيناريو الغوطة الشرقية وريف دمشق سينتقل إلى درعا، وسيكون الوضع المأساوي بحدّ ذاته ضاغطاً، من ناحيتين إنسانية وقانونية، على الأردن لإيجاد حلول للهاربين من ويلات الصراع!

أظن أنّ معادلة الجنوب الغربي من شقين، وليس من شقّ واحد؛ الأول يتعلّق بالجانب الأردني- حدودنا ودرعا، والثاني بالحدود الإسرائيلية، التي سيكون الإيرانيون والروس حذرين تجاهها، فقط من الضروري أن نفكّر عميقاً بهذه السيناريوهات فيما لو؟!

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/25 الساعة 01:58