قصة «المعلولية» وامتيازاتها

مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/24 الساعة 00:48
آخر نسخة موثقة وصلتنا من «أرشيف» الفساد المغطى بالقانون هي نسخة «المعلولية»، ومن المفارقات أنها وصلت الينا بطريقة الخطأ المقصود، هذا الذي غالباً ما يتعمده البعض لتصفية حساباتهم، او لتيئيس الناس من إصلاح واقعهم، او للتغطية على كوارث قادمة واشغال الجمهور بما يناسب رغائبه. المهم انها وصلتنا لكنها لم تصدمنا، فنحن – المتابعين للشأن العام- نعرف ان مجتمعنا تعرض في السنوات الماضية لموجة ضربت بنيته الأخلاقية، وزلزلت اركان الوظيفة العامة التي كانت نموذجاً للنظافة والاستقامة فيما مضى، لكن ما حدث في الأيام الماضية فاجأنا لأكثر من سبب، الأول ان «أبطال» القضية من كبار الموظفين وبعضهم كان محسوباً على قائمة «الاستقامة الوطنية»، الثاني ان الوثائق الرسمية التي تم تحريرها في هذا السياق وجرى تسريبها يفترض ان تكون «محمية» فكيف تم تسريبها ولماذا؟ السبب الثالث هو توقيت إثارة القصة وما يرتبط به من اهداف واستحقاقات في هذه المرحلة بالذات، واعتقد ان اختيار التوقيت لم يكن بريئا، أما الرابع فهو ان ثقافة «انهب واهرب» تغلغلت في مجتمعنا إلى هذا الحد المؤسف، حتى اصبحت لدى البعض جزءا من «حلم « تأمين حياة «كريمة» لهم ولاولادهم بالمستقبل. لا أتحدث هنا -كما يدرك القارئ الكريم- عن نظام التقاعد سواء المدني او الضمان الاجتماعي الذي ينص على الكيفية التي يستفيد منها الموظفون والعاملون من الزيادات على رواتبهم إثر إصابات او امراض تعرضوا لها أثناء أدائهم لأعمالهم، فهذا حقهم الطبيعي، لكن ما جرى على أرض الواقع يتجاوز هذه الحقوق القانونية، لدرجة يمكن ان نتصور بأن كثيرا من صور الفساد والتعدي على المال العام مرت من تحت لافتة «تطبيق القوانين والأنظمة» وهي صور أسوأ بكثير من صور الفساد «الصغير» المكشوف قانونياً. لدي الكثيرين منا ما يكفي من قصص عن «أشخاص» يتمتعون بمعلولية على رواتبهم التقاعدية، بعضهم أخذها بوجه حق، وآخرون انتزعوها بطرق غير مشروعة، المشكلة هنا أن المسألة لا تتعلق بالزيادة التي تضاف للراتب التقاعدي وانما بامتيازات أخرى أبرزها ما يتمتع به أبناء هؤلاء المتقاعدين الحاصلين على معلولية «الجسيم» من فرص للدراسة الجامعية من البكالوريوس للدكتوراه في الجامعات الأردنية وفي الخارج أيضاً، وهي تكلف الدولة ملايين الدنانير. المسألة الأخرى أن بعض هؤلاء الذين تقاعدوا «بمعلولية» (شافاهم الله) قرروا العودة للعمل العام، او استدعوا اليه، وإذا تجاوزنا عن إمكانية قدرتهم على انجاز أعمالهم في خدمة الناس بعد ان صدر قرار طبي يصنفهم بدائرة «العجز الكلي او الجزئي» فإن فزعة تنازلهم عن هذا الحق خوفاً جاء تبشكل مثير للسخرية، ليس فقط لانهم فعلوا ذلك خوفا من ردود الشارع الذي تنبه للقضية وندد بها، وانما لأنهم ايضاً ظنوا ان تنازلهم كان بمثابة إعلان عن براءتهم من تهمة «المرض» ودليل على استعادة صحتهم وعافيتهم بمجرد حصولهم على وظيفة جديدة. تبقى نقطة أخيرة، وهي أنني أفهم بأن يحصل متقاعد عمل ثلاثين سنة وربما أكثر في وظيفة وتعرض خلالها لإصابات او أمراض استدعت منحه معلولية، لكن ما لا يمكن فهمة او «بلعه» هو أن يحصل موظفون كبار على معلولية وصلت الى «جسيم» لمجرد خدمة لم تتجاوز عاما او عامين، وكأن خدمتهم للناس من مكاتبهم اورثتهم عجزاً يخولهم انتزاع شامل الامتيازات... باختصار، كنا في ما مضى نطالب المسؤول بإشهار ذمته المالية أما الآن فمن واجبنا ان نطالبه بإشهار ذمته الصحية أيضا! الدستور
  • قانون
  • الموظفين
  • قائمة
  • ثقافة
  • كريمة
  • تقبل
  • موظفو
  • أعمال
  • مال
  • قوانين
  • كشوف
  • المتقاعدين
  • الأردن
  • علان
  • منح
  • لب
مدار الساعة ـ نشر في 2018/06/24 الساعة 00:48