تراكم الفوضى في وسائل التواصل الاجتماعي إلى أين؟
د. أمل نصير
تُعدّ مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها من أكثر الوسائل فعالية في تسهيل التواصل بين الناس، وتقريب المسافات بينهم، وحرية التعبير عن الرأي، والاستماع إلى الرأي الآخر، فهي وسيلة التثقيف والارتقاء بالأفكار، وتمتاز بسرعة انتشار المعلومة، ومشاركتها مع الآخرين، وبالتالي، فإن الجنوح للفوضى في استخدامها وخروجها عن مسارها الإيجابي يمكن أن يكون له تأثير كبير على بنية المجتمع وسلمه المجتمعي.
ومما يلاحظ مؤخرا أن الفوضى في وسائل التواصل الاجتماعي بدأت تظهر جليا، وتتراكم في أوصالها؛ مما ينذر بالخطر؛ فالخلل فيها يتوسع يوما بعد يوم، وفي قراءة بسيطة لمضامين الحوارات والتعليقات على منصاتها يتضح وجود كم من التخلف الفكري، والعنف اللفظي، والبعد عن النقد الموضوعي، وضعف القدرة على التواصل مع الآخر، ولولا بقايا من قيم وأخلاق يجاهد المجتمع للحفاظ عليها في مواجهة جيش الكتروني ضخم يتسم جزء منه بالانفلات لكانت الأمور أكثر سوءا.
والفوضى فيها نوعان: معلوماتية وأخلاقية، فهناك تخبط وعشوائية في نشر المعلومة وتشويهها، وحوارات مبنية على ذلك تتسم بالانحدار الأخلاقي، والانفلات من أدب النفس، وتهذيب اللسان، واحترام الذات؛ لذا انتشرت الإشاعات المغرضة بهدف تضليل الرأي العام وتشويهه، وفسدت الذائقة الاجتماعية بعبارات نابية، مشعلة خطاب الكراهية بين الجميع؛ الشيب والشباب، والذكور والإناث؛ مما يشكل حالة مقلقة يجب محاصرتها، وتتزايد خطورة هذا الوضع مع الانتشار الكبير والإقبال المتزايد على استخدام الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي في ظل انتشار شبكات الجيل الثالث والرابع، وانتشار الهواتف الذكية إذ يوجد أكثر 7ر8 مليون اشتراك إنترنت في الأردن، والأرقام التقديرية تشير إلى وجود أكثر من 8ر4 مليون حساب أردني على الفيسبوك، ومليون على الانستغرام، و350 ألفا على التويتر، و6 ملايين على الواتس اب...
لقد فهم عدد من الناس أنه شخصية افتراضية في عالم افتراضي، وبأن لا أحد يراه او يسمعه في خلوته، فاستعذب كشف عورات أخلاقه، وترك العنان للسانه غير المنضبط، إحساسا منه أن هذا من صفات الشخصية القوية، والرجولة العظيمة، والمعارضة المنتجة ناسيا أو متناسيا قول الشاعر:
لسانك لا تذكر به عورة امرىء فكلك عورات وللنــــــاس ألسن
ففي الحوار الشفاهي يلحظ الإنسان ردود فعل الآخرين، فيستشعر تجاوزه، ويضبط نفسه، فيختصر جدله ونقاشه على قدر ما يصله من رفض أو قبول الآخر له، أما في وسائل التواصل الاجتماعي، فيظن هذا المتجاوز على الأعراف بأنه دون رقابة ، فيترك العنان لبدائل قلمه، ويعبر عما في نفسه، ولما كانت نسبة كبيرة من أفراد المجتمع تشعر بالقمع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بإراداتها، أو بغير إرادتها، فإن آثار هذا القمع يخرج على وسائل التواصل الاجتماعي، سيلا من السباب واتهام الآخر مستخدما اسمه الصريح حينا، والمستعار حينا آخر، وقد يخفي شخصيته في حساب وهمي.
من هنا لا بد من ضوابط، وأدوات تربوية مختلفة، وتشريعات صارمة؛ لحماية المجتمع، وتخليص وسائل التواصل الاجتماعي من السلبيات التي تراكمت حولها، دون المساس بحرية التعبير، ولجعلها تتصف بالمصداقية والأمان ما أمكن بعدم تركها لنشر الشائعات، واغتيال الشخصيات، وبالتالي هدم المجتمع.
ولضبط إيقاع المشهد الالكتروني لا بد من التربية الإعلامية بدءا من الطفولة المبكرة، وخلق إعلام مهني قوي يتسم بالمصداقية، وبنشر المعلومة المسؤولة، يُركن إليه بدلا من الركون إلى الأخبار المشوهة التي تُستقى من المواقع الإخبارية المشبوهة، والمنصات الاجتماعية غير الموثّقة.