ليست من أخلاقنا
لا أحد ينكر على المواطن حقه في النقد وتقييم السياسات العامة وأسلوب تنفيذها وإظهار جوانب الخلل واقتراح الإصلاحات، فكل ذلك يقع ضمن نطاق الممارسات التي تدلل على الاهتمام بالمصلحة العامة وتبرهن على المواطنة الفاعلة. الأمر يصبح مقززا وبغيضا وغير أخلاقي عندما يتحول ذلك الى ردح وشتائم واتهامات وتلفيق وذم وقدح ومس بالخصوصية والكرامة الشخصية والسمعة. لا أكاد أصدق ما نشرته وسائل التواصل الاجتماعي من قصص وأخبار وحكايات حول بعض الوزراء المكلفين.
بعض النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي تناولوا أشخاص الوزراء المكلفين بالشتائم والاتهامات والتجريح الذي يتخطى حدود الحرية ويخرج على حق المواطن في المعرفة وحرية النشر. في بعض ما نشر انهال النشطاء على الأشخاص لا لسبب بل لأنهم يختلفون عنهم في المعتقد أو طريقة الحياة أو في بعض الممارسات والعادات. الحديث عن التنوع والاختلاف وقبول الآخر لا معنى له في ضوء ما سمعنا وقرأنا في الأيام الأخيرة.
لا أظن أن أحدا يأتي الى الموقع العام والخدمة العامة ليصبح هدفا للإهانة والتجاوز والتجريح، فللناس كرامات وحريات ينبغي احترامها وإلا فسيدخل المجتمع في حرب أطرافها الجميع ضد الجميع.
لم يحدث في تاريخ الأردن، ومنذ عشرات السنين، أن استسهل الشارع مهاجمة الحكومة وكيل الاتهامات وإثارة الشكوك حول أعضائها كما يجري اليوم مع حكومة الدكتور الرزاز التي لم يمض على تشكيلها بضعة أيام. البعض انتقد تركيبة الحكومة التي حملت رمزية يصعب أن تجد مثيلا لها في أي حكومة أخرى، فهي أول حكومة تصل فيها نسبة النساء الى 25 % من أعضائها، كما أنها تحوي بين صفوفها شبابا كانوا في المعارضة وأربعة مسيحيين، إضافة الى أنها مكنت النساء من إدارة حقائب في غاية الأهمية للاقتصاد كحقيبة الطاقة والثروة المعدنية، إضافة الى التخطيط والتعاون الدولي.
الهجمة الشرسة التي تتعرض لها تشكيلة الرزاز مرتبطة بحجم الإحباط الشعبي الناجم عن التباين بين توقعات الشارع من جهة ومستوى ونوعية الاستجابة الرسمية لهذه التوقعات من جهة أخرى. الكثير من الشباب اعتقد أن تكليف الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة بداية لعهد جديد تحدد فيه الدولة القضايا كافة التي أزعجت المتظاهرين ودفعت بهم الى الشارع وتعمل على حلها واحدة تلو الأخرى.
البعض اعتقد أن تشكيل الحكومة هو الخطوة الأولى باتجاه الإصلاح الشامل وتطلع الى وجود أشخاص من غير الذين خدموا في الحكومة المستقيلة. وجود ما يزيد على نصف أعضاء الحكومة المستقيلة في التشكيلة الجديدة وغياب الوجوه والاتجاهات الإصلاحية أججا غضب الشارع ودفعا البعض للتهكم على التشكيلة والاستجابة والوعود وإخراج ذلك في قوالب عدائية غاضبة قد تمهد لتجديد الاحتجاجات بأساليب أكثر خشونة.
المطالب التي رفعها الشارع عديدة ومتنوعة تتراوح بين تغيير نهج الإدارة ومحاربة الفساد وسحب قانون الضريبة ومراجعة قوائم الأسعار وصولا الى بعض الشعارات الداعية الى حل مجلسي النواب والأعيان وتقليص رواتبهم وتغيير القانون الانتخابي وغيرها من الشعارات التي يمكن حصرها في أكثر من خمسين مطلبا ظهرت في الاحتجاجات التي عمت ما يزيد على أربعين مدينة وقرية وحيا في شمال ووسط وجنوب المملكة.
ما لم تقم الحكومة بتقديم بيان تفصيلي للجمهور وعلى وجه السرعة حول الأولويات التي حددتها والبرامج التي ستنفذها والنتائج التي تهدف الى تحقيقها ضمن أطر ومواقيت محددة، فإن المزاج الشعبي لن يتغير وقد يصبح أكثر عدائية. التواصل مع الجمهور برسائل واضحة بعيدا عن اللغة الإنشائية قد يغير من واقع العلاقة ويخفف من الإحباط الذي يتزايد كلما انشغلت الحكومة بالدفاع عن تركيبتها وتبديد التهم الموجهة لأعضائها.
الغد