إيران تلعب بالنار وأمريكا لن تسكت

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/04 الساعة 17:33

*عاكف الجلاد
يعيش العالم حالة من الترقب والانتظار لما سيقدم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سياسات جديدة في الشرق الأوسط، والتي تراجعت في كثير من الملفات الاستراتيجية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما والذي أعاد العلاقات مع إيران بتوقيعه على الإتفاق النووي، والذي رفع بموجبه العقوبات والعزلة عن البلد الذي طالما وصف امريكا بـ ( الشيطان الأكبر) .

صياغة العلاقة بين الرئيس دونالد ترامب وإيران مهمة جداً للعالم، وللعالم العربي بشكل خاص، كونها من المؤكد انها ستحدد معالم ومسارات الكثير من الأزمات الاقليمية، والأوضاع الأمنية المتوترة في المنطقة وخلال المدى القريب المنظور .

مؤخراً تصاعدت حدة التوتر بين الثور الأمريكي والنمر الإيراني العجوز، على أثر قيام إيران بتجربة إطلاق صّواريخ بالستيّة، والتي قادت ترامب الى إطلاق عدة تغريدات هاجم فيها ايران علانية على صفحته على تويتر قائلاً : ( ان إيران تلعب بالنار، إيران لم تقدّر لُطف الرئيس أوباما معها .. لكنني لن أكون كذلك) .

تزامنت تلك التغريدات أيضاً مع تحذير رسميّ صدر عن مستشار الأمن القومي الذي قال : ( المتوقّع أن تكون ايران شاكرة للاتّفاق الّذي أبرمته الولايات المتّحدة معها، وأنّ إيران كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، حتّى جاءت الولايات المتّحدة وأنقذتها عبر الاتّفاق الإيرانيّ بـ 150 بليون دولار) .

كما كشف الرئيس ترامب بشكل صريح إستيائه الشديد من إدارة أوباما للأمور، ففي مقابلة أجرتها معه محطة ( إيه.بي.سي ) قال : ( كان العراق يمتلك قوات مساوية لإيران، وقد كانت هناك حروب ولسنوات طويلة بين البلدين، وكانت ستسمر هذه الحروب، إلا ان امريكا قد اقترفت خطأً فادحاً حينما دخلت العراق، وسلمته الى إيران، وكان يجب ان لا نترك العراق، فقد شكّلنا هناك فراغاً كبيراً، وقد قامت ايران وداعش بملىء ذلك الفراغ ) .

المعارضون للسياسة الإيرانية يؤيدون ترامب، ويؤكدون ان النفوذ الإيراني في المنطقة، وما وصل اليه من قوة وتأثير تحقق بفضل وجود إدارة باراك أوباما في البيت الأبيض، حتى ان البعض وصف أوباما بأنه كان موظف إيراني في البيت الأبيض، فهو من رعى وأنجز الاتفاق النووي بين الغرب وإيران، وهو من تعامى وغضّ البصر عن سياسة إيران في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان التي جعلت من إيران دولة اقليمية عظمى .

الكثيرون رجحوا أن يقرّر ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، لا سيما أن الحزب الجمهوري الداعم لترامب والرافض للاتفاق النووي يسيطر على الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، ومن المتوقع كذلك أن يتلقى ترامب مساعدة من إسرائيل، ومن الناقمين من سياسة إيران في المنطقة والتي منها بعض الدول العربية، وهكذا فان خيار انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي وارد وبقوة، كما هو وارد في حسابات إيران نفسها .

كما لم يستبعد ترامب، في تصريح له الخيار العسكري في التعامل مع إيران، إذ قال رداً على سؤال حول إمكانية أن يفكر في الخيار العسكري، إن ( جميع الخيارات مطروحة على الطاولة ) .
وكانت واشنطن انتقدت على لسان سفيرتها لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي اختبار إيران لصاروخ باليستي أطلقته الأحد الماضي، واعتبرت ذلك مرفوضا تماما، وقالت : ( لقد أكدنا أن إيران اختبرت صاروخا متوسط المدى يوم الأحد الماضي، وان الولايات المتحدة ليست ساذجة، لن نبقى مكتوفي اليدين، سنطلب محاسبتهم، نحن عازمون على إفهامهم أننا لن نقبل البتة بهذا الأمر) .

لا ننسى ان أمريكا كانت تفرض عقوبات أحادية على إيران، وكانت تمنع الشركات الأميركية من التعامل معها، بعبارة أخرى يستطيع ترامب الاكتفاء بإجراءات تعمل على تعقيد وإعاقة تفاعل قطاع الشركات والأعمال والنظام المالي الأميركي مع إيران، وذلك لزيادة الضغط على إيران لمواجهة ما يعتبره سلوكا إيرانياً مهدداً لاستقرار المنطقة، وأولها أنه ما أن تم توليه الرئاسة حتى أصدر أمراً يمنع الإيرانيين من دخول امريكا.


الاتفاق النووي هو اتفاق دولي متعدّد الأطراف ويحظى بقرار من مجلس الأمن، وأن قيام ترامب بالغاء الإتفاق سيبقيه ساري المفعول للدول الخمس الموقعة عليه وهي روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، لكن إلغاء الاتفاق سيكون له إنعكاسات سيئة على جميع الأطراف، إقتصادياً وسياسياً ومعنوياً، فترامب وفريقه مقتنعون أن الاتفاق لم يكن ليحصل لولا رغبة أمريكا، وتلك الدول لا يمكنها أن تنفذ أي التزام بمعزل عن أمريكا، وبالتالي ستحتاجها للتوصل إلى مخرج ديبلوماسي يحفظ ماء وجهها .

على أي حال حتى لو قام ترامب بالإنسحاب من الإتفاق النووي، فذلك لا يعني الحرب والصدام المباشر بين الثور والنمر ( امريكا وإيران )، بل على الأرجح أن أمريكا لن تسكت وستقوم بالعودة إلى العقوبات ربما، والتشدد من جانبها إتجاه إيران، وستقوم إيران بتفعيل نظرية (( التقيّة )) لتهدئة وامتصاص حدة ترامب من جهة، ومن جهة أخرى تقوية علاقاتها مع روسيا وأوروبا والصين، ومن الممكن أن تمضي قدماً في تحقيق طموحاتها النووية، والتي بالتالي قد تعيد التوتر إلى المنطقة من جديد .

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/04 الساعة 17:33