التحصين في زمن المكاشفة

مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/04 الساعة 00:37
في الوقت الذي تسير فيه القوى الاجتماعية الاردنية نحو المعارضة المدنية الوقورة التي تستلهم من ظروف الاردن الصعبة وتداعيات الاقليم المؤرقة اسلحة مدنية وانسانية مثل المقاطعة، تطلع علينا دوائر التشريع بنصوص تخالف ليس روح العصر ومنطق محاسبة الشخصية العامة فحسب بل تخالف نواميس الوظيفة العامة وضرورة محاسبتها بأسهل الطرق ودون تعقيدات. وبالتالي يجب الا تأمن اية شخصية عامة العقوبة، وكذلك فإن تقييد محاسبة الشخصية العامة او مقاضاتها يخالف الحقوق اللصيقة للانسان ومنها حق التقاضي، بوصفه حقا مدنيا يمنع شريعة الغاب وأخذ الحق بالغصب او بالقوة، فنحن نسعى الى الدولة المدنية ودولة القانون والمؤسسات، وتقييد التقاضي لمنصب امين عمان بالحصول على اذن خصومة من رئيس الحكومة، فيه اعتداء صارخ على الدستور وعلى الحقوق المدنية للاردنيين.

الورقة الملكية السادسة، وهي اقرب الى مفهوم خارطة الطريق منها الى مفهوم الورقة النقاشية، حسمت جدل المحاسبة والمكاشفة في الدولة الاردنية لصالح الدولة المدنية ودولة القانون والمؤسسات ورغم عنوانها كورقة نقاشية الا ان ذلك لا يقلل من قوتها كمصدر للاحتكام في الخلاف بين الاطراف المدنية او الخلاف بين السلطات، ومفهوم دولة القانون، يعني ببساطة شديدة تسهيل التقاضي وتسهيل ادواته وتقصير مدته ولذلك كانت اللجنة الملكية لتطوير القضاء التي ننتظر تقريرها ومخرجات عملها، ووضع قيد على مقاضاة رئيس بلدية - فعمان بلدية كبرى - تعمل بقانون خاص، فيه تقييد وتضييق على مبدأ اسمى ومبدأ يعلو وهو مبدأ حق التقاضي، ويعطي دلالة سلبية على شكل المحاسبة وحق المواطن في اللجوء الى القضاء لتحصين حقه او تحصيله، وكأننا ندفع الناس دفعا نحو اللجوء الى ادوات سلبية بدل تعظيم قيمة التوجه السلمي والحضاري الذي تنحو القوى الاجتماعية الاردنية نحوه.

العام الحالي تستعد القوى الاجتماعية لانتخابات المجالس البلدية ومنها مجلس امانة عمان والاصل ان يكون السعي نحو منح المواطنين مساحة اوسع في صنع القرار والمشاركة وليس احباطهم، خاصة وان امين عمان يأتي بالتعيين وليس بالانتخاب، اي ان تحصينه او التضييق على مقاضاته فيه تعسف في استخدام السلطة، ولو كان منتخبا ربما التمسنا العذر في ضرورة تطبيق مبدأ الاذن المسبق او محاكمته وفق قانون خاص كما الوزراء، ولكنه موظف عام وما يجري على الموظف العام يجري على امين عمان ونحن نرى كل يوم طعنا في قرار لوزير او من هو في مرتبته، كما ان امين عمان يتبع الى رئيس الوزراء بالمعنى الاجرائي فكيف سأحصل على اذن مخاصمة من الجهة التي سأقاضيها، فهي ستكون الخصم والحكم وذلك تحول خطير في السلوك العام وسلوك مخاصمة الجهات الرسمية قضائيا، ويمنح الامين القادم سلطات واسعة ويحصن قرارات الامين الحالي.

المسار الاردني يتجه نحو اعلاء قيمة المكاشفة والمحاسبة وقد بدأ الشارع الشعبي وقواه الاجتماعية في التآلف والتناغم مع هذا المسار، وبدأ يتفاعل ايجابيا مع الثقافة السلمية الجدية بدل الصخب والعنف واغلاق الشوارع وحرق الاطارات كما في عواصم اقليمية، والاصل ان تشجع القوانين والانظمة هذه الثقافة الجديدة وتسعى الى اعلاء ثقافتها وتمنح المواطن ثقته في نجاعة هذه الثقافة وتحفيزه على الاستمرار في هذا النهج الايجابي، لكن الرسائل القادمة تعاكس هذا التوجه العام وتحبط توجهاته الجديدة الوقورة والمقدرة، وتعطي رسائل سلبية لكل طامح بالاصلاح بأدوات عصرية ديمقراطية تراعي روح اللحظة الاردنية وظرفها الاقليمي الحرج، مراجعة الخطوة ضرورية والتراجع عنها ضرورة وطنية لاعلاء قيمة المحاسبة والمكاشفة ودعم ثقافة الرقابة الشعبية والقضائية على قرارات المسؤول.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/04 الساعة 00:37