الملك: رئاسة ترامب ستؤدي إلى تغيير الوضع القائم للعديد من القضايا
الساعة - بثت محطة (ايه بي سي) التلفزيونية الأسترالية، اليوم الأربعاء، مقابلة مع جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي بدأ وجلالة الملكة رانيا العبدالله، اليوم، زيارة دولة إلى أستراليا بدعوة من حاكمها العام بيتر غوسغروف. وفيما يلي نص المقابلة التي أجراها الإعلامي توني جونز، مقدم البرنامج الحواري السياسي "ليتلاين":
محطة ايه بي سي: جلالة الملك، أشكرك لانضمامك إلينا.
جلالة الملك عبدالله الثاني: يسعدني أن أكون هنا.
محطة ايه بي سي: أود أن أبدأ بالسؤال الكبير الذي يدور في أذهان الجميع، هل من الممكن أن تغير رئاسة ترمب قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: بالتأكيد ستؤدي إلى تغيير الوضع القائم للعديد من القضايا التي نتعامل معها، علينا الانتظار لنرى تشكيلة الفريق الانتقالي للرئيس، ووجهة نظره إزاء منطقة الشرق الأوسط كما باقي العالم، فلا أعتقد أن منطقتنا وحدها هي التي تنتظر بترقب، وإنما العالم أجمع.
محطة ايه بي سي: أجل. وهل تعتقد بأن قادة العالم ينتظرون بفارغ الصبر متمنين نتائج إيجابية بعد سباق رئاسي اتسم بدرجة عالية من الاستقطاب.
جلالة الملك عبدالله الثاني: في الحقيقة، إنه موضوع شغلنا جميعا خلال العامين الماضيين. لقد تكلمت مع الرئيس المنتخب دونالد ترمب الأسبوع الماضي، كان مستوى التناغم جيداً جداً خلال الاتصال، أعرف عدداً كبيرا من أفراد الفريق الانتقالي، ومن المعلوم أن الولايات المتحدة دولة مؤسسات. سيكون هناك تغيير في السياسات، ولكن ليس بالمستوى الذي يعتقد البعض أنه يدعو إلى القلق، لذلك يجب أن نحسن الظن ونعطيهم الفرصة للعمل.
محطة ايه بي سي: إحدى الأمور التي يُنظر إليها بتمعن هي الصراع الأكبر في المنطقة: سوريا. هل أنت قلق من أن الرئيس ترمب سيتبنى ما يمكن وصفه بشكل رئيس بأنه الموقف الروسي والمتمثل في الإبقاء على الرئيس الأسد ونظامه على رأس السلطة إلى أمد مفتوح؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد في هذه المرحلة أن جميع الخيارات متاحة ومطروحة على الطاولة، ولكن مرة أخرى يجب أن أكون واضحاً بأن غالبيتنا، ممن يفهمون الأزمة السورية، يدركون أنه لا يمكن حل الأزمة بدون الروس. وهذا أمر لطالما ناقشناه على مدار العامين الماضيين. وعليه، ففي هذه المرحلة علينا الانتظار لنرى طبيعة الاستراتيجية الأمريكية وكيف سيتم التعامل مع الروس، وهذا هو الأمر الذي يشغل الجميع، ولكن وفي ذات الوقت، وكما ناقشنا بعجالة قبيل البدء بإجراء المقابلة، الأمر يرتبط أيضاً بالتطورات الميدانية، فما يحدث في حلب مثلاً هو مأساة إنسانية، لا أعتقد أنه بإمكاننا عمل الكثير حتى تأخذ الإدارة الجديدة موقعها، وتبلور استراتيجيتها، ويتم التواصل مع الروس.
محطة ايه بي سي: أهذا برأيكم ما حدث؟ فقد تخلى الروس عن عملية السلام بحجة أن الحلفاء يدعمون قوات "الشام" التي تتبع لتنظيم النصرة المدعوم من القاعدة والمتواجد في شرق حلب؟ ولكن وفي ذات الوقت يبدو للجميع أنهم ينتظرون إلى حين تنصيب الرئيس الجديد.
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أنه من وجهة النظر الروسية كان هناك نوع من الانتظار والترقب لرؤية من سيفوز بالانتخابات والإدارة الجديدة التي ستتولى زمام الأمور. وبالتالي فإنهم شعروا بأنه بإمكانهم فعل ما يريدونه في سوريا، ولكن في ذات الوقت من الصعب وضع اللوم، فيما يتعلق بالمحادثات، على طرف معين. ما نأمله جميعاً هو أنه مع قدوم الإدارة الجديدة وبلورتها لاستراتيجيتها أن يكون هناك بعض الانسجام. فنحن في نهاية المطاف نواجه خطرا عالمياً للإرهاب، يمثل حرباً عالميةً ثالثة بأدوات أخرى، كما وصفتها، وليس امتدادا للحرب الباردة، حيث يساورني شعور بأن درجة الكراهية بين موسكو وواشنطن أعلى من الكراهية تجاه القوى الإرهابية التي نواجهها على مستوى العالم. آمل أن يتغير ذلك، لأن الأولوية تتمثل في مواجهة هذا الخطر العالمي.
محطة ايه بي سي: إذن، هل تعتقد بأن شكلا ما من الاتفاق بين ترمب وبوتين سيخلق فرصة فيما يخص سوريا، وهل ستكون على استعداد، وهل سيكون التحالف بإطاره الأوسع على استعداد لرؤية الأسد مستمراً في منصبه، إذا ما مثل ذلك رغبة الروس؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: نحن بحاجة بكل تأكيد إلى فرصة في سوريا، لأن الأمور لا تجري بشكل جيد من منظور سياسي منذ الأشهر الستة الماضية وإن لم يكن أكثر. وما لم يكن هناك تفاهم بين أمريكا وروسيا، بصفتهما القوتين الرئيسيتين، ومن ثم الأطراف الأخرى، فإننا بعد سنة من اليوم، سنبقى نتحدث عن المآسي التي ترتكب على الأرض. ويجب أن أذكر هنا بأنه حتى مع وجود مسار سياسي للأزمة، وبغض النظر عن الموقف من الأسد، فإن الأطراف تعتقد بأنه بمجرد وجود هذا المسار السياسي فإنه لا داع للقلق إزاء أية أمور أخرى، لكن الشق الثاني للموضوع هو أن هناك حربا قائمة ضد الإرهاب داخل سوريا، وهذا أمر سيستغرق وقتاً. لذا، فالسياسيون يعتقدون أن الأمور ستحل سريعاً لكن الواقع على الأرض أكثر تعقيداً وسيستمر لفترات أطول، وليس فقط في سوريا.
محطة ايه بي سي: حول هذا الموضوع تحديداً، تحدثت عن التناغم، وقد كان هناك حديث سابق من الأمريكان والروس عن وضع عمليات مشتركة ورئاسة موحدة لتنسيق الضربات الجوية. هل تعتقد أن ذلك ممكناً، وهل هو عرضة للانتكاسة إذا ما قام الروس بتهديم شرق حلب بالطائرات بحلول كانون الأول؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: في العادة، ما يحدث في منطقتنا هو أن الأطراف تبادر إلى فرض حقائق على الأرض قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات. فإذا ما كان علينا الانتظار حتى شباط أو آذار القادمين، فإنني أعتقد أن الكثير من الأبرياء سيعانون بسبب ذلك. ولكن فيما يخص التنسيق، فإنني أعلم، وبحكم الاطلاع المباشر، بوجود تنسيق على المستوى العسكري وبشكل ناجح بين الروس والولايات المتحدة فيما يخص سوريا والعمليات القائمة هناك. وهذا التنسيق كان يتأرجح بحسب التحسن أو التراجع في مستوى العلاقة السياسية، آمل أن يكون هناك تركيز جديد، وأعتقد أن الجلوس إلى الطاولة والاتفاق ما زال ممكناً، وهو أمر شاهدناه على المستوى العسكري في عدة مناطق من سوريا.
محطة ايه بي سي: ترمب أوضح بشكل جلي أن أولويته ستكون تدمير داعش، وإذا لزم ذلك حصوله على مساعدة روسيا، فإنه سيسعى للحصول على أي دعم ممكن، هل من الممكن فعلاً القيام بذلك؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: أعتقد أن تدمير داعش يجب أن يكون أولوية الجميع، وإنني مستمر بالتذكير بأن هذا الهدف هو صميم الحرب الدولية على الإرهاب. فمن جهتنا ننظر إليها كحرب داخل الإسلام، ولا يمكننا الانتصار فيها بدون دعم باقي الأديان والدول الأخرى، فهذا الخطر ليس محصوراً بالعراق وسوريا فقط، بل إننا نواجهه في ليبيا، وفي خطر بوكو حرام والشباب، وطالبان، وحتى في هذا الجزء من العالم (أستراليا) تواجهون تحديات شبيهة، وما لم نتعامل مع هذا التحدي بمنظور شمولي وعالمي فإننا لن ننتصر. ولا بد من أن نكون قادرين على مواجهة هذا التحدي في أكثر من ميدان، وهذا شكل مصدر إحباط في الماضي، حيث كان يتم التعامل مع التحديات كلا على حدة، حيث يتم التعامل مع سوريا الآن وتأجيل العراق لما بعد. وعندما تنظر إلى الحملة الحالية في العراق وسوريا ضد داعش، فإنه يلاحظ، خلال العام الماضي، بأن قادة الإرهابيين بدأوا بالتحرك إلى ليبيا. فهل سننتظر عاما أو عامين حتى نتعامل مع الخطر في ليبيا؟ وإن نجحنا في ذلك هل نبدأ بعدها بعامين بالحديث مع الدول الإفريقية للضغط على بوكوحرام والشباب في شرق وغرب إفريقيا؟ فعلى هذا المنوال لن ننجح أبدا.
محطة ايه بي سي: أعتقد أنني أتحدث باسم العديد من الأشخاص في العالم إذ آمل أن تلتقي بترمب يوما ما وتوضح له ذلك، هل تعتقدون أن هذه الفرصة ستكون متاحة؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: آمل أن يكون لنا لقاء، وكما قلت فإنني قد أجريت معه حديثا جيدا عبر الهاتف، وكنت قد التقيت به بضع مرات قبل سنوات. هناك تواصل جيد مع العديد من أعضاء فريقه. إن العديد من الأوروبيين يدركون طبيعة التهديد من وجهة نظر الحكومات، وهم يتحدثون بنفس المنطق الذي أتحدث به، ويفهمون أين يكمن التهديد داخل الاسلام، وقد لا تتيح مدة المقابلة الخوض في تفاصيل ذلك لكن إذا أدركنا أن جذور المشكلة تكمن في فئة لا تزيد عن 1 أو 2 بالمئة من المسلمين السنة.
محطة ايه بي سي: هل هؤلاء هم من تصفهم بالخوارج؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: فإذا فهمت أين يكمن الخطر داخل الإسلام وطبيعة الطيف الفكري، يصبح من السهل التعامل مع الإرهاب والتحديات، وينطبق ذلك على مجتمعاتكم، حيث نجد أن من الضروري تحديد من أين تنبع المشكلة وتحديد طبيعة الخطر، أعتقد أن هذه مشكلة يعاني منها الجميع.
محطة ايه بي سي: أعتقد أننا بحاجة للعودة إلى التاريخ بعض الشيء، فهناك تاريخ طويل لظهور مثل هذه الحركات الخارجة على القانون في تاريخ الإسلام يعود إلى القرن الأول.
جلالة الملك عبدالله الثاني: تماما، وقد كانوا شرسين جدا لدى بروزهم الأول، لكن الإسلام وقف في وجههم واستأصلهم.
محطة ايه بي سي:هل تعتقد أن هذا ما سيحصل الآن؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: بالتأكيد، وهذا هو الهدف من التحالف. وأعتقد أن التحدي الذي نواجهه مع الغرب أحيانا، حيث العديد منا في المنطقة في أوج المعركة ضد هؤلاء، بينما نسمع من جهات عن مبادرات سلام أو نقاشات لتعزيز الحكومات، وليبيا مثال واضح على ذلك. ففي الوقت الذي ينخرط فيه أفراد في ميدان الحرب على المتشددين، يتحدث البعض، في هذه المرحلة، عن عملية ديمقراطية في ليبيا، وهنا نقول لهم: نحن في خضم حرب الآن، وهي معركة واضحة بالنسبة لنا: نحن ضد هؤلاء الخوارج. فهؤلاء يجتزئون نصوص القرآن لتبرير عملياتهم الانتحارية وقتل الأبرياء واضطهاد النساء، وهذا ليس من ديننا في شيء. ولذا فإننا كمسلمين أول من يعتبر هذه الحرب حربنا، ولكننا لا نستطيع أن نخوضها وحدنا.
محطة ايه بي سي: نعم، على الطرف الآخر من المعادلة نرى ظهور جماعات يمين متطرف في أنحاء أوروبا، ولهم حضور محدود في أستراليا أيضا، بالإضافة إلى علامات استفهام كبيرة حول موقف الإدارة الجديدة في أمريكا حيال المسلمين، خصوصا أن ترمب نفسه تحدث خلال الحملة الانتخابية عن منع جميع المسلمين من دخول بلده. ما مدى خطورة أن تسمح لأصوات المتطرفين أن تعلو وأنت تخوض حربا عالمية ضد الإرهاب؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: كما قلت سابقا، أنا لا أعتد بما يقال أثناء الحملة الانتخابية، وأرى أن نمنح الإدارة الأمريكية الجديدة فرصة للعمل وأن نحسن الظن. والمشكلة في هذا الخطاب أنه يخدم المتطرفين والخوارج. فهؤلاء يرون أنه لكي يحققوا سيطرتهم العالمية يجب أن يجذبوا التسعين بالمئة من المسلمين السنة المعتدلين إلى جانبهم ويجعلوهم يشعرون بأنهم معزولون ومستهدفون ومهمشون كي ينضموا إلى معسكر التطرف. فكلما صدرت تصريحات متشددة في أي مكان في العالم، صب ذلك أكثر في مصلحة الخوارج.
محطة ايه بي سي: هل يصيبكم الإحباط عندما ترون ذلك يحصل؟ فكل هذا يساهم فيه الصراع في سوريا وموجات اللجوء الهائلة إلى أوروبا وظهور مجموعات متطرفة كحصان طروادة داخل تجمعات اللاجئين.
جلالة الملك عبدالله الثاني: مما يحبط معظم المسلمين أن يروا فئة قليلة تتحدث باسم الإسلام وترتكب أعمالا مخالفة له، فالمذاهب الرئيسية في الاسلام تحرم العمليات الانتحارية وقتل الأبرياء في الأسواق. وعندما نقول أن هناك قيما أخلاقية سامية في المسيحية، يوجد هناك قيم أخلاقية سامية في الإسلام أيضا، والمسلم الحق يفهم معنى الانسانية والرحمة، أما هؤلاء الذين نتعامل معهم فهم عدونا جميعا لأنهم لا يفهمون جوهر الدين.
محطة ايه بي سي: مرة أخرى، كونكم ذكرتم مخاطر هذا الأمر، هناك من يقول، بدون ذكر أسماء، من تيار اليمين، امنعوا المهاجرين وأوقفوا الهجرة. هل سوف يقلقكم أن تروا مثلا، كما فعلت أستراليا، أن الدول الأوروبية قررت إعادة القوارب التي تحمل اللاجئين السوريين من حيث تأتي؟
جلالة الملك عبدالله الثاني: علينا أن نتفهم مخاوف الناس، فقد كانت السنتان الأخيرتان صعبتان، وهي مشكلة لن تحل في يوم أو يومين. ونأمل أنه على المدى القصير سيتم الحسم العسكري، لكن على المدى الطويل يجب التعامل مع الجانب الفكري من الحرب، وهذا سيستغرق عقدا من الزمان على الأقل. يمكننا تفهم المخاوف الأمنية للدول بسبب الإرهاب، واحتمالية أن يكون هناك إرهابيون بين المهاجرين. وفي الأردن استقبلنا لاجئين سوريين يشكلون الآن ما نسبته 20 بالمئة من عدد السكان.
محطة ايه بي سي: وقد بلغ عددهم 3ر1 مليون.
جلالة الملك عبدالله الثاني: في الحقيقة أن عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا الأردن على امتداد المرحلة الماضية، قد بلغ 5ر2 مليون، ناهيك عن الليبيين واليمنيين والعراقيين الموجودين في بلدنا، وقد واجهت كثيرا تساؤلات من أبناء شعبي المحبطين من وجود 20 بالمئة من السكان من اللاجئين السوريين وما تركوه من آثار سلبية على فرص العمل وقطاع العقار ونسب البطالة، وطلبوا مني أن أوقف استقبال اللاجئين السوريين في الأردن، فقلت لهم "لكن كيف يمكن ذلك؟ كيف يمكن منع إمرأة حامل وتمسك بيد طفل آخر من الدخول؟ هل نمنع هؤلاء الهاربين من ظروف، حياتهم فيها مهددة؟" هناك درجة من الإنسانية لا بد أن نلتزم بها تجاه بعضنا البعض، فلا مجال لفعل ذلك لأن هناك مسؤوليات أخلاقية علينا تحملها.
محطة ايه بي سي: هذه نقطة جيدة نختم بها حديثنا. في ضوء جدول التزاماتكم المزدحم. نشكركم جلالة الملك ونقدر الوقت الذي اتحتموه لنا. جلالة الملك عبدالله الثاني: شكرا لكم، لقد سعدت بهذا اللقاء.