الملك من واشنطن: هذا هو الإسلام الذي تعلمته
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/03 الساعة 10:28
مدار الساعة - شارك جلالة الملك عبدالله الثاني، بحضور جلالة الملكة رانيا العبدالله، في العاصمة الأميركية واشنطن الخميس، في حفل إفطار الدعاء الوطني 2017.
وألقى جلالة الملك خطابا في حفل الغداء الرسمي للقادة، الذي تلا الإفطار الوطني، وحضره العديد من القيادات السياسية والفكرية والدينية، أكد فيه الحاجة إلى "تجديد الروابط التي تجمعنا كجيران في هذا العالم. وذلك بالتركيز على الجوامع وتجاوز الفوارق، والوقوف معا لإنجاز هذه المسؤولية".
وقال جلالته "إن من بين العديد من تعاليم الإسلام الحميدة، وباقي الأديان، أنه يأمر بالرحمة والتسامح ويدعونا لحفظ كرامة كل إنسان، ويرفض الإكراه في الدين، ويأمر باحترام بيوت الله وأماكن العبادة".
وتاليا نص خطاب جلالة الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم على استضافتي ورانيا معكم اليوم، وأود أن أشكر بشكل خاص السيناتور بوزمان والسيناتور كونز وأصدقاءنا من قيادات ومنظمي هذا الحفل الوطني في مجلسي الشيوخ والنواب. يسعدني كثيراً أن نكون بين أصدقائنا، بعضهم صداقات قديمة وبعضهم جديدة، وهم جميعا أعزاء علينا.
إننا نقدر عاليا صداقتنا العميقة مع الشعب الأميركي. وسُعدت كثيراً بأن تتاح لي مجددا فرصة الانضمام إليكم في هذا الحفل المهم. ولقد سررت بشكل خاص بفرصة لقاء الرئيس ترمب خلال الفعاليات الصباحية للحفل. وأؤكد حرصي على العمل مع الإدارة الجديدة وأصدقائنا العديدين هنا في واشنطن.
أصدقائي، نجتمع اليوم للاحتفال بأهمية الإيمان وقيمه في حياتنا ومستقبل عالمنا.
فعلى مدار العقود الماضية، أصبحت البشرية تتحرك وتتطور بسرعة عالية جدا، وتحيط بها التغييرات من كل جانب. فالإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي تنقل ما يستجد من أفكار وأحداث عالمية إلينا عبر الهواتف الموجودة في جيوبنا. فما أن نشهد ظهور قطاعات اقتصادية جديدة ومهارات مرتبطة بها حتى يتم تجاوزها بأخرى أكثر حداثة. ومن الواضح أن أساليب العمل القديمة باتت تختفي تدريجياً.
وقد حملت هذه التغييرات وعدا بأن تمنحنا حياة ملؤها الرخاء، لكننا لا نرى هذا الرخاء الموعود. فبالنسبة لكثيرين فإن الوعود بالفرص بعيدة المنال. ذلك أن تكنولوجيا الاتصالات حققت المساواة بين الناس في إمكانية الوصول إلى المعرفة، ولكنها لم تحقق بالضرورة العدالة في الحصول على الفرص؛ ونتيجة لذلك، يعرف الناس الآن وبشكل واضح ما هو غير متاح لهم من فرص. ففي كل مكان أسافر إليه، ألتقي بأناس يشعرون بأنهم قد همشوا، وأن هويتهم لا تلقى الاحترام، وأن أصواتهم غير مسموعة. ويشعر كثير من الناس، وبشكل متزايد، بعدم الاستقرار وأن أسس حياتهم في تحول مستمر.
وبالرغم من ذلك، فهناك أسس ثابتة يمكننا الاستناد إليها بثقة، فهي لا تتبدل. إنها القيم الروحية الراسخة التي تجمعنا، من مبادئ التسامح والرحمة والتعاطف مع الآخرين والاحترام المتبادل، والتي توحد العالم وتزيده قوة. وبدونها، فإن التكنولوجيا وكل الثروات الأخرى لن تنجح في جعل حياتنا أفضل. وبوجودها، بفضل من الله تبارك وتعالى، يمكن أن نجد الحلول التي يحتاجها البشر في كل أنحاء العالم.
إن هذه القيم الروحية بما تمثله من مثل عليا مشتركة هي التي جمعتنا اليوم، لأنها أساس كل دين. وسواء صلينا أو ركعنا أو سجدنا في مسجد أو كنيسة أو معبد، أو قمنا بأي عمل خَيِّرِ بتفان، فإننا جميعا مشتركون في الإيمان.
للقيم الروحية قوة كبيرة لأنها أكثر من مجرد أفكار ذات وظائف محددة، فهي تعكس المصدر الأسمى للخير فينا. فالله هو الذي يهدينا لنلتقي ونعمل معا كإخوة وأخوات متساوين في كرامتنا الإنسانية، مهما كان عرقنا أو أصلنا أو عقيدتنا. وهذا يتجلى في أهم المبادئ والوصايا التي يأمرنا بها الله تبارك وتعالى، ويحث عليها أيضاً الإسلام والمسيحية واليهودية، ألا وهي حب الله وحب الجار.
أصدقائي، إننا بحاجة إلى تجديد الروابط التي تجمعنا كجيران في هذا العالم. وذلك بالتركيز على الجوامع وتجاوز الفوارق، والوقوف معا لإنجاز هذه المسؤولية.
وتبدأ هذه المسؤولية بطرح السؤال: ما شكل العالم الذي نريده لأنفسنا وأولادنا؟ وماذا يمكننا أن نفعل، بعون من الله ومشيئته، لتحقيق ذلك؟ والإجابة على هذا السؤال تصب في مواجهة تهديد الإرهاب العالمي. فهذه الجماعات الإجرامية تعتاش على تأليب الجار ضد جاره، وزرع الفتنة بين الشرق والغرب، وبين أتباع الأديان. لقد شنوا هجوما سافرا، مستهدفين ليس فقط شعوبنا، وإنما نسيج عالمنا ذاته. إنها جماعات تستغل القلق والخوف لتجنيد الضعفاء، وتسعى للتفريق بيننا وإضعافنا.
وكلما استمرت هذه القوى في إنهاك مختلف مناطق العالم بالعنف والحرمان، كلما تعمقت التداعيات في جميع أنحاء العالم. فقد شهدنا أزمة لاجئين عالمية لم يسبق لها مثيل، ويتحمل بلدي - محدود الإمكانيات - بسببها عبئا هائلا، فالأردن اليوم هو أكبر مضيف للاجئين في العالم، حيث استقبلنا ملايين الهاربين من الخطر، من مسلمين ومسيحيين على حد سواء، واحتضناهم بكل إمكاناتنا في مجتمعاتنا وقلوبنا وقدمنا لهم الدعم والملاذ الآمن.
وكقائد، يؤلمني جدا أن أرى كم هي صعبة السنوات القليلة الماضية على شعبي. ولكنني أستمد الهداية والسكينة والقوة من القرآن الكريم، إذ يقول تبارك وتعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب".
لذلك، سوف نستمر في العمل الدؤوب، وكلنا إيمان وثقة بالله تعالى، لأن عالمنا لا يمكن أن يقبل الوضع الراهن من العنف والحرمان والخوف. ولا بد أن نأخذ زمام المبادرة في ميادين المعركة وغيرها. التعاون الأمني أمر حيوي، ولكن يجب علينا أيضا أن نضمن السيطرة على ساحة الحرب الفكرية. وهذا يتطلب التركيز من جديد على القيم التي تنادي بعالم يسوده السلام. وأن نترجم مبادئ الرحمة والإيثار وأن نقرب ونحتضن من يعانون من الإقصاء، وأن نساعد الضعفاء، وأن نقدم الدعم لجيراننا سواء القريبين أو البعيدين في جميع أنحاء العالم، من خلال فتح أبواب جديدة من الفرص والأمل، وأن نكشف الأكاذيب التي من شأنها أن تقوض مستقبلنا.
وبالنسبة لنا كمسلمين، فإن هذه المعركة هي معركتنا بالدرجة الأولى ضد الخوارج. إذ يتحدث الناس في هذه الأيام عن تحريف الأخبار؛ وهؤلاء الخوارج يحرفون تعاليم الإسلام، ويقومون بشكل انتقائي باختيار ما يخدم أفكارهم من نصوص للترويج لأيديولوجية زائفة ومنحرفة وضالة. أما الحقيقة والواقع، فإنهم وكل ما يفعلونه يمثل انتهاكا صارخا لتعاليم الإسلام الحنيف.
ولا بد لنا من وضع الأمور في نصابها. فمن بين العديد من تعاليم الإسلام الحميدة، وباقي الأديان، أنه يأمر بالرحمة والتسامح ويدعونا لحفظ كرامة كل إنسان، ويرفض الإكراه في الدين، ويأمر باحترام بيوت الله وأماكن العبادة. ويشرفني أن أتحمل مسؤولية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، تلك المدينة العزيزة والمقدسة في الأديان السماوية الثلاثة، والتي يجب احترامها.
هذا هو الإسلام الذي تعلمته، وهكذا أعلمه لأولادي، وهكذا يتم تدريس ديننا للأطفال المسلمين في جميع أنحاء العالم. أما أولئك الخوارج، فهم ليسوا على هامش الإسلام، وإنما خارج فضائه كلياً. ولقد دعوت العالم الإسلامي للرد بجرأة. فنحن، مثل بقية المجتمعات الدينية الأخرى، لدينا أغلبية صامتة، وقد حان الوقت لهذه الأغلبية أن ترفع صوتها.
ولغير المسلمين أيضا دور حاسم في هذا الشأن، فلا يمكن ربط مزاعم المتطرفين الكاذبة بالإسلام، لأن ذلك لا يخدم سوى طموحاتهم الشريرة، فهم يريدون تمزيق مجتمعاتنا، وقطع روابط الصداقة في جميع أنحاء العالم. وهم يستمدون قوتهم من ظاهرة الكراهية والخوف من الإسلام والجهل بقيمنا، مما يهدد مستقبلنا المشترك. ولذلك، فمن المهم جداً أن يحاول القادة على جميع المستويات فهم الأديان الأخرى، وتثقيف الآخرين بها كذلك.
أصدقائي، تعلمنا أدياننا - سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية - أن خياراتنا، لا ظروفنا، هي التي تحدد من نحن؛ من خلال الخيارات التي نتخذها، أو التي لا نتخذها، ومن خلال ما نفعله، أو نتقاعس عن فعله، ومن خلال التسامح أو القسوة، الجرأة أو الشك، التعاطف أو اللامبالاة، فمن خلال كل ذلك نحدد من نكون.
إننا نعيش زمنا حاسما يتطلب اتخاذ الخيارات الصحيحة، وهي غالبا خيارات صعبة، في جميع أنحاء العالم. إن مستقبلنا كمجتمع دولي على المحك، ولكن من خلال عملنا المشترك، مسترشدين بقوة إيماننا، يمكننا أن نقلب الموازين لصالح السلام والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وألقى جلالة الملك خطابا في حفل الغداء الرسمي للقادة، الذي تلا الإفطار الوطني، وحضره العديد من القيادات السياسية والفكرية والدينية، أكد فيه الحاجة إلى "تجديد الروابط التي تجمعنا كجيران في هذا العالم. وذلك بالتركيز على الجوامع وتجاوز الفوارق، والوقوف معا لإنجاز هذه المسؤولية".
وقال جلالته "إن من بين العديد من تعاليم الإسلام الحميدة، وباقي الأديان، أنه يأمر بالرحمة والتسامح ويدعونا لحفظ كرامة كل إنسان، ويرفض الإكراه في الدين، ويأمر باحترام بيوت الله وأماكن العبادة".
وتاليا نص خطاب جلالة الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم على استضافتي ورانيا معكم اليوم، وأود أن أشكر بشكل خاص السيناتور بوزمان والسيناتور كونز وأصدقاءنا من قيادات ومنظمي هذا الحفل الوطني في مجلسي الشيوخ والنواب. يسعدني كثيراً أن نكون بين أصدقائنا، بعضهم صداقات قديمة وبعضهم جديدة، وهم جميعا أعزاء علينا.
إننا نقدر عاليا صداقتنا العميقة مع الشعب الأميركي. وسُعدت كثيراً بأن تتاح لي مجددا فرصة الانضمام إليكم في هذا الحفل المهم. ولقد سررت بشكل خاص بفرصة لقاء الرئيس ترمب خلال الفعاليات الصباحية للحفل. وأؤكد حرصي على العمل مع الإدارة الجديدة وأصدقائنا العديدين هنا في واشنطن.
أصدقائي، نجتمع اليوم للاحتفال بأهمية الإيمان وقيمه في حياتنا ومستقبل عالمنا.
فعلى مدار العقود الماضية، أصبحت البشرية تتحرك وتتطور بسرعة عالية جدا، وتحيط بها التغييرات من كل جانب. فالإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي تنقل ما يستجد من أفكار وأحداث عالمية إلينا عبر الهواتف الموجودة في جيوبنا. فما أن نشهد ظهور قطاعات اقتصادية جديدة ومهارات مرتبطة بها حتى يتم تجاوزها بأخرى أكثر حداثة. ومن الواضح أن أساليب العمل القديمة باتت تختفي تدريجياً.
وقد حملت هذه التغييرات وعدا بأن تمنحنا حياة ملؤها الرخاء، لكننا لا نرى هذا الرخاء الموعود. فبالنسبة لكثيرين فإن الوعود بالفرص بعيدة المنال. ذلك أن تكنولوجيا الاتصالات حققت المساواة بين الناس في إمكانية الوصول إلى المعرفة، ولكنها لم تحقق بالضرورة العدالة في الحصول على الفرص؛ ونتيجة لذلك، يعرف الناس الآن وبشكل واضح ما هو غير متاح لهم من فرص. ففي كل مكان أسافر إليه، ألتقي بأناس يشعرون بأنهم قد همشوا، وأن هويتهم لا تلقى الاحترام، وأن أصواتهم غير مسموعة. ويشعر كثير من الناس، وبشكل متزايد، بعدم الاستقرار وأن أسس حياتهم في تحول مستمر.
وبالرغم من ذلك، فهناك أسس ثابتة يمكننا الاستناد إليها بثقة، فهي لا تتبدل. إنها القيم الروحية الراسخة التي تجمعنا، من مبادئ التسامح والرحمة والتعاطف مع الآخرين والاحترام المتبادل، والتي توحد العالم وتزيده قوة. وبدونها، فإن التكنولوجيا وكل الثروات الأخرى لن تنجح في جعل حياتنا أفضل. وبوجودها، بفضل من الله تبارك وتعالى، يمكن أن نجد الحلول التي يحتاجها البشر في كل أنحاء العالم.
إن هذه القيم الروحية بما تمثله من مثل عليا مشتركة هي التي جمعتنا اليوم، لأنها أساس كل دين. وسواء صلينا أو ركعنا أو سجدنا في مسجد أو كنيسة أو معبد، أو قمنا بأي عمل خَيِّرِ بتفان، فإننا جميعا مشتركون في الإيمان.
للقيم الروحية قوة كبيرة لأنها أكثر من مجرد أفكار ذات وظائف محددة، فهي تعكس المصدر الأسمى للخير فينا. فالله هو الذي يهدينا لنلتقي ونعمل معا كإخوة وأخوات متساوين في كرامتنا الإنسانية، مهما كان عرقنا أو أصلنا أو عقيدتنا. وهذا يتجلى في أهم المبادئ والوصايا التي يأمرنا بها الله تبارك وتعالى، ويحث عليها أيضاً الإسلام والمسيحية واليهودية، ألا وهي حب الله وحب الجار.
أصدقائي، إننا بحاجة إلى تجديد الروابط التي تجمعنا كجيران في هذا العالم. وذلك بالتركيز على الجوامع وتجاوز الفوارق، والوقوف معا لإنجاز هذه المسؤولية.
وتبدأ هذه المسؤولية بطرح السؤال: ما شكل العالم الذي نريده لأنفسنا وأولادنا؟ وماذا يمكننا أن نفعل، بعون من الله ومشيئته، لتحقيق ذلك؟ والإجابة على هذا السؤال تصب في مواجهة تهديد الإرهاب العالمي. فهذه الجماعات الإجرامية تعتاش على تأليب الجار ضد جاره، وزرع الفتنة بين الشرق والغرب، وبين أتباع الأديان. لقد شنوا هجوما سافرا، مستهدفين ليس فقط شعوبنا، وإنما نسيج عالمنا ذاته. إنها جماعات تستغل القلق والخوف لتجنيد الضعفاء، وتسعى للتفريق بيننا وإضعافنا.
وكلما استمرت هذه القوى في إنهاك مختلف مناطق العالم بالعنف والحرمان، كلما تعمقت التداعيات في جميع أنحاء العالم. فقد شهدنا أزمة لاجئين عالمية لم يسبق لها مثيل، ويتحمل بلدي - محدود الإمكانيات - بسببها عبئا هائلا، فالأردن اليوم هو أكبر مضيف للاجئين في العالم، حيث استقبلنا ملايين الهاربين من الخطر، من مسلمين ومسيحيين على حد سواء، واحتضناهم بكل إمكاناتنا في مجتمعاتنا وقلوبنا وقدمنا لهم الدعم والملاذ الآمن.
وكقائد، يؤلمني جدا أن أرى كم هي صعبة السنوات القليلة الماضية على شعبي. ولكنني أستمد الهداية والسكينة والقوة من القرآن الكريم، إذ يقول تبارك وتعالى: "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَب".
لذلك، سوف نستمر في العمل الدؤوب، وكلنا إيمان وثقة بالله تعالى، لأن عالمنا لا يمكن أن يقبل الوضع الراهن من العنف والحرمان والخوف. ولا بد أن نأخذ زمام المبادرة في ميادين المعركة وغيرها. التعاون الأمني أمر حيوي، ولكن يجب علينا أيضا أن نضمن السيطرة على ساحة الحرب الفكرية. وهذا يتطلب التركيز من جديد على القيم التي تنادي بعالم يسوده السلام. وأن نترجم مبادئ الرحمة والإيثار وأن نقرب ونحتضن من يعانون من الإقصاء، وأن نساعد الضعفاء، وأن نقدم الدعم لجيراننا سواء القريبين أو البعيدين في جميع أنحاء العالم، من خلال فتح أبواب جديدة من الفرص والأمل، وأن نكشف الأكاذيب التي من شأنها أن تقوض مستقبلنا.
وبالنسبة لنا كمسلمين، فإن هذه المعركة هي معركتنا بالدرجة الأولى ضد الخوارج. إذ يتحدث الناس في هذه الأيام عن تحريف الأخبار؛ وهؤلاء الخوارج يحرفون تعاليم الإسلام، ويقومون بشكل انتقائي باختيار ما يخدم أفكارهم من نصوص للترويج لأيديولوجية زائفة ومنحرفة وضالة. أما الحقيقة والواقع، فإنهم وكل ما يفعلونه يمثل انتهاكا صارخا لتعاليم الإسلام الحنيف.
ولا بد لنا من وضع الأمور في نصابها. فمن بين العديد من تعاليم الإسلام الحميدة، وباقي الأديان، أنه يأمر بالرحمة والتسامح ويدعونا لحفظ كرامة كل إنسان، ويرفض الإكراه في الدين، ويأمر باحترام بيوت الله وأماكن العبادة. ويشرفني أن أتحمل مسؤولية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، تلك المدينة العزيزة والمقدسة في الأديان السماوية الثلاثة، والتي يجب احترامها.
هذا هو الإسلام الذي تعلمته، وهكذا أعلمه لأولادي، وهكذا يتم تدريس ديننا للأطفال المسلمين في جميع أنحاء العالم. أما أولئك الخوارج، فهم ليسوا على هامش الإسلام، وإنما خارج فضائه كلياً. ولقد دعوت العالم الإسلامي للرد بجرأة. فنحن، مثل بقية المجتمعات الدينية الأخرى، لدينا أغلبية صامتة، وقد حان الوقت لهذه الأغلبية أن ترفع صوتها.
ولغير المسلمين أيضا دور حاسم في هذا الشأن، فلا يمكن ربط مزاعم المتطرفين الكاذبة بالإسلام، لأن ذلك لا يخدم سوى طموحاتهم الشريرة، فهم يريدون تمزيق مجتمعاتنا، وقطع روابط الصداقة في جميع أنحاء العالم. وهم يستمدون قوتهم من ظاهرة الكراهية والخوف من الإسلام والجهل بقيمنا، مما يهدد مستقبلنا المشترك. ولذلك، فمن المهم جداً أن يحاول القادة على جميع المستويات فهم الأديان الأخرى، وتثقيف الآخرين بها كذلك.
أصدقائي، تعلمنا أدياننا - سواء الإسلام أو المسيحية أو اليهودية - أن خياراتنا، لا ظروفنا، هي التي تحدد من نحن؛ من خلال الخيارات التي نتخذها، أو التي لا نتخذها، ومن خلال ما نفعله، أو نتقاعس عن فعله، ومن خلال التسامح أو القسوة، الجرأة أو الشك، التعاطف أو اللامبالاة، فمن خلال كل ذلك نحدد من نكون.
إننا نعيش زمنا حاسما يتطلب اتخاذ الخيارات الصحيحة، وهي غالبا خيارات صعبة، في جميع أنحاء العالم. إن مستقبلنا كمجتمع دولي على المحك، ولكن من خلال عملنا المشترك، مسترشدين بقوة إيماننا، يمكننا أن نقلب الموازين لصالح السلام والازدهار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/03 الساعة 10:28