مجزرة الطبقة الوسطى 2-3

مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/24 الساعة 02:42
المشكلة الحقيقية في "النقاشات" الحالية عن مشروع قانون ضريبة الدخل أنّها أشبه بـ"حوار الطرشان" فعلاً، الحكومة تنظر إلى ما يقال من نقد ضد بنود القانون بوصفه مشاغبة ومناكفة أو جهلاً، وهنالك قوة وشرائح عديدة متضررة من القانون تحاول عرقلة إقراره.
بينما النظرة الموضوعية للمشروع المقدّم تضع سلّة للإيجابيات الكثيرة وأخرى للسلبيات الخطيرة، وما يزال لدينا وقت خلال مناقشة المجلس له لتوسيع قاعدة التوافقات الوطنية حول البنود المقترحة، كي يكتسب شرعية حقيقية وتأييدا اجتماعيا ضروريا ومهما في عملية التطبيق، التي تتطلب تجريماً ليس فقط قانونياً للتهرب، وقبولاً ليس فقط قانونياً لدفع الضريبة، بل قبل ذلك وأهمّ منه ثقافة اجتماعية وسياسية مساندة بهذا الاتجاه، وإلاّ ستكون هنالك نتائج متضاربة لتطبيق القانون لاحقاً.
الإيجابيات كثيرة وفي مقدمتها مكافحة التهرب الضريبي، ومبدأ تصاعدية الضريبة (الذي كانت تطالب به قوى عديدة)، وتوسيع قاعدة الدافعين بما يخلق ثقافة سياسية جديدة في معنى العلاقة بين الفرد والدولة، وتعزيز قيمة المواطنة والمساءلة للمال العام، طالما أنّ الضريبة أصبحت هي المورد الرئيس للخزينة.
هذه الحجج الحكومية صحيحة تماماً، وهي من ضمن الأسباب الموجبة للقانون، لكن من الضروري أن تسمع الحكومة جيداً، لا بل تنصت إلى الآراء التي تناقش بعلمية وموضوعية نقاطاً عديدة في المشروع، وقرأتُ شخصياً آراء على درجة عالية من الأهمية والدقّة والخبرة، مثلما كتبه الصديق د. طارق الحموري، وهو محام وحقوقي خبير في الشؤون الاقتصادية، في صحيفة الغد، فيما يتعلّق بتوصيف الجرائم المالية المرتبطة بالتهرب الضريبي.
ومن أهم ما قرأته الدراسة التي أصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخراً بعنوان "قانون ضريبة الدخل: تقييم للواقع والبدائل المحتملة"، وفيها قراءة معمّقة للواقع والسيناريو الحكومي وطرح لسيناريوهات عديدة مهمة للبدائل المقترحة في موضوع "الإعفاءات الضريبية"، وفيها تحذير من نقاط مهمة وخطيرة في مقدمتها "الإجهاد الضريبي" لدى المواطنين الذي وصل إلى مرحلة حرجة، لأنّ العبء الضريبي المباشر وغير المباشر كبير، والأخذ بعين الاعتبار "المعامل الجيني" أي سوء توزيع الدخل.
كما طرحت الدراسة جملة من التوصيات المهمة مرتبطة بفترة السماح الضريبي، بخاصة للمستثمرين كي يتمكّنوا من التكيّف مع القانون الجديد، وعفوا عن المراحل السابقة، واقتراحات عديدة أخرى.
إذا تجاوزنا كل هذه القراءات المهمة، وعدنا إلى البنود التي تحدثنا عنها في مقالنا أمس، فإنّ هنالك هواجس حقيقية كبيرة مرتبطة بالسيناريو الحالي للمشروع، الأولى متعلّقة بالطبقة الوسطى، وهي المتضرر الرئيس منه، بل ستتعرّض فعلياً لما يشبه المجزرة، أولاً بإلغاء إعفاءات التعليم والسكن، ومن المعروف أنّ عبئها كبير جداً على هذه الطبقة، مع الحالة المتردية للتعليم الحكومي، وثانياً فوائد البنوك على القروض، التي ارتفعت خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن ترتفع إلى نهاية العام، ما يصيب هذه الطبقة التي تعاني من الضغوط المالية والاقتصادية أصلاً، كما أشارت في مقالٍ سابق الزميلة جمانة غنيمات.
الخطورة الثانية على الاستثمار، وتتمثل في التوقيت أولاً مع وجود حالة "شبه ركود"، ومثل هذا القانون وفق تقديرات المختصين سيعزز هذه الحالة، وثانياً مع وجود تباين كبير بين هيكل الضرائب في الأردن والأشقاء الخليجيين ومصر، ما يدفع العديد من الاستثمارات إلى التفكير بمغادرة البلاد ونقل مصالحها إلى الخارج!
الخطورة الثالثة أن نبدأ بهذه العملية التي تعتمد على سلطة تقديرية واسعة لموظفي ضريبة الدخل، من دون إصلاحات مؤسسية وهيكلية كبيرة في الضريبة، ووجود عقوبة بالسجن ما يجعل المستثمرين تحت سيف خطير، وإمكانية كبيرة للاجتهادات التي قد لا تكون موضوعية، او مرتبطة بمصالح شخصية.
للحديث بقية.. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/24 الساعة 02:42