كذبة فولتير
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/02 الساعة 01:12
هل كان فولتير مستعداً حقاً لأن يدفع حياته ثمناً لكي يقول أحد مخالفيه رأيه أو لضمان أن يتمتع هذا المُخالف بحرية أن يقول ما يشاء؟.
أحسب أن هذه دعوى عريضة لا يُصدقها إلاّ الذاهلون عن حقائق الأشياء، ويؤكد كونها كذلك أن فولتير نفسه لم يكن مثالاً يُحتذى لمن يتسع عقله ووجدانه للمختلف عنه فكراً وديناً وحضارةً. ومسرحيته التي كتبها عن النبي مُحمّد صلوات الله وسلامه عليه أُنموذج على ضيق الافق من جهة وعلى الجهل بالإسلام ونبيه الكريم من جهة أُخرى.
وعلى الرغم من أن رفض فولتير للتثليث الكَنَسي كان بعضاً من أثر الإسلام في حركات الاصلاح والتنوير في أوروبا، الا انه ظل مسكوناً بالتركة النفسية للحروب التي شنها الغرب على المسلمين. ومن هنا يمكن القول بأن دعواه باستعداده لدفع حياته ثمناً لحرية من يخالفه في إبداء رأيه لا تعدو أن تكون لوناً من الخداع، ناهيك بما تتنكبه من طبائع الأنفس، إذ غاية ما يتسامح به الناس في أرقى أنواع الحوار أن يستمعوا لمخالفهم وان يستأنوا في وزن ما يقولون، وأن يناظروهم فيه بمنطق مقبول.
أما أن يضحّى بحياته من أجل أن يقول مخالِفُهُ رأيه حتى وان لم يكن صائباً أو كان مما يُترجم عن حضارة أُخرى أو دين آخر، فذلك مما لا يتصوّره عاقل. ومن يُردّدون مثل هذه المقولة غالباً ما يكونون ذاهلين عمّا تشتمل عليه مِنْ تناقض، أو ممّن يتوهمون حكمة خافية فيها، او يحبّون أن يوصفوا بالعمق والذكاء كونهم يضاهئون هذا الفولتير أو غيره من الغربيين الذي لا نعلم إلاّ النّزر اليسير من أحوالهم وأقوالهم والأسباب القريبة أو البعيدة لما يصدعون به من آراء أو ما ينادون به من مذاهب وفلسفات.
وتعود بنا عبارة فولتير هذه إلى شذرات هيراقليطس الإغريقي أو أقواله الجامعة التي تبلغ مائة وأكر من ثلاثين شذرة والتي يرى فيها دارسو الفلسفة الغربية جِمَاعَ الحكمةِ والنظر السديد. كما تعود بنا إلى أقوال الإمام علي كرّم الله وجهه التي نجدها في آخر كتاب «نهج البلاغة» الذي جمعه الشريف الرضيّ، والتي تفوق شذرات هيراقليطس في العمق والإبانة وبعيد المرامي. نعود إلى هذه وتلك لنتبيّن فارق ما بين ما يقوله الحكيم الإغريقي والإمام العربي وبين ما يدّعيه فولتير ويُهرع على آثاره فيه – دون تبصّر – كثير ممن يُحبّون أن يوصفوا بالفهم والعلم، ثم نقول: إنّ من يردّدُ كلاماً لا يعرف مصادره وموارده ولا يعرف له مبنى ولا معنى – وكم يكثر هؤلاءِ في بيئة الجهل والتخلّف – هو أجدرُ الخَلْق بالرّثاء والشفقة، حتى وإن سارت بين يديه الطبول ونودي على عبقريته الصغيرة في الأسواق التي لا يُروج بها إلى زائف العملات والبضائع المُزجاة. وعوداً إلى كذبة فولتير الكبرى، فإننا نتحدى ان يقدّم لنا أحدهم أُنموذجاً واحداً على المقولة الخياليّة آنفة الذكر. وإنّ له أن يذرع التاريخ الإنساني جيئة وذهوباً، مراراً لا مرّة أو مرّتين، فهو غير واجدٍ إلا ما ينقض الإدعاء الفوليتري، وما يؤكد أنّه لا يتجاوز كونه خِدْعَةً مما يخدع الغربيون به أنفسهم أولاً، ثم مما يخدعون به العالم كلّه. وكم في وقائع الاستعمار الغربي لأُمم الأرض ما يكذّب هذه المقولةَ الخادعة البلقاء. وما يؤكد ضرورة تفنيدها ودفع أذاها عن الأذكياء والأغبياء على حدٍ سواء.
الرأي
أحسب أن هذه دعوى عريضة لا يُصدقها إلاّ الذاهلون عن حقائق الأشياء، ويؤكد كونها كذلك أن فولتير نفسه لم يكن مثالاً يُحتذى لمن يتسع عقله ووجدانه للمختلف عنه فكراً وديناً وحضارةً. ومسرحيته التي كتبها عن النبي مُحمّد صلوات الله وسلامه عليه أُنموذج على ضيق الافق من جهة وعلى الجهل بالإسلام ونبيه الكريم من جهة أُخرى.
وعلى الرغم من أن رفض فولتير للتثليث الكَنَسي كان بعضاً من أثر الإسلام في حركات الاصلاح والتنوير في أوروبا، الا انه ظل مسكوناً بالتركة النفسية للحروب التي شنها الغرب على المسلمين. ومن هنا يمكن القول بأن دعواه باستعداده لدفع حياته ثمناً لحرية من يخالفه في إبداء رأيه لا تعدو أن تكون لوناً من الخداع، ناهيك بما تتنكبه من طبائع الأنفس، إذ غاية ما يتسامح به الناس في أرقى أنواع الحوار أن يستمعوا لمخالفهم وان يستأنوا في وزن ما يقولون، وأن يناظروهم فيه بمنطق مقبول.
أما أن يضحّى بحياته من أجل أن يقول مخالِفُهُ رأيه حتى وان لم يكن صائباً أو كان مما يُترجم عن حضارة أُخرى أو دين آخر، فذلك مما لا يتصوّره عاقل. ومن يُردّدون مثل هذه المقولة غالباً ما يكونون ذاهلين عمّا تشتمل عليه مِنْ تناقض، أو ممّن يتوهمون حكمة خافية فيها، او يحبّون أن يوصفوا بالعمق والذكاء كونهم يضاهئون هذا الفولتير أو غيره من الغربيين الذي لا نعلم إلاّ النّزر اليسير من أحوالهم وأقوالهم والأسباب القريبة أو البعيدة لما يصدعون به من آراء أو ما ينادون به من مذاهب وفلسفات.
وتعود بنا عبارة فولتير هذه إلى شذرات هيراقليطس الإغريقي أو أقواله الجامعة التي تبلغ مائة وأكر من ثلاثين شذرة والتي يرى فيها دارسو الفلسفة الغربية جِمَاعَ الحكمةِ والنظر السديد. كما تعود بنا إلى أقوال الإمام علي كرّم الله وجهه التي نجدها في آخر كتاب «نهج البلاغة» الذي جمعه الشريف الرضيّ، والتي تفوق شذرات هيراقليطس في العمق والإبانة وبعيد المرامي. نعود إلى هذه وتلك لنتبيّن فارق ما بين ما يقوله الحكيم الإغريقي والإمام العربي وبين ما يدّعيه فولتير ويُهرع على آثاره فيه – دون تبصّر – كثير ممن يُحبّون أن يوصفوا بالفهم والعلم، ثم نقول: إنّ من يردّدُ كلاماً لا يعرف مصادره وموارده ولا يعرف له مبنى ولا معنى – وكم يكثر هؤلاءِ في بيئة الجهل والتخلّف – هو أجدرُ الخَلْق بالرّثاء والشفقة، حتى وإن سارت بين يديه الطبول ونودي على عبقريته الصغيرة في الأسواق التي لا يُروج بها إلى زائف العملات والبضائع المُزجاة. وعوداً إلى كذبة فولتير الكبرى، فإننا نتحدى ان يقدّم لنا أحدهم أُنموذجاً واحداً على المقولة الخياليّة آنفة الذكر. وإنّ له أن يذرع التاريخ الإنساني جيئة وذهوباً، مراراً لا مرّة أو مرّتين، فهو غير واجدٍ إلا ما ينقض الإدعاء الفوليتري، وما يؤكد أنّه لا يتجاوز كونه خِدْعَةً مما يخدع الغربيون به أنفسهم أولاً، ثم مما يخدعون به العالم كلّه. وكم في وقائع الاستعمار الغربي لأُمم الأرض ما يكذّب هذه المقولةَ الخادعة البلقاء. وما يؤكد ضرورة تفنيدها ودفع أذاها عن الأذكياء والأغبياء على حدٍ سواء.
الرأي
مدار الساعة ـ نشر في 2017/02/02 الساعة 01:12