على المسؤولين في العقبة أن يعتذروا
فهد الخيطان
وضعت السلطات المعنية في العقبة نفسها في مأزق لا تحسد عليه بسبب الطريقة التي تعاملت فيها مع حادثة انفجار الصوامع الذي أودى حتى الآن بحياة خمسة أشخاص من بين مصابي التفجير التسعة.
بادئ الأمر، أعطى البيان الرسمي الانطباع بأن الحادث بسيط والإصابات الناجمة عنه لا تزيد على أربع وحالتها مستقرة.
سجلت الوفاة الأولى، وكان يمكن حينها الخروج للرأي العام بمعلومات أكثر تفصيلا عن الحادث لاحتواء التبعات، لكن استمرت حالة التكتم، وبدأت الأمور تسوء مع تسجيل متواتر لحالات الوفاة حتى وصلت إلى خمس.
قبل أن تبلغ الحادثة مرحلة الأزمة، ذكرت تقارير صحفية أن معظم مصابي الانفجار في حالة موت سريري. لم يعقب أحد من المسؤولين على هذه الأنباء. وما زاد من غموض الحادثة وسمح بنشر سيل من الأقاويل بشأنها امتناع السلطات عن كشف السبب الحقيقي للانفجار والتشخيص الدقيق لحالات المصابين الحرجة.
منعت وسائل الإعلام من الوصول للمصابين في المستشفى، كما حظر عليها الاقتراب من موقع الانفجار. قد تكون هذه الإجراءات مفهومة في ضوء المعلومات عن خطورة حالة المصابين، وانتشار غازات سامة كما قيل في موقع الانفجار.
لكن في مثل هذه الحالات، ينبغي تعويض الرأي العام ببيانات تفصيلية حول الظروف كافة المحيطة بالحادث وأسبابه وحالة المصابين.
غياب التواصل المطلوب هو الذي تسبب في حالة الصدمة في أوساط الرأي العام نتيجة لعدم توفر المعلومات الكاملة. حتى عائلات المتوفين والمصابين بدا وكأنها لا تعلم شيئا عما
حصل، وغير مصدقة للأخبار الواردة عن وفاة أبنائها، كونها تلقت في البداية التطمينات بتعافيهم قريبا.
تذكرنا هذه الحادثة بالواقعة الشهيرة التي عرفت باسم "ذهب عجلون" عندما تقاعست السلطات عن شرح الأسباب الحقيقية لعمليات التفجير والحفر ليلا بالقرب من طريق إربد عجلون، فملأت الإشاعات الحيز العام، وتشكلت لدى أغلب الأردنيين قناعة راسخة بوجود أطنان من الذهب في الموقع تسترت السلطات على خبر اكتشافها.
دحض الإشاعة هذه تطلب خروج مسؤولين كبار في مؤتمر صحفي لكشف التفاصيل كاملة. لكن في الوقت الفاصل بين الحدثين، نزف رصيد الثقة العامة بمؤسسات الدولة أطنانا من مخزونه الشحيح.
للأسف أن المسؤولين في العقبة لم يتعلموا من درس "ذهب عجلون"، فخلال الأيام الماضية راجت روايات كثيرة لا تستند في معظمها على معلومات مؤكدة حول الحادثة، وسط غياب تام من قبل الجهات الرسمية. ومع تسجيل المزيد من حالات الوفاة لم يكن بمقدور أي مسؤول أن يرد على الأقاويل، فاستقرت الإشاعات على أنها حقائق راسخة.
يتعين على المسؤولين في العقبة أن يخرجوا للناس في أسرع وقت. عليهم أولا أن يعتذروا عن تجاهلهم لحق المواطنين وأهالي الضحايا في معرفة الحقائق، ومن ثم الإدلاء ببيان تفصيلي حول ظروف الانفجار والأسباب التي أدت إلى تسجيل هذا العدد من الوفيات، والخدمات العلاجية التي قدمت للمصابين، ومبررات عدم نقلهم لمراكز طبية متخصصة في عمان قد يتوفر فيها علاج ينقذ حياتهم، والحالة الصحية لمن تبقى على قيد الحياة.
استمرار حالة التستر يلحق ضررا بالغا يصعب مداراته مستقبلا.
الغد