النموذج الأنجح لدولة مسلمة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/18 الساعة 00:49
عودة مهاتير محمد لقيادة ماليزيا عن عمر 92 عاما، هو خبر الانتخابات الماليزية التي جرت قبل أسبوعين، لكن تفاصيل الزلزال السياسي التاريخي أكبر من هذا الحدث الشخصي. ومهاتير محمد عاد مجددا ليس بقصد أن يحكم في هذه السن، بل لدعم تحالف معارضة لإزاحة الحزب الحاكم وترؤس الحكومة لفترة مؤقتة تضمن وحدة التحالف واستقراره في الحكم وتصفية إرث الفساد الكبير للحزب الحاكم الذي كان هو نفسه حزب مهاتير أثناء قيادته البلاد لأكثر من عقدين بين 1981 و2003.
ماليزيا هي الاستثناء الإسلامي الوحيد للنجاح الذي وضعها ضمن مجموعة النمور الآسيوية، وقد أصبحت تجربتها نموذجا ملهما، لكن من الخطأ إعادة الأمر كله لشخص مهاتير محمد رغم دوره الكبير. فقد دخلت ماليزيا مرحلة النهوض مع دول شرق آسيوية أخرى قبل مهاتير ببضع سنوات واستمرت معه، لكن ما يستحق تسليط الضوء عليه بصورة خاصة هو طريقة مهاتير في مواجهة أول أزمة مالية واقتصادية عصفت بتلك الدول العام 97؛ حيث ضرب مهاتير عرضا بتوصيات صندوق النقد الدولي التقشفية والانكماشية المعروفة والتي تتكرر مع جميع الدول وسلك طريقا آخر اعترف رئيس الصندوق في حينه بنجاحها؛ إذ تمكنت من تجاوز الأزمة وتجاوز الكساد واستعادة النمو خلال فترة محدودة.
بدأت أزمة العام 97 في تايلند لتعم شرق آسيا، وكانت ديون الدول قد وصلت الى ذروة تراوح من 100 % الى 180 % من الناتج الإجمالي، وطبق صندوق النقد إجراءات تقشفية صارمة باستثناء ماليزيا التي استغنت عن مساعدات الصندوق الذي خصص 40 مليار دولار قروضا للدول مقابل الالتزام بسياساته، واعتمد مهاتير على صناديق التوفير الوطنية ومصادر الاقتراض المحلي لدعم مشاريع إنعاش السوق بدل خفض الإنفاق والانكماش، ونجح مهاتير في تجاوز الأزمة أسرع من الدول الأخرى وبثمن اجتماعي أقل كلفة، وتخللت حكم مهاتير أوقات غير مشرقة ديمقراطيا مثل زج زعيم المعارضة أنور إبراهيم بالسجن بتهم تشوبها التساؤلات.
وقد استمر الحزب الوطني الحاكم الذي يمثل الأغلبية المالوية في السلطة بعد مهاتير محمد، لكنه بعد أكثر من ستين عاما متصلة، غرق في الفساد، وطالت زعيم الحزب ورئيس الوزراء الأخير، نجيب عبد الرازق، شبهات مثل تحويل أموال من صندوق الاستثمار لمصلحته تصل الى أكثر من ثلاثة مليارات فتحت حولها تحقيقات في الولايات المتحدة وقادت مهاتير للعودة للساحة متحالفا مع أحزاب المعارضة (وسط-يسار)، ومن بينهم خصمه القديم أنور إبراهيم الذي ما يزال يقضي عقوبة السجن وسينال عفوا بعد استلام مهاتير لرئاسة الحكومة.
وقد فاز حزب أنور بثمانية وأربعين مقعدا من إجمالي 113 مقعدا حصل عليها التحالف في البرلمان. وفاز حزب العمل الديمقراطي (يسار) باثنين وأربعين مقعدا، فيما فاز حزب مهاتير الجديد باثني عشر مقعدا. ومع أن حزب مهاتير يمثل الأقلية في التحالف فقد عهد إليه برئاسة الحكومة لمكانته التاريخية وكقاسم مشترك بين أطراف التحالف، وقد ظهرت على الفور خلافات على المحاصصة بدأ مهاتير العمل على حلها الى جانب القيام بإجراءات فورية للمحاسبة على الفساد؛ حيث فرضت الإقامة الجبرية على الرئيس السابق نجيب وتم تفتيش منزله، وحسب ما يتم تداوله فقد تم وضع اليد على أموال طائلة ووثائق ومجوهرات.
ماليزيا قصة نجاح غنية بالدروس ولديها مشاكلها أيضا مثل التوترات العرقية مع الأقلية الصينية والهندية وصعود التطرف الإسلامي، لكن البلد تمكن من احتواء كل ذلك محافظا على التقاليد جنبا الى جنب مع الحداثة والتحرر، وانعكس ذلك في جوهرة النجاحات الماليزية وهي السياحة وأيضا السياحة العلاجية.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/05/18 الساعة 00:49