الحنيطي : حادثة السفارة عكست مدى حوكمة الاعلام الاسرائيلي (صور)
مدار الساعة - رصد - نضال العمرو - قال الخبير في الاعلام والشؤون الاسرائيلية، ايمن الحنيطي، ان حادثة السفارة الاسرائيلية التي وقعت في عمان في تموز الماضي وراح ضحيتها مواطنان اردنيان على يد حارس السفارة، اظهرت جليا مدى حوكمة الاعلام الاسرائيلي ومواقع التواصل الاجتماعي هناك، مقابل خلل الحوكمة محليا وعربيا .
واضاف الحنيطي في جلسة حوارية على هامش اعمال مؤتمر حوكمة الاعلام في الوطن العربي في عمان امس، ان وسائل الاعلام وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي في دولة الكيان تعاملت مع امر منع النشر الذي اصدرته الرقابة العسكرية، ولم تنشر أي مادة عن الحادثة التي وقعت مساء يوم الاحد 23 تموز، الا بعد رفع امر الحظر فجر اليوم التالي، وبالتسنيق الكامل مع الجهات المعنية .
وقال الحنيطي خلال استعراضه لورقته البحثية بعنوان التجربة الاسرائيلية في حوكمة الاعلام والمؤسسات الاخرى ، ان حظر النشر الذي اصدرته الرقابة الاسرائيلية على الحادثة منح المسؤولين الاسرائيلين الوقت الكافي لتنيسق مواقفهم ورسم سيناريو الحادث بما يخدم الدعاية الاسرائيلية، واصبحت المعالجات الصحافية، وما يتداوله الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي محليا، تبنى اساسا على الرواية الاسرائيلية، الامر الذي ترك المجال امام الشائعات والاخبار المزيفة .
واستعرض الحنيطي في ورقته دور الهيئات الاسرائيلية التي تلعب دورا كبيرا في حوكمة الاعلام مثل الرقابة العسكرية واتفاقيتها مع ما يسمى ب لجنة المحررين وهي الجهة التي تمثل الصحف ووسائل الاعلام، وكذلك مجلس الرقابة على الافلام والمسرحيات، ومجلس البث بالكوابل والاقمار الاصطناعية ، بالاضافة الى دور ما تسمى بسلطة التنظيم الحكومية التابعة لرئاسة الوزراء ،والمسؤولة عن تنظيم عمل جميع المؤسسات والشركات شبه الحكومية .
وجاء في الورقة البحثية للخبير الحنيطي : من خلال اعتماد قواعد الحوكمة ثلاث: الشفافية، والمساءلة، والمشاركة، التي تقوم عليها المجتمعات الديمقراطية، وتسهم كثيرا في تجارب اللامركزية الناجحة، التي تعززها الصحافة ووسائل الاعلام، ولما كانت هناك تجارب عريقة لا يمكن نكرانها، وان كانت في كيانات مصطنعة، الا انه من الحكمة الاطلاع على مثل هذه التجارب والاستفادة منها في حوكمة مؤسسات أي دولة ووسائل اعلامها .
ان الكيان الاسرائيلي الغاصب لارض فلسطين، استطاع وخلال 70 عاما ان يبني مؤسسات مختلفة تعتمد الشفافية والمساءلة والمشاركة مرتكزات اساسية في الحياة اليومية، فاصبحت الصحافة ووسائل الاعلام تمارس سلطتها الرابعة بشكل حقيقي، وتدفع بالمؤسسات كافة لتكريس مبدأ الشفافية، وتمكنت مؤسسات المجتمع المدني من استغلال قانون حق الحصول على المعلومة في سبيل نشر معطيات وارقام ومعلومات، واصبحت متاحة للنقد البناء والمساءلة، واصبح الفرد الاسرائيلي يشارك بشكل فاعل في ابداء الراي، واحداث التغيير من خلال حوارات وتحليلات تملأ وسائل الاعلام الاسرائيلية يوميا .
واشار الخبير الحنيطي الى وجود ما يزيد عن 24 اذاعة محلية ومناطقية، واكثر من 12 قناة تلفزيونية شاملة، تقدم جمعها محتوى اعلامي حقيقي بنسبة تفوق 90 بالمائة، بالاضافة الى وجود 54 قناة تلفزيونية منوعة عبر الكوابل، واكثر من 15 صحيفة يومية، سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، وصحف ومجلات قطرية ومناطقية مختلفة، متعددة اللغات، يضاف اليها عشرات المواقع الالكترونية المنوعة، وان هذه الترسانة الاعلامية التي تعتمد المهنية اساسا لالية عملها، تخلق اجواء صحية من التنافسية مما يتيح المجال لفئات كثيرة من المجتمع المشاركة الفاعلة، وابداء الاراء وممارسة الحق في حرية التعبير، والنقد البناء، وعدم نشر الاشاعة والاخبار الزائفة
وجاء في الورقة البحثية عشرات قضايا الفساد كشفتها الصحف ووسائل الاعلام الاسرائيلية ، كان نتيجتها ان جرت محاكمة وسجن متورطين كثر، منهم رئيس الدولة موشيه كتساف ، ورئيس وزراء ايهود اولمرت ، وزير ورئيس حزب اريه درعي ، وقادة عسكريون وامنيون، وغيرهم من الشخصيات العامة التي ثبت تورطها بقضايا الفساد وتلقي الرشوة وخرق الامانة .
ولا يخفى على احد دور وسائل التواصل الاجتماعي ايضا في تعزيز مبادئ الحوكمة الرشيدة ، والتي تتفاعل يوميا مع قضايا الفساد التي تكشفها الصحف والقنوات التلفزيونية، وما زالت القنوات العاشرة والثانية وحتى محطة كان – هيئة البث الاسرائيلي الرسمية الاسرائيلية، تقدم وجبات دسمة لمشاركات الاسرائيليين على الفيسبوك وتويتر والواتساب، اذ تواصل نشرها لتطورات التحقيقات الجارية حاليا مثلا بثلاث قضايا فساد يتورط بها رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو وهو ما زال على راس عمله ، وتحقيقات اخرى يخضع لها ايضا رئيس الائتلاف الحاكم ، اضطر لتقديم استقالته على اثرها، وتحقيقات اخرى يتورط بها اعضاء كنيست ، رؤوساء احزاب وبلديات مما يخلق اجواء صحية في منظومة اللامركزية الاسرائيلية .
وما زالت صحيفة يديعوت احرونوت الاوسع انتشارا في دولة الكيان ، تناكف صحيفة نتنياهو، صحيفة اسرائيل اليوم التي توزع مجانا كونها مدعومة وممولة من الثري اليهودي الاميركي شيلدون ادلسون صديق نتنياهو الحميم ، وهذا الشئ يترك اثار وتجاذبات في الداخل الاسرائيلي حول ضرورة حوكمة وسائل الاعلام ، وكان قانون اسرائيل اليوم سببا اساسيا في تفكك حكومة نتنياهو الثالثة .
وتغطي وسائل الاعلام الاسرائيلية وبشفافية وموضوعية متفاوتة، تظاهرات الفساد التي تشهدها تل ابيب ومناطق اخرى منذ 72 اسبوعا حتى كتابة هذه السطور، ويواصل تنظيمها تيارات مختلفة وافراد ناشطين في المجتمع مساء كل يوم سبت تحت شعار فساد السلطة .
امام هذه التجربة الغنية يمكن استقاء العبر واخذ الدروس والاستفادة قدر الامكان باتجاه تعزيز مبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والمشاركة ، وصولا الى منظومة ناجحة من اللامركزية خصوصا في بلد جرى فيه حديثا تطبيق منظومة اللامركزية مثل الاردن .