المصالحة الكورية.. وهواجس لقاء العرب

مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/30 الساعة 13:05
كتب الدكتور رجائي حرب إستيقضت صبيحة يوم الجمعة الماضية وكعادتي أجلس أمام التلفاز لإتابع الاحداث المحلية والعالمية، حيث كانت معظم المحطات الفضائية العالمية تغطي الحدث التاريخي الأبرز والمتمثل بلقاء الزعيمين الكوريين الشمالي والجنوبي. جلست أشاهد الإعداد الدقيق والاعتناء بتفاصيل اللقاء والبروتوكول الدبلوماسي في المصافحة التاريخية بين الزعيمين؛ ومن خلال خبرتي المتواضعة في العلاقات بين الدول لاحظت من تصرفات الزعيمين ولغة جسد كل منهما الأسباب التي أدت لهذه المصالحة ومَنْ يحتاج مَنْ؛ ومَنْ المبادر؛ وما مستقبل المصالحة التاريخية بينهما. وعندما بدأت بقراءة المشهد ومتابعة مجريات الأحداث والتحليلات الصحفية على مدى يوم كامل تأكد لي مدى الاحترام والتقدير والعبء الكبير الذي تتحمله الدول لإنجاز مثل هذه المصالحات التاريخية، ومدى الحكمة وبُعْد النظر وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، والأبعاد والمرامي والنجاحات والمكاسب التي تتحقق نتيجة هذه المواقف العظيمة؛ وما يترتب عليها من إنهاء لحالة الحرب ودعم السلم الدولي والمجتمعي وتجنيب المواطنين للكثير من الآلام والكوارث بعد صراع طويل ونُذُر حرب طاحنة استمرت لـ(65) عاماً بين البلدين. فقد تعهد زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، ونظيره، مون جيه إن، بوضع نهاية رسمية للحرب بينهما ونزع الأسلحة النووية من شبه الجزيرة الكورية؛ وإذابة الجليد لاستعادة الثقة بين بلدين؛ أحدهما يمتلك الإرادة السياسية الحديدية وسلاحاً نووياً وجيشاً متماسكاً، والثاني لديه قوة اقتصادية وتكنولوجية عالمية، إضافةً إلى تكنولوجية نووية متقدمة؛ واتفق الزعيمان على عدم نشوب أية حرب، مع وقف جميع الأعمال العدائية؛ وإعادة التواصل بين الأسر التي فرقتها الحرب، وتأسيس مكتب اتصال على حدود كوريا الشمالية، وتحديد زيارة الزعيم الجنوبي لكوريا الشمالية في الخريف القادم. وما هزني في هذه المصالحة وجعلني أبكي دماً ما أفضى به زعيم كوريا الشمالية في كلمته عندما قال: " لقد استغرقنا وقتاً طويلاً حتى تجتمع الكوريتين سوياً، وتمسك كل منهما بيد الأخرى، لقد انتظرنا طويلاً من أجل حدوث هذه اللحظة، وبينما أقف هنا اليوم، أستطيع أن أرى أن الكوريتين الجنوبية والشمالية هما نفس الشعب، ونفس الدم ولا يمكن فصلهما، وأنا مستعد لتفكيك البرنامج النووي لبلادي بشكل كامل، لأنه لا يوجد سبب يجعلنا نقاتل بعضنا البعض لأننا أمة واحدة ". وتدفعني مباديء الشفافية والصراحة والنزاهة إلى التنويه إلى الكثير من الرسائل والطموحات والأحلام التي عبر عنها أبناء شعبنا العربي على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تدعو وتطمح إلى تحقيق مثل هذه المصالحة بين دولنا العربية الشقيقة بأية صورة كانت؛ سواءاً بالاتحاد الكامل أو الفيدرالي أو الكونفدرالي للوصول إلى فكرة الاتحاد الكامل وعلى امتدادٍ جغرافيٍ يحتل قلب العالم من ناحية التحكم بطرق المواصلات والمكانة المميزة والخيرات الوفيرة والمحاصيل المتعددة والإنسان المتحفز والقيم النبيلة واللغة الواحدة والتاريخ والمصير المشترك ووحدة الدم، مع وجود ثلثي مصادر الطاقة في العالم فيه؛ ولكن ورغم كل هذه القواسم المشتركة نعاني من غياب الإرادة الحقيقية لإنجاز هذا الطموح بسبب الإقليمية التي أنشأتها اتفاقيات كامبل وسايكس بيكو ووعد بلفورد، وتجذِّرها الآن صفقة القرن التي على ما يبدو أنها لن تكتفي بتقسيم المقسم، بل وستفصل البشر على أسس عرقية وطائفية، إضافةً لوجود مشاريع إمبراطورية توسعية تحيط بنا ( إسرائيل، تركيا، إيران ) وتتربص بنا الدوائر، وتعمل على تأجيج الصراعات بكل أشكالها بين العرب، وتغزونا فكرياً وثقافياً وإعلامياً وتستفيد من حالة الضعف العربي لتحقيق طموحاتها على المستوى الجيوسياسي وهنا أقول لكل أبناء أمتنا الطامحين إلى الوحدة، أن فكرة المصالحة الجميلة التي نسعى إليها كأمةٍ عربية ليست صعبة المنال وبالإمكان تحقيقها؛ وفعلتها أمم كثيرة قبلنا ولم تكن تمتلك ما نملكه من مقومات التقارب والوحدة والاندماج؛ فقد اجتمع ملوك ورؤساء الدول الاوروپية عام 1648 لتوقيع معاهدة وصلح وستفاليا بعد حروب طاحنةٍ أكلت الأخضر واليابس في القارة، وأتت لتشكّل نقطة تحوّل استثنائية في تاريخ العلاقة بين دول أوروبا. وأنهت حرب الاعوام الثلاثين، وأقرّت مبدإ السيادة واحترام الحدود الجغرافية لكل الأطراف مع عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووسم ولادة قارة أوروبا العصرية المؤلفة من دول ذات سيادة بعد أن كانت خلال القرون الوسطى يسودها الحروب والتخلف والظلمات وكانت مُقسّمةً لمئات الأمارات المتعددة الاحجام. كما وانهت المصالحة حرب المئة عام التي عُرفتْ بأنّها أطول حرب في التاريخ، ومثلت الصراعات التي نشبت بين فرنسا وإنجلترا، واستمرّت مدّة 116 سنة من عام 1337 إلى عام 1453، حين ادعى بلانتاجانت وهم ملوك الإنجليز والأسرة الحاكمة في انجلترا أحقية ملكيتهم للعرش الفرنسي والإنجليزي على حدٍّ سواء، واستمرّت الصراعات لخمسة أجيال من الملوك والسلالات المتنافسة، كما وانتهت الحربان العالميتان الأولى والثانية وشكلتا بدايةً لحقبة جديدةٍ في العالم بأكمله. ويالتالي ففكرة المصالحة بين أبناء الشعب العربي هي فكرة قابلة للتنفيذ ولا يوجد فيها معجزة شرط أن تكف الأيدي الخفية عن صنع الفزاعات لنا كل يوم في عالمنا العربي؛ كفزاعة الإرهاب والفزاعة الايرانية والفزاعة التركية، والاسرائيلية، وفزاعة الأصولية وغيرها لإدامة التدخل الخارجي ونحن نائمون، كما وأنه لا بد من المساهمة في صناعة الحدث في المنطقة بدل ترك الساحة للآخرين يلعبون كيفما يشاؤون. مع محاربة الفساد في المنطقة لوقف هدر المال العربي وشراء الأسلحة وتكديسها لتصدأ، والشروع في مشاريع تنموية وتربوية واجتماعية ومجتمعية وبيئية لتطوير الإنسان العربي وسبل عيشه ودخله لينعم بالأمن والسلام والاستقرار، ناهيك عن إعطاء الحريات لا للإنسان العربي فقط، بل ولفكره ومخيلته ليخرج من عزلة التاريخ ويتبع ركب الحضارة.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/30 الساعة 13:05