«المخابرات» الأردنية من جديد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/29 الساعة 10:50
* جهود خفية للمخابرات في الأردن لحل خيوط الأزمة الدبلوماسية بين عمان وتل أبيب
* رغم أن السنوات 2015 و2016 كانت الأصعب على المنظومة الأمنية في الأردن، عادت المخابرات الأردنية لتمسك بخيوط المشهد الأمني بشكل أقوى من ذي قبل
مدار الساعة - كتب: هاني الحمد يعيد الأردن، في كل أزمة تعصف بجواره وتتطاير شظاياها عليه زحفاً ديموغرافياً وخانقةً اقتصاديةً وتبعاتً سياسيةً، التشبث بثنائية الأمن والوحدة الوطنية، التي تحفظ له سلامته الداخلية، تماسكه المجتمعي ومنعة حدوده من شرر الإرهاب والتطرف ومهددات الأمن الوطني. وتستند هذه الاستراتيجية الأردنية، كما يصفها ساسة وأمنيون، إلى تقديم العامل الأمني على غيره في التصدي لمهددات لا يمكن التنبؤ بها ورصدها قبل الوقوع أو حتى إحباطها إلا بوجود منظومة أمنية تملك من المواصفات والميّزات والقدرات الخاصة، التي تتطلبها وبل تفرضها جغرافيا وديموغرافيا وظروف أقل ما يمكن وصفها بالاستثنائية. الميزة الأردنية هذه لم تنحصر في نتائجها داخل حدود المملكة، التي لا تكاد تنام حتى تصحو على أزمات الجوار، بل أكسبتها فوق ذلك مكانة عالمية لعبت خلالها أجهزتها الأمنية، بشهادة دولية محايدة، دوراً في تقديم الأردن بوصفه عامل استقرارٍ أمني في منطقة يبقى مهدد استقرارها الأبرز الأمن لا السياسة. ولطالما كان هاجس الغرب ودوله أمنياً، ولطالما كانت إفرازات أزمات الشرق الأوسط أمنية لا سياسية، ولطالما كانت هذه المنطقة إما مولّد أو حاضن لتيارات وتنظيمات استندت على تعثّر السياسية وأزمات الاقتصاد لتهدد الأمن بتطرفها وإرهابها، فقد كان الأردن بأجهزته الاستخبارية الأكثر يقظة والأبعد رؤيةً والأوضح استراتيجياً في تصديه ليس لما يهدد أمنه الوطني، بل وأمن المنطقة، عبر إحباط مخططات وعمليات تتجاوز البعد الوطني وبالاشتراك مع أجهزة أمنية إقليمية ودولية. هنا تحديداً نسجت المخابرات الأردنية صورتها التي وصفها أمنيون غربيون في كتب وشهادات بـ"الأسطورة"، وهو وصف لم تستحقه لولا إنجازات وأداء كانت هي الأقل في الإعلان عنه، فيما تتكفل لاحقاً بكشفه مصادر غربية إما صحفية ضالعة أو أمنية شريكة معها في التبادل الاستخباري والتخطيط الأمني الإقليمي والدولي. وتشكل المخططات التي أحبطتها المخابرات الأردنية أواخر العام الماضي، وكشف عنها الصحفي الأمريكي المقرب من دوائر الاستخبارات الأمريكية ديفيد أغناتيوس، الدليل الأحدث على التأثير المتجاوز للحدود الذي يخلفه أداء جهاز المخابرات الأردنية بالشراكة مع أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، وفي مقدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، حيث كشف أغناتيوس في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست مطلع شباط أن الجهاز الأمني الأردني ساهم في إحباط نحو 45 مخططا إرهابياً خارج الحدود الأردنية. ورغم أن السنوات 2015 و2016 كانت الأصعب على المنظومة الأمنية في الأردن، نتيجة تسرب جزء من مخططات داعش إلى داخل المملكة وعقول البعض وما أسفر عنه من خسائر ثقيلة، إلا أن المخابرات الأردنية عادت اليوم لتمسك بخيوط المشهد الأمني بشكل أقوى من ذي قبل، وهو ما تمثل في نجاحها بإفشال مخططات إرهابية كبرى كانت تستهدف مواطنين وأجانب ومنشئات اقتصادية وسياحية وإعلامية وأمنية وعسكرية، في توقيتات ارتبطت منها بمناسبات وأعياد. ويعلق أمنيون وساسة على أن العمل بصمت هو السمة الأبرز التي تحكم اليوم أداء جهاز المخابرات الأردنية، وهو ما مثّله عنصر المفاجأة شعبياً حينما أعلن الجهاز مطلع العام عن إحباطه عدة مخططات لخلايا ارهابية نشرت أسماء منتسبيها وبثت تفاصيل محاكماتهم في الصحافة والتلفزيون. ولأن السياسة والأمن في الأردن تجمعها متلازمة عجزت كل الظروف والاندفاعات لسياسيين عن فصلها، ورغم مطالبات يرى بعضهم فيها ليبرالية قد تجّر البلاد نحو تغول السياسة على الأمن وإبقاء الأخير تحت وصاية ساسة لا تحكمهم الرؤية بقدر ما تحكمهم الأجندة أو نظريات المدارس السياسية المتقلبة، فإن الأمن كمنظومة يبقى هو الأساس في مملكة، طالما كانت مؤرقاتها حروبٌ مجاورةُ وموجاتٌ إرهابيةٌ تجهد الأجهزة الاستخبارية الأردنية للتصدي لها. وتركّز هذه الحالة التي يفرضها فقه الواقع السياسي المحلي والإقليمي، مكانة وحجم وتأثير المؤسسة الأمنية في الأردن، حتى في قضايا سياسية لم يكن من الممكن تجاوزها إلا بتدخل العامل الأمني المخابراتي، بل وأزمات دبلوماسية يبقى الأخير فيها مسمار أمانٍ يقي من تفاقمها نحو الأسوأ. وهنا يهمس سياسيون ودبلوماسيون بالجهود الخفية التي بذلتها المخابرات الأردنية في الأردن بحل خيوط الأزمة الدبلوماسية بين عمان وتل أبيب على خلفية مقتل أردنيين في حادثة السفارة الإسرائيلية، بحيث لعبت، وفقاً لمطلعين، دوراً محورياً للوصول إلى ما يمكن أن تكون "صفقة دبلوماسية بنكهة أمنية" حفظت حق المملكة دبلوماسياً، وحق مواطنيها المتضررين، لاعتبارات كانت "الكرامة" للأردنيين شعباً ودولة هي الأساس. وتشكل هذه الصورة المؤثر الأساس في سلم التراتبية الشعبية لدى الأردنيين الذين يقدمون المؤسسة الأمنية والجيش على المؤسسات السياسية المرتبطة بالحكومات، لقناعتهم أن الأولى ثابتة في النهج والتوجه الذي يحظى بتأييد الأردنيون، في حين أن شعبية المؤسسات الأخرى تتذبذب بحكم برامجها سياستها وقراراتها التي تمس حياتهم ومستواهم المعيشي. وللأنصاف تسهم القيادات التي تتولى المؤسسة الأمنية في ترك الانطباع الأعمق عنها، بعيداً عن أضواء السلطة، وعلنية العمل والأداء، بل تتسم بالوقوف على مسافة حيادية من كل اللاعبين المحليين، وهو ما يتمثل حتى اليوم في النهج القائم والملاحظ أمنياً، ليس فصلاً للسياسي عن الأمني، وهو ما يرفضه واقع الحال الأردني، بل اكتفاءً بدور الرقيب والناصح والحافظ الخفي لخيط التوازن، في بلد لا يخدمها رجاحة كفّة على حساب أخرى.
مدار الساعة - كتب: هاني الحمد يعيد الأردن، في كل أزمة تعصف بجواره وتتطاير شظاياها عليه زحفاً ديموغرافياً وخانقةً اقتصاديةً وتبعاتً سياسيةً، التشبث بثنائية الأمن والوحدة الوطنية، التي تحفظ له سلامته الداخلية، تماسكه المجتمعي ومنعة حدوده من شرر الإرهاب والتطرف ومهددات الأمن الوطني. وتستند هذه الاستراتيجية الأردنية، كما يصفها ساسة وأمنيون، إلى تقديم العامل الأمني على غيره في التصدي لمهددات لا يمكن التنبؤ بها ورصدها قبل الوقوع أو حتى إحباطها إلا بوجود منظومة أمنية تملك من المواصفات والميّزات والقدرات الخاصة، التي تتطلبها وبل تفرضها جغرافيا وديموغرافيا وظروف أقل ما يمكن وصفها بالاستثنائية. الميزة الأردنية هذه لم تنحصر في نتائجها داخل حدود المملكة، التي لا تكاد تنام حتى تصحو على أزمات الجوار، بل أكسبتها فوق ذلك مكانة عالمية لعبت خلالها أجهزتها الأمنية، بشهادة دولية محايدة، دوراً في تقديم الأردن بوصفه عامل استقرارٍ أمني في منطقة يبقى مهدد استقرارها الأبرز الأمن لا السياسة. ولطالما كان هاجس الغرب ودوله أمنياً، ولطالما كانت إفرازات أزمات الشرق الأوسط أمنية لا سياسية، ولطالما كانت هذه المنطقة إما مولّد أو حاضن لتيارات وتنظيمات استندت على تعثّر السياسية وأزمات الاقتصاد لتهدد الأمن بتطرفها وإرهابها، فقد كان الأردن بأجهزته الاستخبارية الأكثر يقظة والأبعد رؤيةً والأوضح استراتيجياً في تصديه ليس لما يهدد أمنه الوطني، بل وأمن المنطقة، عبر إحباط مخططات وعمليات تتجاوز البعد الوطني وبالاشتراك مع أجهزة أمنية إقليمية ودولية. هنا تحديداً نسجت المخابرات الأردنية صورتها التي وصفها أمنيون غربيون في كتب وشهادات بـ"الأسطورة"، وهو وصف لم تستحقه لولا إنجازات وأداء كانت هي الأقل في الإعلان عنه، فيما تتكفل لاحقاً بكشفه مصادر غربية إما صحفية ضالعة أو أمنية شريكة معها في التبادل الاستخباري والتخطيط الأمني الإقليمي والدولي. وتشكل المخططات التي أحبطتها المخابرات الأردنية أواخر العام الماضي، وكشف عنها الصحفي الأمريكي المقرب من دوائر الاستخبارات الأمريكية ديفيد أغناتيوس، الدليل الأحدث على التأثير المتجاوز للحدود الذي يخلفه أداء جهاز المخابرات الأردنية بالشراكة مع أجهزة الاستخبارات العربية والغربية، وفي مقدمتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، حيث كشف أغناتيوس في مقال له في صحيفة الواشنطن بوست مطلع شباط أن الجهاز الأمني الأردني ساهم في إحباط نحو 45 مخططا إرهابياً خارج الحدود الأردنية. ورغم أن السنوات 2015 و2016 كانت الأصعب على المنظومة الأمنية في الأردن، نتيجة تسرب جزء من مخططات داعش إلى داخل المملكة وعقول البعض وما أسفر عنه من خسائر ثقيلة، إلا أن المخابرات الأردنية عادت اليوم لتمسك بخيوط المشهد الأمني بشكل أقوى من ذي قبل، وهو ما تمثل في نجاحها بإفشال مخططات إرهابية كبرى كانت تستهدف مواطنين وأجانب ومنشئات اقتصادية وسياحية وإعلامية وأمنية وعسكرية، في توقيتات ارتبطت منها بمناسبات وأعياد. ويعلق أمنيون وساسة على أن العمل بصمت هو السمة الأبرز التي تحكم اليوم أداء جهاز المخابرات الأردنية، وهو ما مثّله عنصر المفاجأة شعبياً حينما أعلن الجهاز مطلع العام عن إحباطه عدة مخططات لخلايا ارهابية نشرت أسماء منتسبيها وبثت تفاصيل محاكماتهم في الصحافة والتلفزيون. ولأن السياسة والأمن في الأردن تجمعها متلازمة عجزت كل الظروف والاندفاعات لسياسيين عن فصلها، ورغم مطالبات يرى بعضهم فيها ليبرالية قد تجّر البلاد نحو تغول السياسة على الأمن وإبقاء الأخير تحت وصاية ساسة لا تحكمهم الرؤية بقدر ما تحكمهم الأجندة أو نظريات المدارس السياسية المتقلبة، فإن الأمن كمنظومة يبقى هو الأساس في مملكة، طالما كانت مؤرقاتها حروبٌ مجاورةُ وموجاتٌ إرهابيةٌ تجهد الأجهزة الاستخبارية الأردنية للتصدي لها. وتركّز هذه الحالة التي يفرضها فقه الواقع السياسي المحلي والإقليمي، مكانة وحجم وتأثير المؤسسة الأمنية في الأردن، حتى في قضايا سياسية لم يكن من الممكن تجاوزها إلا بتدخل العامل الأمني المخابراتي، بل وأزمات دبلوماسية يبقى الأخير فيها مسمار أمانٍ يقي من تفاقمها نحو الأسوأ. وهنا يهمس سياسيون ودبلوماسيون بالجهود الخفية التي بذلتها المخابرات الأردنية في الأردن بحل خيوط الأزمة الدبلوماسية بين عمان وتل أبيب على خلفية مقتل أردنيين في حادثة السفارة الإسرائيلية، بحيث لعبت، وفقاً لمطلعين، دوراً محورياً للوصول إلى ما يمكن أن تكون "صفقة دبلوماسية بنكهة أمنية" حفظت حق المملكة دبلوماسياً، وحق مواطنيها المتضررين، لاعتبارات كانت "الكرامة" للأردنيين شعباً ودولة هي الأساس. وتشكل هذه الصورة المؤثر الأساس في سلم التراتبية الشعبية لدى الأردنيين الذين يقدمون المؤسسة الأمنية والجيش على المؤسسات السياسية المرتبطة بالحكومات، لقناعتهم أن الأولى ثابتة في النهج والتوجه الذي يحظى بتأييد الأردنيون، في حين أن شعبية المؤسسات الأخرى تتذبذب بحكم برامجها سياستها وقراراتها التي تمس حياتهم ومستواهم المعيشي. وللأنصاف تسهم القيادات التي تتولى المؤسسة الأمنية في ترك الانطباع الأعمق عنها، بعيداً عن أضواء السلطة، وعلنية العمل والأداء، بل تتسم بالوقوف على مسافة حيادية من كل اللاعبين المحليين، وهو ما يتمثل حتى اليوم في النهج القائم والملاحظ أمنياً، ليس فصلاً للسياسي عن الأمني، وهو ما يرفضه واقع الحال الأردني، بل اكتفاءً بدور الرقيب والناصح والحافظ الخفي لخيط التوازن، في بلد لا يخدمها رجاحة كفّة على حساب أخرى.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/29 الساعة 10:50