مبدعون في الضجيج!
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/25 الساعة 01:12
أول تحقيق صحفي لي في وكالة الأنباء الأردنية كان عن التلوث الصوتي في عمان، ويومها فقط عرفت أن وحدة قياس هذا التلوث هي الـ «ديسبل» وحسبما أذكر، فقد تبين لي بعد البحث والتقصي، أن الأردن «متقدم» جدا من حيث ترتيبه في قائمة الدول الأكثر تلوثا.
وبعد كل هذه السنين، فقد تقدمنا أكثر فأكثر في هذا المضمار، وتبين لي فعلا أننا نحتل المركز الـ 10 عالمياً (من بين 115 دولة)، والثاني عربياً (بعد مصر) ضمن أعلى المستويات العالمية للتلوث في مجال البيئة، وفقاً لموقع Nimbeo.com المتخصص، وحصل الأردن على 85.73 نقطة فيما حصلت مصر على 88.88 نقطة، وحصلت ليبيا على أفضل ترتيب بين الدول العربية (المركز 84 عالمياً بـ 45.30 نقطة)!!
ما دعاني لتذكر هذا الموضوع الذي يبدو نوعا من الترف، مكالمة هاتفية من مواطن، يمتلك دكانا في أحد أحياء عمان، وشكا لي من كثرة سيارات الباعة المتجولين وما يحدثونه من جلبة وضوضاء تُوتّر البني ادم وتحيل حياته لجحيم لا يطاق، مع أن القانون يلاحق مثل هؤلاء، إلا أنه حبر على ورق، كما جاء في تقرير صحفي طريف نشره الزميل محمد فضيلات في صحيفة «العربي الجديد» اللندنية، حيث يكشف الزميل العزيز أن «قانون البيئة الأردني يكفل للمواطنين حماية من التلوّث الضوضائي، المعرّف في القانون كتلوّث بيئي والمصنّف ثاني أكثر أشكال التلوّث انتشاراً في الأردن بعد تلوّث الهواء.
ويسعى القانون تحت بند العقوبة المالية والسجن بحقّ المخالفين، إلى ضمان بيئة خالية من الضوضاء. هو ينصّ على منع إطلاق أبواق المركبات والأجراس وأي جهاز منبّه، إلا في الحالات الطارئة. كذلك يمنع مكبّرات الصوت في حفلات الأعراس التي تُقام في المناطق المفتوحة، بالإضافة إلى منع إصدار الضوضاء في صالات الأفراح المغلقة» بل إن القانون «وحرصاً على حماية أشمل، يمنع القانون تشغيل أجهزة الراديو والتلفزيون بما يشكّل إزعاجاً للمواطنين، كذلك يمنع أعمال الإنشاءات التي تستخدم معدات مسببة للإزعاج ما بين الساعة الثامنة مساء والسادسة صباحاً، وهي الفترة الزمنية التي يمنع فيها أيضاً عمل المناطق الصناعيّة التي تضم تجمعات سكنية» لكن كل هذا «على الورق، يكفل القانون حماية صارمة للمواطنين من الضوضاء.
لكن الواقع عكس ذلك، وجولة في شوارع العاصمة عمّان تكفي لتصيبك بالصداع. السيارات تطلق أبواقها بشكل مجنون، خصوصاً في أوقات الازدحام وعند الإشارات الضوئية. أما محال التسجيلات، فتجبرك على الاستماع إلى الغناء الصاخب تارة وإلى المواعظ الدينية والآيات القرآنية تارة أخرى، في حين يتبارى الباعة في الأسواق في المناداة على بضائعهم. وحديثاً، أصبح هؤلاء يستخدمون المسجلات التي لا تتعب من النداء على الزبائن. وفي الشوارع السكنية، تداهمك أصوات مكبرات الصوت التي يشغّلها بائعو الخضار وشراة الخردة والأدوات المستعملة»!
أكثر من هذا، «ثمّة لجنة لمكافحة الضوضاء تتمثل فيها جميع الجهات ذات الصلة. وتضم إلى جانب ممثلي وزارة البيئة، ممثلين عن إدارة السير المركزية والإدارة الملكيّة لحماية البيئة وأمانة عمّان ووزارة البلديات.
وهذه اللجنة تنظّم جولات تفتيش، للتأكد من مدى الالتزام بالتعليمات التي تحدد مستوى الضوضاء بحسب طبيعة المنطقة. وتحدَّد مستويات الأصوات المسموح بها في المناطق السكنية في المدن، بـ 60 ديسيبل نهاراً و50 ليلاً. وفي المناطق السكنية في الضواحي، بـ 55 نهاراً و45 ليلاً، وفي المناطق السكنية في القرى بـ 50 نهاراً و40 ليلاً. أما في المناطق السكنية حيث تقوم ورش أو مصانع صغيرة أو أعمال تجارية وكذلك في المناطق التجارية، فهي تحدّد بـ 65 ديسيبل نهاراً و55 ليلاً، وفي المناطق الصناعية الثقيلة بـ 75 نهاراً و65 ليلاً. إلى ذلك، تأتي في أماكن التعليم والعبادة والمستشفيات 45 نهاراً و35 ليلاً» هذا هو المسموح به من ضوضاء، فما هو الواقع؟ الأرقام تقول إن التلوث الضوضائي بلغ في بعض المناطق أكثر من 80 ديسيبل!
أنا لا أريد هنا أن أنبه الحكومة لفتح باب أخر من أبواب الجباية، وتحرير المخالفات، ولكنها قضية تحتاج فعلا لعلاج، ولو بالحد الأدنى، ذلك أن التلوث الضوضائي يؤثر بشكل سيء جدا على المزاج العام ويجعله أكثر استعدادا للتصرف بعصبية، ولعل هذا هو أحد أسباب «كشرتنا» وتزايد جنوح مجتمعنا للعنف أكثر فأكثر!
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/25 الساعة 01:12