ارجوك لا تعتذر ..!!
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/30 الساعة 00:49
حين قرأت ما كتبه الصديق الدكتور جمال الشلبي عن “رداءة” البحوث والدراسات العلمية التي يقدمها طلبة الدراسات العليا، توقعت ان تحظى اعترافات الرجل بنقاشات جادة، أعرف –بالطبع-انه وضع يده في “عش الدبابير” لكن من قال ان المياه الراكدة لا تحتاج لمن يجرؤ على القاء حجر كبير لتحريكها، وهذا ما فعله بالضبط، وما أثار ايضاً حفيظة الذين صدمتهم الحقيقة، سواءً للدفاع عن حوزاتهم، او للتحريض ضد الشلبي لأسباب مفهومة.
لا يخطر في بالي ابدا ان ادافع عن الأكاديمي جمال الشلبي، فهو على درجة من الكفاءة والخبرة والمعرفة ناهيك عن “الغيرة” العلمية، مما يغنيني عن ذلك، لكن هذه المواصفات التي يمتلكها تجعل من شهادته – بالنسبة لي على الأقل-مصدر ثقة، كما انها يفترض ان تكون بالنسبة للمعنيين فرصة للإجابة عن أسئلة البحث العلمي التي لا تزال معلقة برسم التجاهل أحيانا والتواطؤ أحيانا أخرى.
قبل ان استطرد في محاولة الإجابة، لدي ملاحظتان: الأولى هي ان فزعة إسكات أي رأي ناقد بحجة الحفاظ على سمعة مؤسساتنا التعليمية او غيرها أصبحت”موضة” مكشوفة تماما، ليس فقط لان من يروج لمثل هذه الدعوات يخشى على مصالحة ومكاسبه وانما لان ثمة “مافيات” تريد ان يبقى ملف التعليم والبحث العلمي على ما هو عليه خوفاً من الإصلاح والتغيير الذي لا يؤمنون به اصلاً، اما الملاحظة الثانية فهي ان اسوار جامعاتنا –كما ذكرت في مناسبة سابقة- أصبحت عالية، لدرجة اننا لم نعد نخشى على الحريات الاكاديمية التي تراجعت، ولا على نصيبنا من البحث العلمي الذي لا يزال متواضعاً وانما أيضا على حرية الأساتذة والطلبة، في التعبير عن أنفسهم، لدرجة ان أي انتقاد للإدارات الجامعية يمكن ان ينهي المستقبل التعليمي لأي أستاذ او طالب.
سؤال “السرقات” العلمية الذي اثاره الدكتور الشلبي ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها البحث العلمي، فثمة اسئلة اخرى لا بد ان تثار، منها مثلا : هل لدينا استراتيجيات واضحة للبحث العلمي، وهل لدينا صناعة معلومات وحرية كافية ومؤسسات للتنسيق بين المراكز البحثية، من يمول البحث العلمي، وما هي نسبة المخصصات التي تنفق عليه وكما تعادل بالنسبة للناتج القومي الاجمالي، وهل تتوجه البحوث التي تقدم لخدمة المجتمع، او انها معزولة تماما عن قضاياه وهمومه، وماذا عن المشكلات الادارية والفساد المالي وتدني اجور الباحثين، وهجرة العقول الى الخارج..؟
ثم ماذا عن مشاركة القطاع الخاص في تمويل الانشطة العلمية.. وما علاقة استقلالية الجامعات بازمة البحث والتطوير؟
قبل اعوام وصف تقرير التنمية البشرية العربية البحث العلمي في العالم العربي بأنه (مفسد) لانه يعتني بالكم لا بالنوع، وبالتالي لا يستفاد منه في خدمة المجتمع وتنميته، كما ان عملية تقويمه من قبل المحكمين تتصف بالمزاجية والشخصية، دعك ايضا من نوعية الابحاث التي تقدم، ومن الجائر ان يطلق عليها اسم ابحاث لانها لا تتجاوز توثيق المعلومات وجمعها، ومن الطريف - كما يقول احد الاساتذة - ان بعضهم يقدمون ابحاثا باللغة الانجليزية وهم لا يعرفون ابسط قواعدها ومفرداتها، فيما لا يتورع اخرون عن سرقة ابحاث منشورة ما دام ان الهدف هو الترقية والترفيع.. كما ان النشر يمكن ان يكون مدفوعا ايضا.
لا ادري، بالطبع، كيف يمكن لاي استاذ ان يصل الى رتبة برفسور وهو لم يساهم في تقديم اي اضافة علمية حقيقية، او اي تغيير في مجتمعه، ولا افهم - ايضا - كيف نسهب في الحديث عن التطوير والتنمية والتحديث وصناعة الاستراتيجيات في معزل عن البحث العلمي الذي يشكل القاعدة الاساسية لصناعة المعلومات والافكار..
باختصار، مجتمعاتنا في ازمة، وعقولنا في مأزق كبير، وخططنا التنموية مجرد خطابات انشائية، وجامعاتنا تحولت الى مدارس كبيرة للتلقين والتوظيف، والسبب وراء ذلك هو غياب البحث العلمي الذي يعني غياب التفكير والابداع والغاء العقل عن العمل.. والاسترخاء في حمى الوظيفة الاكاديمية.. والعودة الى السلف لجمع ما ابدعوه والتعليق عليهم وتحقيق منجزهم، باعتبار ان ذلك قمة البحث العلمي.. وهو بحث في المقابر.. ولا ينشر - للاسف - الا في مجلات ان شئت مقابر لا يقرأها احد.
صحيح، اعتذر الدكتور الشلبي عن عدم الاشراف على اي رسالة يقدمها الطلبة لنيل درجة الماجستير او الدكتوارة، وهو محق في ذلك، على امل ان يكون اعتذاره بمثابة صرخة قوية توقظ ضمائرنا العلمية والاكاديمية ، لكن اسوأ ما سمعته من صدى لهذه الصرخة ( النوبة الفكرية كما سماها الشلبي ) هو مطالبة احدهم له بالاعتذار عما كتب .. ارجوك دكتور الشلبي لا تعتذر عما كتبت ..فقد اشرت الى الحقيقة المرة باصبعك.
الدستور
لا يخطر في بالي ابدا ان ادافع عن الأكاديمي جمال الشلبي، فهو على درجة من الكفاءة والخبرة والمعرفة ناهيك عن “الغيرة” العلمية، مما يغنيني عن ذلك، لكن هذه المواصفات التي يمتلكها تجعل من شهادته – بالنسبة لي على الأقل-مصدر ثقة، كما انها يفترض ان تكون بالنسبة للمعنيين فرصة للإجابة عن أسئلة البحث العلمي التي لا تزال معلقة برسم التجاهل أحيانا والتواطؤ أحيانا أخرى.
قبل ان استطرد في محاولة الإجابة، لدي ملاحظتان: الأولى هي ان فزعة إسكات أي رأي ناقد بحجة الحفاظ على سمعة مؤسساتنا التعليمية او غيرها أصبحت”موضة” مكشوفة تماما، ليس فقط لان من يروج لمثل هذه الدعوات يخشى على مصالحة ومكاسبه وانما لان ثمة “مافيات” تريد ان يبقى ملف التعليم والبحث العلمي على ما هو عليه خوفاً من الإصلاح والتغيير الذي لا يؤمنون به اصلاً، اما الملاحظة الثانية فهي ان اسوار جامعاتنا –كما ذكرت في مناسبة سابقة- أصبحت عالية، لدرجة اننا لم نعد نخشى على الحريات الاكاديمية التي تراجعت، ولا على نصيبنا من البحث العلمي الذي لا يزال متواضعاً وانما أيضا على حرية الأساتذة والطلبة، في التعبير عن أنفسهم، لدرجة ان أي انتقاد للإدارات الجامعية يمكن ان ينهي المستقبل التعليمي لأي أستاذ او طالب.
سؤال “السرقات” العلمية الذي اثاره الدكتور الشلبي ليس المشكلة الوحيدة التي يعاني منها البحث العلمي، فثمة اسئلة اخرى لا بد ان تثار، منها مثلا : هل لدينا استراتيجيات واضحة للبحث العلمي، وهل لدينا صناعة معلومات وحرية كافية ومؤسسات للتنسيق بين المراكز البحثية، من يمول البحث العلمي، وما هي نسبة المخصصات التي تنفق عليه وكما تعادل بالنسبة للناتج القومي الاجمالي، وهل تتوجه البحوث التي تقدم لخدمة المجتمع، او انها معزولة تماما عن قضاياه وهمومه، وماذا عن المشكلات الادارية والفساد المالي وتدني اجور الباحثين، وهجرة العقول الى الخارج..؟
ثم ماذا عن مشاركة القطاع الخاص في تمويل الانشطة العلمية.. وما علاقة استقلالية الجامعات بازمة البحث والتطوير؟
قبل اعوام وصف تقرير التنمية البشرية العربية البحث العلمي في العالم العربي بأنه (مفسد) لانه يعتني بالكم لا بالنوع، وبالتالي لا يستفاد منه في خدمة المجتمع وتنميته، كما ان عملية تقويمه من قبل المحكمين تتصف بالمزاجية والشخصية، دعك ايضا من نوعية الابحاث التي تقدم، ومن الجائر ان يطلق عليها اسم ابحاث لانها لا تتجاوز توثيق المعلومات وجمعها، ومن الطريف - كما يقول احد الاساتذة - ان بعضهم يقدمون ابحاثا باللغة الانجليزية وهم لا يعرفون ابسط قواعدها ومفرداتها، فيما لا يتورع اخرون عن سرقة ابحاث منشورة ما دام ان الهدف هو الترقية والترفيع.. كما ان النشر يمكن ان يكون مدفوعا ايضا.
لا ادري، بالطبع، كيف يمكن لاي استاذ ان يصل الى رتبة برفسور وهو لم يساهم في تقديم اي اضافة علمية حقيقية، او اي تغيير في مجتمعه، ولا افهم - ايضا - كيف نسهب في الحديث عن التطوير والتنمية والتحديث وصناعة الاستراتيجيات في معزل عن البحث العلمي الذي يشكل القاعدة الاساسية لصناعة المعلومات والافكار..
باختصار، مجتمعاتنا في ازمة، وعقولنا في مأزق كبير، وخططنا التنموية مجرد خطابات انشائية، وجامعاتنا تحولت الى مدارس كبيرة للتلقين والتوظيف، والسبب وراء ذلك هو غياب البحث العلمي الذي يعني غياب التفكير والابداع والغاء العقل عن العمل.. والاسترخاء في حمى الوظيفة الاكاديمية.. والعودة الى السلف لجمع ما ابدعوه والتعليق عليهم وتحقيق منجزهم، باعتبار ان ذلك قمة البحث العلمي.. وهو بحث في المقابر.. ولا ينشر - للاسف - الا في مجلات ان شئت مقابر لا يقرأها احد.
صحيح، اعتذر الدكتور الشلبي عن عدم الاشراف على اي رسالة يقدمها الطلبة لنيل درجة الماجستير او الدكتوارة، وهو محق في ذلك، على امل ان يكون اعتذاره بمثابة صرخة قوية توقظ ضمائرنا العلمية والاكاديمية ، لكن اسوأ ما سمعته من صدى لهذه الصرخة ( النوبة الفكرية كما سماها الشلبي ) هو مطالبة احدهم له بالاعتذار عما كتب .. ارجوك دكتور الشلبي لا تعتذر عما كتبت ..فقد اشرت الى الحقيقة المرة باصبعك.
الدستور
مدار الساعة ـ نشر في 2017/01/30 الساعة 00:49