الرشيد يكتب: الشأن السياسي والتوظيف السياسي
د. المهندس سامي الرشيد
تكتسب الدول مناعتها وقوتها وقدرتها على النهوض بمدى قدرة السياسي على اشباع احتياجات مواطنيه، حيث هذه مسألة تشمل بالضرورة كافة حقوق المواطنة، وبناء دولة المؤسسات وكفالة الحريات العامة وكفاية الخدمات، الصحية والتعليمية واستقلال الجامعات وحرية البحث العلمي والابداع الفني والثقافي.
المنظومة السياسية هي مسألة مؤسسات ودولة قانون، وكفاءة المنظومة أساس لكل حساب، والتزام كل مؤسسة بأدوارها الدستورية، وفصل بين السلطات لا تتعداها ولا تتغول على غيرها.
اذا توافرت الاشتراطات فاننا امام دولة حديثة، فرصها مفتوحة على المستقبل ،لها قواعد وقوانين لضبط التصرفات وسلامتها في العصور الحديثة يتم السؤال لماذا تأخرنا وتقدم غيرنا؟
السبب في ذلك ان روح العمل الجماعي موجود عند الآخرين، بينما يغيب ذلك العمل عندنا، أما الخبرات فانها تتراكم عند الآخرين وتتطور، بينما يغيب التراكم عندنا ،كأننا نقرأ كتاب التاريخ من جديد ولا نتعلم من التجارب السابقة.
غياب الجمهور رسالة سلبية على مستويات الاستقرار وتؤثر بالسلبية على حركة الاقتصاد وجذب السياحة.
هناك فارق بين التنفيس والتنفس ،فالاول فعل الهاء ،والثاني ضرورة حياة.
القواعد مسألة التحاق بالعصر وضوابط لا تحجب الحريات ولا تمنع حرية ابداء الرأي بلا قواعد حديثة .
لكن تعددت الرؤى حول أسباب الاحداث التي مرت بها المنطقة العربية ولا زالت تمر ،وهي أحداث فاقت في بشاعتها وعدم منطقيتها كل المفاهيم المنطقية والرؤى العقلانية.
لا يتوقف العنف في مفهومه الجدلي،بل يجعله سديما يسكنه الموت والقتل والخراب، ويتعدى كذلك ليشمل العنف السياسي واخضاع الغاية اللاعقلانية، على الاختيار والفعل من خلال الدوائر العالمية الفكرية، وبخاصة المتخصصة في الدراسات السيكولوجية المتعلقة بتفكيك ونقد استشرافات والاستشراقات الايدولوجية وزوابعها الفوضوية في تحولات الارتداد السلبي الى الذات الواهية في تجذير العقل والواقع العام للشعوب ،بما يسهل لهذه الدول اضعاف الدول العربية بفعل القوى ذات الاطماع التى تخفى على الجميع، وقد اسهمت هذه العوامل في تأجيج الاوضاع الداخلية، منها ما يتعلق بالتشنجات الاجتماعية والانقسامات العرقية الطائفية، كما يحدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.
الدول الكبرى تحاول ان تستفز كافة القوى المعادية للعرب للابقاء على الاوضاع الراهنة التي يعيشها العالم العربي اليوم .
يكفينا ان نتأمل في السياسة الامريكية والروسية تجاه المنطقة لندرك ذلك جيدا ،خاصة بعد تحليل المبادئ الأساسية التي استندت اليها الاستراتيجيات السياسية تجاه هذه الدول .فاول تلك المبادئ تأمين بقاء دول العالم العربي حليفة لها ،ولا عجب في ذلك فالعالم العربي يشكل نقطة التقاء بين قارات العالم الثلاث ( اوروبا وآسيا وافريقيا ) وهو الممر البري والبحري والجوي بين اوروبا الغربية والدول الآسيوية المتحالفة مع الغرب ،وهو محاذ للجناح الجنوبي للحلف الأطلسي ،ويوجد أيضا في العالم العربي مضيق هرمز والبحران المتوسط والاحمر ،والخطوط البحرية الى اليابان ،أضف الى ذلك ما تتمتع به منطقة الخليج العربي مزايا استراتيجية واقتصادية بما تحويه من بترول ونصيبها من احتياطي البترول العالمي.
لا ريب ان الدول الكبرى ذات المصالح الخاصة ،لن ترتاح البتة في التعامل بحسن نية ،ولكن بالعمل على تغذية الروح الطائفية وتفجير الصراعات بحيث تؤدي هذه الصراعات الى التشرذم والتناقض العدائي الذي يشكل جدلية الحياة ،ويسهم في الاندثار الضميري لوحدة الامة ويقضي الى زوال الحس الجماعي وتناثر الجماعات والعشائر الى طوائف ،وتمزيقهم عرقيا،وتفتيتهم طائفيا على كافة المستويات الطبيعية المحضة بعوامل التجزئة وبنسق من الآراء والتصورات والافكار السياسية التي تجرد الانسان من حماسته في الحياه وان تصبح حياته مرادفه للعبثية والضياع .
فلو نظرنا الى سوريا لنجد ان خسائر القطاع النفطي السوري نتيجة الاحداث منذ عام 2011م بلغ أكثر من 62بليون دولار وفق بيانات وزارة النفط في دمشق ،ولتعويض هذه الخسائر بعيدا عن اقتسام مناطق النفوذ اقليميا ودوليا ،يحاول السوريون تنفيذ مشروع نقل النفط والغاز من العراق عبر الاراضي السورية الى موانئ التصدير في البحر المتوسط .
وتتوقع سوريا ان ير تفع انتاج النفط والغاز بها بنسب عالية نتيجة الاكتشافات الجديدة في البحر المتوسط ،والتي يتنافس الامريكان والروس عليها،لكننا امام مشهد اكبر بكثير من الصراع الدولي على مصادر الطاقة ،واالسيطرة على طرق مساراتها من المنابع للاسواق ،وانما تصفية حسابات تاريخية ،لتدمير البلدان وتشريد الشعوب وجعل الدول فاشلة ومشلولة واعادتها للعصر الحجري ،وتحطيم آثارها واهانة ثقافة أمة لها طبقات عصورية من الحضارات والقائمة تطول .
أما في الفترة الاخيرة فقد تميز 3 زعماء من خلال عملهم على تعزيز سلطتهم الداخلية ودورهم الدولي هم :
فلاديمير بوتن، شي جين بينغ ، رجب طيب أردوغان.
هؤلاء الثلاثة يبدو انهم الاقوياء في العالم.
حاليا حيث يسعون بقوة الى الدفع بأجنداتهم الداخلية والخارجية على حد سواء ،فجميعهم لديهم السن نفسها،تقريبا 65عاما وثلاثتهم يوجدون على رأس امبراطوريات قديمة لعبت ادوارا تايخيةكبيرة، ويعتبرون ان بلدانهم أذلت واضعفت على ايدي الغرب وأن ساعة الانتقام قد دنت.
بوتن الذي يوجد في السلطة على راس روسيا منذ عام 2000م وأعيد انتخابه بحصوله على 76%من الأصوات وهي نتيبجة لافتة بالنسبة لشخص يوجد في السلطة منذ فترة طويلة .
أردوغان رئيس وزراء تركيا من2003-2014م ثم رئيس للجمهورية حتى الآن،وقد أعلن حالة الطوارئ عقب محاولة انقلاب في تموز 2016، وقام مؤخرا بطرد الاكراد السوريين من معقلهم في عفرين عقب انتصار عسكري ،سمح به الامريكيون والروس والحكومة السورية (ظاهريا ).
أما شي جين بينغ فقام بتعديل الدستور الصيني حتى يبقى في السلطة مدى الحياة ،بعدما كان ينص على ولايتين رئاسيتين فقط،لحد أقصى كل واحدة منهما تدوم خمس سنوات .
الثلاثة يعارضون نظاما دوليا يديره الغرب ،فبالنسبة لبوتن فان الغرب أراد اضعاف روسيا واذلالها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بدلا من السعي الى انشاء نظام دولي جديد .
أما الصينيون فيعتبرون ان اذلالهم من قبل الغرب قد بدأ في القرن التاسع عشر ،في البداية كانوا يشكلون القوة العالمية الاولى ،غير ان التدخلات الخارجية ادت الى اخضاعهم للنفوذ الغربي وخاض البريطانيون حربين ضدهم .
وفضلا عن اختفاء الامبراطورية العثمانية عقب الحرب العالمية الاولى ،فان الاتراك مستاؤون من الاتحاد الاوروبي لانه تجاهل طلب انضمامه اليهم،ومن الولايات المتحدة لانها لا تبدي ما يكفي من التضامن عقب محاولة الانقلاب التي وقعت في صيف 2016م(ان لم تكن الاستخبارات الامريكية لها يد بذلك ).رغم ان تركيا عضو في حلف الناتو .
لذلك قامت تركيا بالتقارب مع روسيا بسبب ذلك.
هذه الدول الثلاثة تعمل بقوة على ىتشكيل جبهة موحدة للوقوف ضد غطرسة واشنطن.
أما نحن في عالمنا العربي فلا بد من انشاء قوة موحدة يشار لها بالبنان وتبتعد عن القوى العظمى وتعمل معهم بالتساوي والاحترام المتبادل ،وتعمل لها كيانا قويا ومستقلا .
المتغيرات الكبرى المليئة بالاحداث المؤلمة والفقر والمرض ،والحروب معضلة حقيقية باتت شديدة الازعاج، تمثل تحديا هائلا من تحديات العصر الملقاة على البشرية جمعاء، مما يجعل العالم بحاجة الى افكار العقلاء والمصلحين لينيروا قناديل الحكمة وآليات ثقافة التسامح في مسيرة الزمان.
dr.sami.alrashid@gmail.com