في حضرة غريسا.. مع محمود الزيودي
كتب : محمد عبدالكريم الزيود
يأخذ بيدي ويده الأخرى يتوكأ على عصاه، محمود عليوي الزيودي هكذا عرفناه منذ الصغر، كنا ننتشي فخرا كلما شاهدناه على شاشة التلفزيون وفي الأدوار البدوية وفي أدوار أبناء القرية ، أخذ بيدي وهو يؤشر على حجارة إحدى بيوت غريسا القديمة ، ويقول لي : كيف تم بناء هذه الحجارة ورفعها يا محمد رغم حجمها الكبير ، قاطعتنا صبية ترغب بالصورة معه ، تبسم لها وقال : تؤمري ..
محمود الزيودي الذي تجاوز السبعين لم يغادر قريته غريسا وظل متشبثا بأرضه ومزرعته هنا ، مثلما ظل وفيّا لهويته الأردنية ، مهتما بالتراث البدوي وبالفلكور وباحثا في الأدب الشعبي المحلي والعربي ، يقود سيارته يوميا ذاهبا إلى الإذاعة الأردنية لتسجيل حلقة جديدة من برنامجه اليومي "حكايا أردنية".
لمحتُ اليوم في عينيه دمعة عندما قال أمام إحتفالية لمبادرة مجموعة من الشباب لإعادة ترميم قرية غريسا القديمة الأثرية ، قال أتمنى أنتم الجيل الجديد أن تنجحوا بما فشلت به أنا أمام تعنت الجهات الرسمية بالتعاون والإستجابة لإعادة إحياء قرية غريسا.
لم تفشل يا كاتبنا المبدع ، لكن ثمة من هناك من يهاجمون الإبداع ، وثمة من هناك من يهاجمون الهوية الأردنية وطمسها وجعلنا شعبا بلا تاريخ ، ثمة من يقلقه أن لك جذور تصل إلى آلآف السنين ولست طارئا مثله.
مشيت معه للسيارة وهو يقول لي عندما صوّرت مسلسل "قرية بلا سقوف" في بداية الثمانينات ، وكيف أخذ أبناء الزيود سقوف البيوت من شجر الحور وبنوا بيوتهم في غريسا الجديدة ، أتيت بالمرحوم محمد الفنخور المعلا وأقمنا له هنا بيدرا على بقايا بيادر غريسا وصورته وهو يذري.
محمود الزيودي الذي يفتخر أنه لم يكمل الرابع الإبتدائي ، كتب جزءا مهما من سيرة الوطن ، من خلال أعماله الدرامية والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية والمسرحية ، ووثق من خلالها أيضا التحولات الإجتماعية للمجتمع الأردني مع نهاية السبعينات والثمانينات.
محمود الزيودي قصة نجاح أردنية يستحق منا التكريم والتبجيل ، لأن من مثله من الأوفياء ، قد غادرونا ، وما زالت ذاكرته عامرة بالتفاصيل والذكريات وبالأمل بالوطن ومبدعيه ..
أغلقتُ باب سيارته وسلمتُ عليه ،وقال لي مودعا : خلينا على تواصل يا دكتور .