الخطاطبة تكتب: إختراق السلطة التنفيذية
ماذا تعني "الإختراقات في السلطة التنفيذية" التي أبدى رئيس الوزراء هاني الملقي انزعاجه منها خلال كلمته أمام جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة تداعيات قضية استثمار أموال الضمان الاجتماعي؟، فهل يمكن أن تكون إشارة الى الكتب الرسمية التي تم تسريبها الى وسائل الإعلام مؤخرا وتتضمن فتويين متناقضتين حيال أحقية مجلس استثمار أموال الضمان بالقرار الاستثماري.
أعتقد ان "الاختراقات" التي قصدها الرئيس هي مرادف للوثائق المسربة التي بدأت تظهر بكثرة منذ ترأسه الحكومة وتكاد تكون بوتيرة أكبر مما كان يحصل في حكومات أخرى، كما أن مثل هذه الوثائق الرسمية لا يمكن أن يكون تسريبها عفويا ولكنها تمثل جزءا من الصراع بين أركان السلطة التنفيذية من درجة موظف بسيط وحتى الوزير.
الملقي أبدى غضبه أكثر من مرة داخل أروقة الحكومة من الوثائق والكتب الرسمية المسربة والتي أدت الى إثارة الرأي العام ضد الحكومة وسياساتها أكثر من مرة، بل ان بعضها أوقع الحكومة في أزمة احتاجت الى وقت وجهد كبيرين للخروج منها، كما يحدث حاليا في قضية أموال الضمان الاجتماعي.
كتب رسمية مسربة زرعت الغاما في طريق حكومة الملقي منذ تشكيلها، فمنها على سبيل المثال وليس حصرا، تسريب كتاب تعيين نجله فوزي مديرا للخدمات في مطار الملكة علياء وما رافقه من جدل حول قيمة راتبه، وكتاب فقدان اعداد كبيرة من الغزلان في محمية دبين، وكتاب السماح لرؤساء بلديات بشراء سيارات مرسيدس، وكتاب موجه من رئيس الوزراء لوزير الزراعة بتعيين موظفين في وزارة الزراعة على الفئة الثالثة استجابة لطلب نائب في البرلمان، وكتاب أخر أثار ضجة بعد ان تحدث عن ترخيص هيئة تنظيم قطاع النقل البري لشركة "كريم"، وغيرها من الوثائق.
هذه الحالة من "اختراقات في السلطة التنفيذية" لم تستطع الحكومة وأجهزتها ضبطها بل أنها تتسع يوميا لأسباب كثيرة منها سهولة تصوير الوثائق بسبب توفر التقنية بين أيدي المواطنين، وعدم رضاهم عن السياسات الجبائية للحكومة، وعدم ثقة المواطنين بالحكومة ورغبتهم بكشف اي مظهر من مظاهر الفساد وأسباب ودوافع أخرى بريئة ينطلق منها موظف بسيط أو مواطن لنشر الوثيقة.
ليس مهما تلك النوعية من الأشخاص الذين ينطلقون من أسبابهم الخاصة التي ذكرنها سابقا لتسريب الوثيقة، لكن المهم في هذه "الاختراقات" التي يقصدها الرئيس وسببت لهم ازعاجا وما زالت، تلك التي ينطلق مسربوها من قاعدة تصفية الحسابات بين بعض الشخوص ذاتهم في السلطة التنفيذية بسبب تضرر مصالحهم، أو رغبتهم أحيانا بالانتقام من المفاصل الرئيسية بالحكومة في حال صدور اي قرار يمس بهم أو يمكن أن ينعكس سلبا عليهم، وهذا نوع من تسريب الوثائق الذي يجسد عبارة "كلمة حق يراد بها باطل".
ورغم إختلاف الدوافع في تسريب الوثائق، الا أن ذلك وبشكل عام يصب في مصلحة المواطن كونه يكشف جوانب أريد لها أن تبقى طي الكتمان، فمثلا لو لم يتم تسريب فتويي أموال الضمان، لن يدرك أحد ماذا حصل وكيف حصل مثل هذا التناقض الذي لم تستطع الحكومة بأجهزتها كافة حتى الأن تبريره وكل ما ساقته لا يفسر التناقض في الفتويين اللتين صدرتها خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، الى جانب ان الردود الحكومية فيما يخص قضية الضمان لم تحترم عقل المواطن فما بالك بخبراء القانون.
"الاختراقات" برأيي مستمرة وممكن أن ترتفع وتيرتها لإنه من الواضح تماما عدم انسجام الفريق الحكومي وتفرد كل شخص بملفات معينة ووجود خصوم كثر للحكومة وقراراتها من داخل السلطة التنفيذية، إضافة الى ضعف الثقة الشعبية بالحكومات عموما ما يسهل ترويج أي فكرة لدى المواطنين ضد سياساتها ونواياها المستقبلية.