المشاقبة يكتب: رؤية تحليلية أولية للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب
أ.د.امين المشاقبة
بدأت تتضح معالم السياسة الخارجية في عهد الرئيس ترامب على الملأ، انطلاقاً من مبادئ تستند إلى الأمن القومي الأمريكي، والمصالح الاستراتيجية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، واستناداً إلى مبدأ استخدام القوة المفرطة لتحقيق تلك الأهداف، وعطفاً على هذه التوجهات فإن بريطانيا تحذر من الاتحاد الروسي وتقاربه من الولايات المتحدة، والموقف الفرنسي أعلن صراحة أن هذه السياسات خطر داهم على الاتحاد الأوروبي، إذ أن رؤية ترامب للاتحاد غير مطمئنة تجاه هذا الاتحاد. أما فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، فمحاربة الإرهاب (داعش والقاعدة) وأي تنظيم إسلامي مسلح وربما تتجه الأمور نحو اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وبالتالي فإن الهدف الرئيس هو إنهاء هذه التنظيمات بصورة مطلقة، وقد أعلنت الإدارة الجديدة وضع خطة استراتيجية خلال 90 يوماً لموضوع المناطق الآمنة في سوريا تحديدها وبيان آلية التطبيق ومن يشارك بها، هنالك موقف تركي ثابت من ضرورة وجود مناطق آمنة على الحدود الشمالية لسوريا والمعلن هو أنها ذات طابع إنساني للنازحين والهاربين من أتون الحرب، ومنع تدفق اللاجئين نحو أوروبا، وهناك مبدئياً موقف مناهض لموضوع المناطق الآمنة في سوريا من قبل الاتحاد الروسي الذي حذر من مخاطره وهناك اتصالات تجري في هذا الموضوع وتشير تسريبات صحفية أن هناك خطة متفق عليها بين القوى الدولية وبعض الإقليمية على وجود اتفاق لتحديد أربعة (4) مناطق آمنة، منطقتين في الشمال السوري والجنوب الغربي تحت الإدارة الأمريكية، والساحل الغربي بإشراف روسي والرابعة في الشمال الغربي تديرها تركيا. من المستفيد والمتضرر من هذه الخطة، أمريكا ستكون مشرفة على منطقة الشمال وبالذات المناطق الكردية، والمنطقة الثانية لحماية أمن إسرائيل في منطقة الجولان، إذن ستدفع باتجاه استقلال ذاتي للأكراد، وتحمي مصالح إسرائيل الاستراتيجية من الجانب السوري وسيؤدي ذلك ترحيل المنظمات الإيرانية وحزب الله من سوريا نهائياً، وبالتالي تضع لها موطئ قدم إلى جانب الاتحاد الروسي على الأرض، الاتحاد الروسي استفاد توسيع قواعده البحرية، والجوية على البحر الأبيض المتوسط، والحفاظ مبدئياً على بقاء الأسد في السلطة وذلك مرحلياً.
أما تركيا فلديها استفادة من جانب واحد في الشمال الغربي لمنع تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها وربما تقع في معارضة للدور الأمريكي في تقوية الأكراد في سوريا إلا إذا كان هناك اتفاق سري على ذلك. إن الخاسر الأكبر هو الدولة والشعب السوري، وتلتقي هذه مع الدستور الاتحادي الفيدرالي لمستقبل شكل الحكم في سوريا، وإلغاء كل ما هو عربي، أو إسلامي في بنود الدستور حفظاً لمبدأ التعددية السياسية وحماية حقوق الأقليات، وبالتالي فإن التقسيم قادم وربما يكون هذا الدستور مشابه تماماً لدستور بريمر في العراق، إذ ستبدأ الخلافات بين القوى والمكونات في الاتحاد الفيدرالي المطروح والتنظيمات العسكرية والسياسية، إذ أن هناك ما يزيد عن 93 تنظيم تشكل قوى المعارضة، وتبقى إلى ما لا نهاية والشاهد على هذا السيناريو الحالة العراقية اليوم بعد أربعة عشر عاماً من الاحتلال والدستور الفيدرالي النافذ.
هذا وتركت الحدود الأردنية السورية خارج إطار المناطق الآمنة المحمية من تلك القوى وهذا فيه ضرر واضح وجلي على الأمن الوطني الأردني، ويزيد من العبء لحماية ما يزيد عن 374 كم، وإذا تم الضغط على داعش والتنظيمات الأخرى فأين سيكون اتجاهها؟ اتجاهين لا ثالث لهما الحدود الأردنية والحدود العراقية وحدودنا مع العراق تصل 182 كم، فالسؤال لماذا تركت الحدود الأردنية من دون وجود منطقة حظر طيران آمنة؟ هذا أحد السيناريوهات المتوقعة في حالة تطور هذا المخطط.
وعوداً إلى مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة هو استعادة العراق وإخراج أو تقليص النفوذ الإيراني في بنية الدولة، وما يدعي الحشد الشعبي، وسيتم إعادة النظر ببعض بنود الاتفاق النووي دون إلغائه، وبالتالي ستبدأ مرحلة جديدة من سياسة الاحتواء لإيران وتقليص نفوذها في المنطقة خدمة للمصالح الوطنية الأمريكية، وخصوصاً فيما يتعلق بالنفط وحماية الأنظمة السياسية المعتدلة، حيث تتواجد خمس قواعد عسكرية أمريكية بالمنطقة (الخليج العربي) ناهيك عن القطع البحرية المتمركزة في المنطقة، أما إسرائيل فقد استعادت أنفاسها مرحلياً وألغت مفهوم حل الدولتين، ونقل السفارة للقدس وأمنها واستقرارها جزء أصيل من سياسة الولايات المتحدة تاريخياً، وعليه أين العرب من ذلك؟ وكيف سيتعاملون مع المخططات الجديدة والإدارة التي تعرف ما تريد وتستطيع أن تفعل ما تشاء في المنطقة؟
وبكل الأحوال، إن جميع هذه المخططات وغيرها خدمة مجانية لدولة إسرائيل لتنفيذ توسعها على الأرض بأكثر من اتجاه.
الدستور