ضرب ما ضرب، ورفع العتب!
-1-
أكثر ما يضحكني في مشهد العدوان الثلاثي الاستعراضي على سوريا، تلك الخطب العصماء التي بدأ ناشطون يبثونها عبر منصات التواصل الاجتماعي وموجهة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهي في مجملها تطالبه أن يكون «عادلا» في تعامله مع الشعب السوري، والشعب الفلسطيني، وأن يتعامل مع القضيتين بروح «مجاهد» مسلم نذر روحه للجنة وحورها العين!
هؤلاء أولا كمن يرقص في العتمة، حتى لو بلغت مشاهدات فيديوهاتهم عنان السماء، أو أحاطت «اللايكات» الخاصة بما يكتبونه الكرة الأرضية، فترامب يعلن صباح مساء أنه يكره المسلمين، بل ذهبت به الكراهية حدا كوميديًّا أسود، حينما سئل لم يحمل كل هذه المشاعر العدائية لهم، فقال بانفعال: لأنهم صلبوا المسيح!
أشعر أن وسائل التواصل، وما يكتب فيها، غدت منصات للهبل والدجل، وتنفيس المشاعر لا أكثر، فالفعل والسياسات وتغيير العالم، في مكان آخر، وما يحكم التغيير لا القيم والأخلاق بل المصالح حتى الضيقة والشخصية منها، وكل ما يبث لمناشدة الظلمة والمستبدين والقتلة، للتحلي بالأخلاق الحميدة، هو ضرب من الحمق والصدق البريء، الخالي من كل حكمة!
-2-
مشهد آخر مضحك حد البكاء، ذلك النقاش العبثي بين من يؤيد من العرب ومن يعارض العدوان الثلاثي الغربي، خاصة حين تبلغ حدة النقاش حدا يقترب من التضارب بالأيدي والتناطح (ولو افتراضيا!) والتعبير عن هذا بعبارات التخوين والشتم واللطم.
كم هو بائس هذا الشعور، وأنت ترى من لا حول لهم، يتقاذفون التهم واللكم اللفظي، وهم أنفسهم مادة الحديث، وعلى أجسادهم تدور المعركة، فكأني بهم هم من عناهم المثل الحاد القائل: في جهنم ويتقاتلون، أو ضع مكان كلمة «يتقاتلون» ما تشاء من عبارات تعبر عن واقع الحال، والنص الأصلي للمثل!
كأن ثمة حوار طرشان أو حتى حمقى، فهو جدل بلا طائل، حتى ولو كان التعبير يصدر عن مشاعر وطنية حقيقية من كلا الطرفين، فهذه دمشق، عاصمة العواصم، وحاضرة الدنيا، ولكنها أيضا مستباحة للغرباء، وكلا الطرفين محق في أن ينفعل، ويرغي ويزبد، فنحن في ذلك الزمن الذي حدثنا به رسولنا الكريم محمد عليه صلوات الله وسلامه، زمن مليء بفتن كقطع الليل المظلم يصبح الحليم فيها حيرانا!
لا أظن أن هناك عربيا يكره الشام، ولكن قد يكره حاكمها، وهنا حينما لا نفرق بين البلد ومن يحكمه، تضيع الطاسة، ويشتد النقاش، بلا طائل..
الأهم من كل هذا، من يعتقد أن العدوان جاء انتصارا لأطفال الشام ونسائها ورجالها، وانتقاما من القاتل، وتلك قصة أخرى، يطول شرحها، ويعلمها كل من يفك الحرف، ويقرأ ولو سطورا عما يجري حولنا، فما بالك إن كان ممن يقرأ ما بين السطور؟
جماع الأمر هنا، أن صاحب التغريدات الشهيرة، الذي يدير البيت الأبيض والعالم كله، وهو على فراشه عبر موقع «تويتر» ضرب وما ضرب، بل ضرب رفعا للعتب، لا أكثر، وإلا كيف تكون نتيجة عدوان ثلاث من الدول العظمى جرح ثلاثة مدنيين، لا أكثر؟ إن حادث سير على الطريق الصحراوي، أو «طوشة» على بسطة في وسط البلد، ستكون نتائجه أشد دراماتيكية من هذا العدوان الاستعراضي!
........
داخل النص:
يروى أن الشاعر عمر أبي ريشة حينما قدم أوراق اعتماده سفيرا لسوريا في الولايات المتحدة عام 1961 للرئيس الأمريكي جون كيندي، طلب منه الرئيس أن يحدثه عن السوريين، فقال له أبو ريشة: سيادة الرئيس، جدنا السوري يسوع المسيح، هو ربكم سيدي!
الدستور