الزغيلات يكتب: الكرك منبت الشهادة والبطولة
أحمد الزغيلات القرالة
لقد كرم الله عز وجل بلاد الشام وبيت المقدس في مستهل سورة الإسراء بقوله "سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى"، مثلما كرم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بلاد الشام بالدعاء لها: "اللهم بارك لنا في شامنا"، كما ذكّر الرسول الكريم أصاحبه رضوان الله عليه بجنان الأردن والبلقاء في مستهل الدعوة الإسلامية.
وشاءت إرادة الله أن تكون الأردن فاتحة لمعارك الفتوحات الإسلامية لبلاد الشام، حيث شهدت بلدة مؤتة في محافظة الكرك معركة مؤتة أول منازلة حقيقة بين الجيش الإسلامي وجيوش الروم، واحتفظت بلدة المزار في محافظة الكرك بمراقد صحابة رسول الله من شهداء معركة مؤتة وفي مقدمتهم جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة، مثلما شهدت مناطق مختلفة في الأردن ومنها محافظات الكرك والطفيلة ومعان والبلقاء أولى المعارك الإسلامية ضد الروم حيث تم تحرير هذا الديار بقيادة الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح وتم في ختامها تحرير مدينة القدس ودخول الحكم الإسلامي إليها حين وفد خليفة رسول الله سيدنا عمر بن الخطاب الى مدينة القدس لاستلام مفاتيحها وضمها تحت راية الإسلام.
وقد كان للكرك عبر الزمان الطويل دورًا تاريخيًا في احتضان الدولة الأيوبية بقيادة المجاهد صلاح الدين الأيوبي الذي أقام دولة مقرها قلعة الكرك وامتد نفوذها الى أواسط الجزيرة العربية جنوبًا والى الحدود المصرية غربًا والى أواسط أسيا الصغرى شمالًا.
التاريخ؛ عبق الماضي، ودرس الحاضر، ورؤية المستقبل، اقرأ فيه وصية الملك الأيوبي لابنه: "وإذا خيرت بين الكرك وبين أي مدينة كانت فأعطهم ما شئت وأحتفظ بالكرك؛ لأن الكرك ظهر مصر، ومن لا تكون الكرك ظهره فلا ظهر له".
من كان يقصد هذا الملك؟ يا ترى هل كان يقصد شيخ الكرك ابراهيم الضمور، ويشتم رائحة الدماء والأجساد المحترقة لولديه (علي والسيد)، دفاعًا عن دخيل الكرك قاسم الأحمد، أم كان يرى إسماعيل الشوفي ودرويش الجعافرة والشيخ ابراهيم حميدان القرالة الذي اعتقلته حامية الكرك وارسلته الى الشام حيث تم اعدامه مع 25 من احرار العرب في ساحة الشهداء في دمشق عام 1910م (الشهيد ابراهيم هو جد والد كاتب هذه السطور) كما تم اعتقال خليل بن حميدان القرالة شقيق ابراهيم وتم اعدامه في قلعة الكرك في اعقاب المجزرة التي نفذتها قوات الدرك التابعة للسفاح جمال باشا في بلدة العراق والتي اسفرت عن قتل 99 شخصاً من ذكور قرية العراق من ابناء عشائر المواجدة و الحطيبات و الموانيس و غيرهم اضافة الى اعدام احد وجهاء عشيرة البطوش المجاورة لبلدة العراق آخر من عشيرة الحباشنة انتقاماً لمقتل ثلاثة من افراد الدرك في القرية المذكورة عام 1910م في حين تم اعتقال كل من الشيخ قدر المجالي و الشيخ صحن المجالي و العشرات من ابناء عشائر الكرك الذين امضوا فترات طويلة في السجون و توفي بعضهم داخل السجن.
وبعد شهداء الهية نستذكر زغاريد الكركيات لشهداء القلعة على وقع ( يا جمال باشا ما نطيع. ولا نعد أرجالنا.....(احد اقطاب جمعية الاتحاد و الترقي التي انهت الخلافة الاسلامية بقيادة المدعو كمال اتاتورك احد عملاء يهود الدولما).
ونستذكر بالفخر احتضان ابناء الكرك للمجاهد سلطان باشا الأطرش ضد الاحتلال الفرنسي في بيت ابن منيزل القطاونة هاربًا من الاستبداد والاستعمار الفرنسي، ولاجئًا لأحضان الكرك، أم كان يسمع صوت الكركيين لسائد المعايطة ومعاذ الكساسبة البريشي وضامن حسن القرالة و مسلم المطارنة وعبدالسلام سالم القرالة و غيرهم من العشرات من ابناء عشائر الكرك و الاردن الكرام نحن فداء الوطن.
السلام على شهداء الكرك منذ الهية التي قامت ضد الاستبداد الذي مارسه جمال باشا في ولاية الشام، وكأن الكرك ترفض إلا شهادة جماعية، فخلقها الوعر لا يرضى بالفردية؛ بل هي حالة وقيمة جماعية تأبى إلا أن تكون لها عنوانا وبابا ورواية.
ونستذكر من شهداء الكرك المرحوم الشهيد هزاع المجالي الذي قضى مدافعا عن كرامة الاردن و شعبه كما نستذكر رفيق دربه الشهيد وصفي التل الذي قضى هو الاخر مدافعا عن كرامة الاردن وشعبه.
كما نحيي السلط التي احتضنت في جنباتها الشهداء المسلمين من تركيا وشهداء الجيش العراقي الذين هبوا لنصرة القضية العربية في فلسطين إبان العدوان الإسرائيلي عام 1967 وكذلك نستذكر شهداء الجيش العراقي الذين يرقدون بشرف في دنبات مدينة المفرق الاردنية.
حي الله شهداء الكرك وأبقى الكرك وأهلها عنونًا للكرامة والمجد والتاريخ مع سائر أخواتها من المدن والمحافظات الأردنية العزيزة.
وحمى الله الاردن و شعبه الكريم ووقاه شر الاشرار و المفسدين و المارقين.