والتجار يعتصمون أيضا
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/10 الساعة 07:55
على غير عادة تجار قاع المدينة الذين حافظوا على هدوء عمان ودفء أسواقها القديمة وكنز قناعتهم وبركات ويسر البيع، بدت بعض متاجر الأقمشة والألبسة الجاهزة مغلقة في وجه المتسوقين الذين اعتادوا على النظر للعروض الدائمة والمتجددة التي ينظمها التجار لمحتويات محلاتهم ويستمتع بمشاهدتها المارة والمتسوقون على حد سواء.
في كل مرة يدلف أحدنا نحو قاع المدينة التاريخية الجميلة، يحرص على المرور من أمام الجامع الحسيني الكبير مشرعا النظر نحو ما تعرضه المتاجر التي يعود تاريخ الكثير منها الى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. البقاعي والرجال والحارس وسرحان وعشرات المحلات التي كانت أشبه بدور الموضة العالمية، أبقت على حضورها وسمعتها بالرغم من كل ما حدث. الأقمشة التي كان يأتي بها التجار من الشام والهند وإنجلترا ومصر واليابان والصين وكوريا، وما يرافقها من خيوط بولندية وهنغارية، هي التي صنعت قواعد الأناقة الوطنية قبل رواج الملابس الجاهزة واتجاه البعض الآخر نحو الملابس الأوروبية المستعملة أو المباعة بعد انتهاء مواسم الموضة.
السماحة التي كانت تطفو على وجوه تجار شوارع الرضا والسعادة وطلال واليمنية لم تعد موجودة اليوم، فقد حل محلها الغضب والانزعاج وربما الإحساس بالظلم. الكثير من التجار يتساءلون عن أسباب قسوة المؤسسات التي ينبغي أن توفر الحماية والدعم لمكونات الاقتصاد والثقافة والتراث في الأوقات التي تحتاج فيها هذه المتاجر الى جرعة من التفهم والثقة وربما المساندة.
حالة تجار وسط البلد ليست الأولى ولا الأخيرة، فقد سبقتها قطاعات وقد تلحق بها أخرى. في السنوات القليلة الماضية، تحولت عمان الوادعة الى ساحات صخب واعتصامات واحتجاج شاركت فيها العديد من القوى والنقابات والروابط المهنية والحرفية وجماعات مهنية وحرفية عديدة.
بعض الاعتصامات يعود للأوضاع القائمة والسياسات والآخر بسبب القرارات والممارسات التي اتخدتها الحكومة ومؤسساتها خلال الأشهر الأخيرة. تجار الأقمشة يشكون مكافحة التهريب. وعمال الأمانة يعتصمون للمطالبة بزيادات وامتيازات. المزارعون يجددون وقفات الاحتجاج ويتنقلون بين شارع الجامعة ومبنى البرلمان. أصحاب السيارات المتضررة من تكسيات التطبيقات الحديثة أرهقتهم الوقفات والتعطل فتساقطوا من طوابير الاحتجاج وقرر بعضهم التخلص من مركباتهم والانسحاب من مهنة القيادة والبحث عن مصادر رزق أخرى. في كل يوم تتوالد الاحتجاجات والاعتصامات التي تطال غالبية القطاعات وتعبر عن إحساس المحتجين بأضرار تفوق قدرتهم على التحمل والاستمرار.
المشهد الذي نقلته محطات التلفزة لتجار الأقمشة الذين أغلقوا أبواب محلاتهم واستبدلوا بيع الجلابيب والشالات ببسطات لبيع النعنع والجرجير والمناداة على سلعهم الجديدة بأصوات فيها الكثير من المرارة واليأس والشعور بالغبن، مشهد جديد في فضائنا العام يعبر عن سيريالية المشهد الاقتصادي الأردني والتداخل بين التشريع والضبط والاقتصاد.
لا أحد يعارض تطبيق القوانين وملاحقة المهربين، فالكل مؤمن بمبدأ سيادة القانون وأهمية وجود إجراءات رقابة وضبط حازمة. المشكلة فيما يحدث أن التغيير يأتي مفاجئا والإجراءات متلاحقة وكأن الأجهزة قد تنبهت الآن. كما يظهر التشدد المفاجئ في ظروف يعاني فيها التجار من مشكلات زيادة الضرائب وتراجع القوة الشرائية للزبائن وتنامي حالة الكساد التي تعاني منها القطاعات المختلفة.
احتجاجات أصحاب المحلات التجارية في شارعي الرضا والسعادة وما جاورهما بطرق مبتكرة وفي قلب المدينة، مؤشر على ما آلت اليه الأوضاع العامة وما أصاب العلاقة بين الدولة والقطاعات المختلفة من خلل ينبغي عدم السكوت عنه.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/10 الساعة 07:55