هندسة الانهيار وإعادة الإعمار
د. ماهر عربيات
ماذا لو أن جسم الإنسان لم يؤدِ الوظائف المطلوبة منه؟ وماذا لو أن الدولة لا تقوى على حفظ أمنها وأمن مواطنيها؟ وما هو حال الدولة التي لم تؤدِ الواجبات المنوطة بها، وغير قادرة على المحافظة على نفسها بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة؟
في الحالة الأولى، سيدخل الإنسان في صراع ينهي وجوده، أما الحالة الثانية، فسوف تضعنا أمام ما يعرف بحالة الفراغ المؤسسي للدولة، الذي سيؤدي حتما إلى تنامي العنف السياسي والاجتماعي، وتصاعد حالات الخصومة بين مكونات المجتمع، وظهور الصراعات الداخلية، وانتشار العنف والإرهاب، وفقدان السيطرة على الحدود، لتبدأ فيما بعد بقصد أو بدون قصد، وبعوامل خارجية أو داخلية عملية ضرب استقرار الدولة واختطاف عقول أبنائها تمهيدا لاختطاف الوطن وهدمه، لتبدأ سيمفونية إعادة الإعمار بالعزف في مختلف الندوات والمؤتمرات والمحافل الدولية.
ظهر مصطلح إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية التي قامت في الولايات المتحدة، ثم عاد للظهور أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنه شاع وانتشر بعد الحروب والأحداث الجسيمة التي شهدتها المنطقة العربية.
ورغم الإبداع والبهاء والجماليات وغير ذلك من السمات الجميلة التي تبدو على مصطلح إعمار، لكن إعادة الإعمار هو أقبح وأردأ مصطلح استخدم في السياسة المعاصرة، فمجرد تناول هذا المصطلح وتداوله والتباحث والتشاور فيه داخل القاعات المغلقة، فهذا يعني أننا أمام قتل وهلاك .. وإزاء هدم ودمار .. وحيال محنة وخراب.. ثم بعد ذلك إعادة إعمار.
تفاقم الحديث حول إعادة الإعمار في المنطقة العربية حتى ملأ الأسماع، بسبب الحروب والأحداث الجسيمة التي شهدتها بعض الدول... فكلما سقط نظام أو هدمت دولة أو انهارت أخرى، يبدأ تناول هذا الموضوع من مختلف جوانبه. وفي هذا الوقت يتصاعد الإهتمام عبر وسائل الإعلام الغربية لإعادة إعمار سوريا... لكن حتى لو نهض الإعمار فعلا، وبدأنا نلمس مشاريع البناء والتعمير على أرض الواقع .. فمن يا ترى يعيد الحياة للإنسان؟ ومن يعيد أحلام الشباب، وملايين المشردين، وبراءة الأطفال التي اغتيلت؟ ومن يعيد الأمل الذي حل مكانه التخلف والبؤس وعدم الاستقرار؟ من يعيد إلى الحياة مئات الآلاف من الأرواح التي أزهقت؟
تفيد بعض التقارير الدولية، أن سوريا تحتاج إلى ما يزيد عن ثلاثمائة مليار دولار إن أرادت أن تتراجع سبعة أعوام إلى الخلف، بمعنى أنه ينبغي ضخ هذا المبلغ المهول في سوريا ليس من أجل أن تتقدم إلى الأمام، بل من أجل أن تعود إلى ما قبل عام 2011.
وتؤكد تلك التقارير أن مجموع كلفة إعادة الإعمار في كل من العراق وليبيا واليمن، قد تتجاوز ربع ترليون دولار، وهذا الرقم الضخم من شأنه أن يعيد هذه الدول ومواطنيها فقط إلى مرحلة ما قبل الأحداث التي اجتاحتها.
ماذا لو أن الأردن من ضمن الدول المطروحة لإعادة الإعمار لا قدر الله؟... تساؤل من المؤكد أنه يراود الكثيرين منا في بعض الأحيان، بسبب أجندات الشر التي تتربص بالوطن الذي يتقاسم الفقراء همومه قبل المتخمين، والمحاولات الفاشلة التي تنشط للمساس بهيبة الدولة، وتحطيم المنظومة القيمية والوطنية للمجتمع.
باختصار الأمن هو سيد المطالب وأجلها، وأهم الموجبات وأبرزها، وأنفع المقاصد وأجزلها... فلا مجال للخطأ في عالم اليوم، ولا وقت للمراهنة في هذا العصر، ولا مكان للمغامرة فوق تراب هذا الوطن، لأن الثمن سيكون فادحا وباهظا.
علينا التمسك بمنظومتنا الأخلاقية قبل أن تنهار، وقبل أن يتسلل مصطلح الهدم المسمى إعادة الإعمار إلى أجمل الأوطان.