الجاسوس المزدوج والمجازر (الحبطرش) في الأرض العربية
محاولة اغتيال الجاسوس الروسي المزدوج (سكريبال) على الأرض البريطانية عن طريق مادة كيماوية سامة يتهم الروس بتنفيذها أحدثت ضجة كبرى اهتزت لها القارة الأوروبية والأمريكية والاسترالية، فغضبت بريطانيا غضبة عرمرمية لما اعتبرته اعتداءً روسياً يمس سيادة بريطانيا وكرامتها، مما أسفر عن اتخاذ قرار بريطاني القيام بأكبر عملية طرد جماعي لدبلوماسيين وعملاء روس في التاريخ.
تضامن خمس عشرة دولة اوروبية مع القرار البريطاني باتخاذ قرارات جماعية من أجل طرد الدبلوماسيين الروس، وانضمت إليهم كل من الولايات المتحدة وكندا واستراليا واوكرانيا باتخاذ قرارات الطرد للعناصر الروسية، حيث أقدمت الولايات المتحدة على طرد ستين دبلوماسياً روسياً، كما أمرت بإغلاق القنصلية الروسية في سياتل، فيما أعلنت روسيا أنها سترد بالمثل على طرد الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما أقدمت على وقف أنشطة المركز الثقافي البريطاني في روسيا.
هذا الزلزال الأوروبي الأمريكي جاء مبرراً بوصف العمل الروسي عملاً عدوانياً، واستعمالاً لأسلحة كيماوية على أرض أوروبية لم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية، والمبرر الثاني الإعلامي هو الثأر لكرامة الأنسان الذي تعرض للاغتيال وهو يتمتع بحماية بريطانية، وهذا الغضب أشعل بذور التوتر بين الشرق والغرب يستدعي الانتباه، ويدعو المراقبين للوقوف مليًّا على تطورات هذا الحدث، الذي ينذر بحدوث مواجهة عالمية بحسب بعض التوقعات، ويدعو المفكرين والسياسيين على مستوى العالم إلى المقارنة بين ما حدث لهذا الجاسوس وابنته اللذين يرقدان على سرير الشفاء بحالة حرجة، وبين ما يحدث في كثير من دول العالم من مجازر تقشعر لها الأبدان وتصيب العقل بالصدمة، فقد تعرضت الغوطة في دمشق وكثير من البلدات السورية لغارات كيماوية والضرب بقنابل غاز الأعصاب المميت، الذي نتج عنه اختناق ومقتل عشرات الأطفال والمدنيين، ولم يتم طرد دبلوماسي واحد، وهناك غارة أمريكية على مدرسة أطفال في أفغانستان أسفرت عن مقتل (100) طفل، ولم تحدث أزمة دبلوماسية في الشرق والغرب.
لقد أقدمت (اسرائيل) على ضرب مسيرة حق العودة السلمية في غزة، وأسفر هذا العدوان عن حدوث مجزرة قتل خلالها ما يزيد على عشرين مدنيا، وجرح (1500) آخرين ولم يستطع مجلس الأمن إصدار بيان بحق قتل المسالمين، حيث رفضت الولايات المتحدة مشروع البيان الذي تقدمت به الكويت باسم المجموعة العربية جملةً وتفصيلاً، ولم يصدر البيان وهو مجرد حبر على ورق.
نحن في الحقيقة أمام مفارقة عجيبة تعيشها الإنسانية في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث يتربع على قيادة مجلس الأمن الدول الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية التي فصلت القوانين الدولية والأنظمة التي تحكم سير مؤسسات الأمم المتحدة، وأصدرت المواثيق التي يتم تدريسها في الجامعات والتي تقوم على حماية الإنسان وحفظ كرامته وحقه في الحياة، وحقه في العيش في مجتمعات آمنة، ومن أجل الحفاظ على السلم العالمي، ليتبين أن المقصود بكلمة (الإنسان) هو إنسان الدول العظمى والسلم العالمي هو سلم شعوب دول (الفيتو) ومن يدور في فلكها وليس هو الآدمي المنكوب الذي يعيش في العالم العربي ودول افريقيا والدول الآسيوية، فهؤلاء صنف متأخر من السلالات البشرية لم يأتِ دورهم بعد في الحديث عن الكرامة الآدمية والحقوق الإنسانية.
الدستور