هدم الجدار
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/01 الساعة 23:31
"أكدت دائرة ضريبة الدخل والمبيعات أن التأخر في تقديم إقرار ضريبة الدخل عن الموعد القانوني الذي ينتهي في 30 نيسان (ابريل) الحالي سيعرض المكلف إلى غرامة تتراوح بين 100 و500 دينار، بالإضافة إلى تعرضه للتقدير الأولي والإداري.
وأوضحت الدائرة أن التأخر في دفع المبالغ المترتبة على المكلف بما فيها المعلنة في الإقرار الضريبي عن الموعد القانوني سيرتب غرامة بواقع 4 بالألف عن كل أسبوع تأخير أو أي جزء منه.
وقامت الدائرة بتوفير فيديو إرشادي حول خطوات تقديم إقرارات ضريبة الدخل على موقعها الالكتروني (www.istd.gov.jo)". ربما مرّ هذا الخبر مرور الكرام على أغلبية المواطنين الأردنيين، الذين يتصفّحون الصحف والمواقع الالكترونية، إمّا لأنّ نسبة كبيرة منهم لا تصل دخولها بحال من الأحوال إلى الخطّ الذي تبدأ فيه تفكّر في ضريبة الدخل (وهو ما لن يستمر مع النقاشات الحالية حول إعادة هيكلة الضريبة لتصل إلى رواتب أقل، ما يعني توسيعا كبيرا في شريحة الذين يدفعونها)، وإمّا -وهو السبب الثاني والأهم- لأنّ مثل هذه الثقافة الضريبية ليست مستدخلة تماماً في ثقافتنا اليومية، ولأنّ كثيراً من المواطنين لم يعتادوا على تسجيل دقيق للدخل المالي والنفقات، وربما هنالك نسبة تعتقد أنّ من "الذكاء" التحايل على الضريبة، بدلاً من التصنيف الصحيح لذلك بأنّه جريمة قانونية وأخلاقية، وانتهاك لميثاق المواطنة. هنالك اليوم تفكير جدّي في أروقة الدولة، وحتى في كواليس المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في موضوع إدخال تعديلات على قانون ضريبة الدخل، لكن أغلب الاهتمام ينصب على "النصّ القانوني"، وعلى توسيع الشريحة التي تقوم بالدفع. أحسب أنّ موضوع "الضريبة" (بخاصة الدخل، لأنّ المبيعات تحصيل حاصل) يحتاج إلى أكثر من تعديلات في النصوص، بل إلى حوار وطني عميق، ينتهي إلى توافقات حول التعديلات المطروحة قانونياً، أولاً، وثانياً إلى إصلاح مؤسسي حقيقي لتطوير عمل المؤسسة وقدراتها وعلاقتها بالمواطنين، والوصول إلى آلية فعّالة لمواجهة التهرب الضريبي (الذي يقدّر بمئات الملايين)، وثالثاً إلى رسالة إعلامية وثقافية قوية وفاعلة توضّح أهمية ضريبة الدخل على صعيد أخلاقي ووطني بوصفها قيمة من قيم المواطنة الصالحة، وخطورة التهرب منها على الصعيد القانوني والأخلاقي والثقافي، وكيفية دفعها، وإعدادها، ورابعاً ربما مطلوب لتشجيع الكثيرين ممن تعوّدوا على التحايل عليها القيام بإعفاءات نسبية للغرامات عن أعوام سابقة، كي يبدؤوا "صفحة جديدة" مع الدولة بهذا الخصوص. من الضروري أن ينظر كلّ من الحكومة والمواطنين على السواء لموضوع ضريبة الدخل ليس بوصفها محاولات من الحكومة لتحسين الإيرادات، أو استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، بل بوصفها ثقافة يومية، وقيمة وطنية، وأحد الأسس في علاقة المواطن بدولته، وتحوّلا جديدا ونوعيا في نمط المعادلة السياسية-الاقتصادية في البلاد، التي كانت تقوم على أنّ المواطن يأخذ والحكومة تعطي، بينما اليوم انقلبت الآية وأصبحت الحكومة تأخذ والمواطن يعطي. شاهدتُ الفيلم الذي أعدته ضريبة الدخل للإقرار الضريبي، وبالرغم من محاولة التبسيط لإجراءات ملء الاستمارة، إلاّ أنّ المطلوب أولاً هدم الجدار بين المواطن وثقافة ضريبة الدخل، وهو ما لا يستطيع هذا الفيديو اليتيم إنجازه! الغد
وقامت الدائرة بتوفير فيديو إرشادي حول خطوات تقديم إقرارات ضريبة الدخل على موقعها الالكتروني (www.istd.gov.jo)". ربما مرّ هذا الخبر مرور الكرام على أغلبية المواطنين الأردنيين، الذين يتصفّحون الصحف والمواقع الالكترونية، إمّا لأنّ نسبة كبيرة منهم لا تصل دخولها بحال من الأحوال إلى الخطّ الذي تبدأ فيه تفكّر في ضريبة الدخل (وهو ما لن يستمر مع النقاشات الحالية حول إعادة هيكلة الضريبة لتصل إلى رواتب أقل، ما يعني توسيعا كبيرا في شريحة الذين يدفعونها)، وإمّا -وهو السبب الثاني والأهم- لأنّ مثل هذه الثقافة الضريبية ليست مستدخلة تماماً في ثقافتنا اليومية، ولأنّ كثيراً من المواطنين لم يعتادوا على تسجيل دقيق للدخل المالي والنفقات، وربما هنالك نسبة تعتقد أنّ من "الذكاء" التحايل على الضريبة، بدلاً من التصنيف الصحيح لذلك بأنّه جريمة قانونية وأخلاقية، وانتهاك لميثاق المواطنة. هنالك اليوم تفكير جدّي في أروقة الدولة، وحتى في كواليس المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في موضوع إدخال تعديلات على قانون ضريبة الدخل، لكن أغلب الاهتمام ينصب على "النصّ القانوني"، وعلى توسيع الشريحة التي تقوم بالدفع. أحسب أنّ موضوع "الضريبة" (بخاصة الدخل، لأنّ المبيعات تحصيل حاصل) يحتاج إلى أكثر من تعديلات في النصوص، بل إلى حوار وطني عميق، ينتهي إلى توافقات حول التعديلات المطروحة قانونياً، أولاً، وثانياً إلى إصلاح مؤسسي حقيقي لتطوير عمل المؤسسة وقدراتها وعلاقتها بالمواطنين، والوصول إلى آلية فعّالة لمواجهة التهرب الضريبي (الذي يقدّر بمئات الملايين)، وثالثاً إلى رسالة إعلامية وثقافية قوية وفاعلة توضّح أهمية ضريبة الدخل على صعيد أخلاقي ووطني بوصفها قيمة من قيم المواطنة الصالحة، وخطورة التهرب منها على الصعيد القانوني والأخلاقي والثقافي، وكيفية دفعها، وإعدادها، ورابعاً ربما مطلوب لتشجيع الكثيرين ممن تعوّدوا على التحايل عليها القيام بإعفاءات نسبية للغرامات عن أعوام سابقة، كي يبدؤوا "صفحة جديدة" مع الدولة بهذا الخصوص. من الضروري أن ينظر كلّ من الحكومة والمواطنين على السواء لموضوع ضريبة الدخل ليس بوصفها محاولات من الحكومة لتحسين الإيرادات، أو استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي، بل بوصفها ثقافة يومية، وقيمة وطنية، وأحد الأسس في علاقة المواطن بدولته، وتحوّلا جديدا ونوعيا في نمط المعادلة السياسية-الاقتصادية في البلاد، التي كانت تقوم على أنّ المواطن يأخذ والحكومة تعطي، بينما اليوم انقلبت الآية وأصبحت الحكومة تأخذ والمواطن يعطي. شاهدتُ الفيلم الذي أعدته ضريبة الدخل للإقرار الضريبي، وبالرغم من محاولة التبسيط لإجراءات ملء الاستمارة، إلاّ أنّ المطلوب أولاً هدم الجدار بين المواطن وثقافة ضريبة الدخل، وهو ما لا يستطيع هذا الفيديو اليتيم إنجازه! الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/04/01 الساعة 23:31