الزعبي يكتب: موسى عمار.. فارس الأثير يترجل

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/24 الساعة 23:33

ابراهيم الزعبي – بيروت

وطويت صفحة من صفحات الزمن الجميل.... صفحة فارس أثير امتطى صهوة "المايكروفون" خمسة وأربعين عاما... حلق خلالها في الفضاء الاردني والعربي لينقل الفرح والوجع الاردني، فكان بحق أحد رواد الاعلام المخضرمين الذين أبدعوا في أداء الفنون الصوتية.

كان موسى عمار من أبرز مذيعي الاخبار في الاذاعة الاردنية خلال أربعة عقود مضت، حتى اقترن صوته بالأخبار الهامة في مسيرة الوطن، لم يكن النجاح بالنسبة له سهلا ... ولم تكن مسيرته الاعلامية مفروشة بالورود ، لقد كان جادا في عمله لدرجة الصرامة الشديدة، وكانت له "الوصايا السبع" كي يحقق المذيع النجاح المطلوب: تبدأ بقوة الشخصية، والقبول لدى الجمهور، غزارة المعلومات، قوة الأعصاب، التزام بالتعليمات، الاستعداد للحساب، فضلا على أن يكون الميكروفون هواية للمذيع وليس عملا روتينيا. ... حتى في رحلته مع المرض ، قالها يوما : انا متمرد على الخضوع والخنوع وعلى قسوة الحياة ولن ينال المرض من عزيمتي.

نجح موسى عمار ورفاق دربه المرحومين جبر حجات وصالح جبر، وتخطوا مدرسة الاعلام التقليدي بدرجة امتياز، عبر برنامجهم الاذاعي الاشهر " البث المباشر " الذي لا زال يبث عبر أثير الاذاعة الاردنية ... حيث شكل هذا البرنامج نقطة فارقة في مسيرته الاعلامية ، فأمضى سنوات طويلة من عمره يستيقظ باكرا ليطرب بصوته الشجي مسامع الاردنيين عبر تناول همومهم والتواصل معهم ، فهو صوت عشقناه كبيرا وصغيرا ، ومن يسمعه كان لابد أن يتعلق بتلك " البحة العميقة " في صوت موسى عمار.

موسى عمار.. كان الوطن بالنسبة له بيدر حب يملأ الوجدان، فشكل بموهبته الاعلامية وجدانا وطنيا لاجيال كاملة من الاردنيين عبر برامجه الاذاعية والتلفزيونية، فكان الاعلام بالنسبة له رسالة مقدسة، فقد شجى بحنجرته - التي قاومت السرطان سنوات - للطفولة من خلال دوبلاج الرسوم المتحركة، فكانت الطفولة بالنسبة له ، هي من تعلم الانسان كيف يقبل الزمن ويقبل عليه ، فمن براءة الاطفال وابتساماتهم، أحب عمله ورسم خارطة أمل لأجيال من الاردنيين.

موسى عمار ... الاعلامي والمخرج والممثل ... برحيله خسرت الساحة الاعلامية الاردنية، واحدا من أبرز فرسانها الذين رسخوا لوجودها، فحق أن تخرج الكلمات حزينة ثكلى برحيله، أما ميكروفونات الإذاعة في "المقابلين" والتي ألفت صوته على كثير من برامج وكلاسيكيات الأعمال الخالدة لاذاعتنا ، فربما جاز لها النحيب عبر فضاء الأثير، إنه ابن حيفا الذي أكسب الاعلام الوطني ثوبا جديدا لم يرتديه من قبل .

لقد ترجل فارس الاثير بهدوء كما عاش بهدوء ، ولم نرتو من صوته الشجي ,وكان دائما رغم تكريمه في العديد من المناسبات الوطنية والعربية والعالمية ، يؤمن بان حب الناس وتواصلهم معه هو أكبر تكريم.

موسى عمار.. أحد فرسان الكلمة الصادقة والأخلاق العالية ، رحل تاركا من خلفه مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز والإبداع في حب الوطن والنهوض بالإنتاج الثقافي والأدبي ، ومثالا رفيعا في روح التسامح والإنسانية ، ورصيدا كبيرا من الحب والتقدير في قلب كل اردني سمع صدى صوته يوما أو تعامل معه ، وفي وجدان كل مثقف وإعلامي، تغمدك الله تعالى يا ابا طارق بواسع رحمته ومغفرته وأسكنك فسيح جناته وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.

Ibrahim.z1965@gmail.com

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/24 الساعة 23:33