الإشاعة والوعي المجتمعي
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/19 الساعة 15:22
بقلم د. عيسى الطراونة
كلّما استذكرنا قصة الزئبق الأحمر في ماكينات السنجر ومقاطعة عصير الفيمتو على أنه يؤدي للتسمم، وناهيك عن البورصات الوهمية التي فتحت شهية الكثيرين لبيع ممتلكاتهم أو حتى الاستدانة من أجل وهم الأرباح الذي كان يروج لها في حينها، نجد أنفسنا أمام هذه المواقف وغيرها العديد مما لم تسعفن به ذاكرتي الرّثة بأننا نواجه صناعة متينة للإشاعة تزداد سطوتها كل يوم ورهان صانعيها الوحيد على نقص الوعي المجتمعي وازدياد أدوات ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت فيها مشاركة الخبر أولوية تسبق التحقق منه..
بل تجاوزنا ذلك بإرفاق العقوبة أو التعزيز بنص الخبر وبعناوين متعددة تستجدي فينا العاطفة الوطنية أو الدينية مثل "انشر تؤجر" وغيرها من هذه العناوين، ومما يلاحظ هذه الأيام بأن أصحاب هذه الصناعة في حالة تطور مستمر لدرجة انهم أصبحوا مهتمين بدراسة سيكلوجية المُتلقّي إذ أصبحوا يقدمون إشاعاتهم مغلّفة بطابع الفكاهة مما أوجد لها مساحة أكبر من القبول والاستحسان و سرّع في نشرها وتداولها وكأنها لا تستهدف أكثر من الضحك، كما وصلوا أيضا إلى ما يسمى بمفتاح الشخصية وهو الوتر الحساس أو الاحتياجات التي هي بمنزلة نقطة ضعف الأشخاص فتجدهم ينشطون بإشاعاتهم في أوقات تسمى بأوقات توقع الخطر فيتناقلها الأفراد دون تحقق وذلك من دوافع الخوف على أبنائهم أو ممتلكاتهم لربّما أثار إشاعة مقاطعة الفيمتو وبعيداً عن شعورنا مع الشركة الصانعة بأننا عُدنا ولو بشكل مؤقت إلى العصائر الطبيعية حينها، و أنّ إشاعة الزئبق الأحمر وماكينات السنجر جعلت والدتي على الأقل تحظى بسعر خيالي شجعها على أن تفرّط بما تبقى لها من ذكريات. ولكن ما نخشاه حقيقة من الإشاعة هو أن تطول مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية فنجد أنفسنا في حالة تشكيك مستمر في المنجز الوطني، فالإشاعة عندما تكبر تصبح سلاحا مدمراً يصعب السيطرة عليه فالحذر كل الحذر مما ننقل أو ننشر فمروّج الإشاعة إما ان يكون حاقداً أو جاهلاً أو مستفيدا من ترويج الإشاعة، فلا تكونوا إحدى هذه الفئات بقصد أو دون قصد وتذكروا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/19 الساعة 15:22