الوضع صعب جدا

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/19 الساعة 00:32

سنوات المواجهة المفتوحة مع الجماعات الإرهابية والتهديدات الخارجية، منحت مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية ثقة عالية بالنفس وبالقدرة على احتواء مصادر التهديد والتعامل معها بكفاءة تشهد عليها الوقائع الميدانية على أخطر جبهتين؛ الشمالية والشرقية.

لكن علينا دوما أن نتذكر أننا جزء من الشرق الأوسط الذي لم يشهد في تاريخه المعاصر عقدا من الزمن من دون أزمات وحروب وتهديدات.

انقضت سنوات صعبة من الأزمات والحروب في سورية والعراق، عاش الأردن خلالها واحدة من أصعب مراحل تاريخه. كان انهيار القدرات العسكرية والأمنية أو تقاعسها عن مواجهة التحديات يعني انهيارا شاملا للحدود أمام سيل المنظمات الإرهابية المسلحة والمدعومة ماليا بمبالغ تفوق موازنة الدولة الأردنية كاملة. جيش خالد بن الوليد الذي بايع تنظيم داعش الإرهابي وعلى تواضع أعداده، إلا أنه يحوز على أسلحة ثقيلة لا تملكها سوى الجيوش النظامية.

لم تكتب بعد قصة الصمود والانتصار التي خطها رجال القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية لحرب استمرت لثماني سنوات متواصلة وما تزال.

والحقيقة التي يجب إدراكها اليوم أن هذه الحرب لم تبلغ نهايتها بعد. هزيمة "داعش" لا تعني نهايتها، فهي في طور إعادة ترتيب صفوفها، الجماعات الإرهابية الأخرى والمليشيات الطائفية منتشرة على طول الأراضي السورية وفي مناطق عديدة من العراق.

التطورات السياسية لا تخدم أبدا التحولات الميدانية، على المستويين هناك مؤشرات قوية على انتكاسة للجهود الدبلوماسية تلقي بظلال قاتمة في الميدان العسكري.

الجملة المشتركة على ألسنة المسؤولين الأردنيين؛ السياسيين والعسكريين هي باختصار "نحن في وضع صعب جدا".

منطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري يمكن أن تنهار في أي لحظة. هناك جهود سياسية وأمنية لتثبيت وقف إطلاق النار وإدامة التنسيق الأردني مع الشريكين الرئيسيين في اتفاق خفض التصعيد "روسيا وأميركا"، لكن العلاقات المتدهورة بين الطرفين يمكن أن تقوض المحاولات الأردنية.

مؤسسات الدولة العميقة لا يزعجها أبدا تقدم الجيش السوري صوب الجنوب، وتدعم جهود المصالحة التي تديرها روسيا والنظام السوري، لكنها تتحسب من موجات لجوء جديدة، وفوضى أمنية تستثمرها عديد التنظيمات المسلحة والإرهابية على مقربة من حدودنا.

الخطط العسكرية والأمنية للتعامل مع كل هذه الاحتمالات جاهزة ومختبرة سابقا، غير أن تحول الجنوب السوري لمنطقة صراع أميركي روسي مباشر يمثل تحديا خطيرا للغاية.

وبينما تنشغل غرف العمليات في مقاربة التطورات على الحدود مع سورية والعراق والتطورات الميدانية في داخل البلدين الجارين، تنشغل الدبلوماسية الأردنية في ملاحقة المتغيرات والمخاطر المحتملة لتطورات الملف الفلسطيني.

هناك مخاوف جدية من صفقة أميركية من المحتمل عرضها قريبا تخص القضية الفلسطينية. الجهود الدبلوماسية منصبة على العمل "في حال طرح الصفقة فعلا" لجعلها منسجمة مع ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني، والنتائج في هذا الصدد غير مضمونة.

على مستوى آخر، يقاتل الأردن لإحباط مخطط تصفية وكالة الغوث الدولية لشؤون اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بعد قرار واشنطن الامتناع عن دفع حصتها من موازنة الوكالة. اجتماع روما الذي ترأسه الأردن والسويد الأسبوع الماضي تمكن من جمع تبرعات بقيمة 100 مليون دولار لدعم موازنة "الأونروا" المنهارة.

توقف الوكالة الدولية عن تمويل أنشطتها في الأردن يعني تحميل الحكومة الأردنية مسؤولية 122 ألف طالب على مقاعد الدراسة و7 آلاف معلم، ناهيك عن مؤسسات الخدمة الصحية.

الوضع صعب، وليس هناك خيار سوى القتال على كل الجبهات السياسية والعسكرية والأمنية لاجتياز العاصفة. الجبهة الداخلية هي الأخرى قصة كبرى لم تكن يوما بمعزل عن التطورات الخارجية، لا بل كانت وما تزال تدفع ثمن الأزمات الخارجية.

الغد

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/19 الساعة 00:32