رحيل تيلرسون وإيران

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/17 الساعة 00:16
د. نبيل العتوم *

أخيراً استقال (تيلرسون) أم أقيل، فالأمر سيّان، وتيرة التصريحات الكلامية بين الإدارة الأمريكية وبين إيران تتصاعد على مقياس متعدد الدرجات، وباتت معه لغة التهديد والوعيد سيدة الموقف بامتياز، من خلال الخطابات والتصريحات المتبادلة . بالمقابل يزدحم الإعلام الإيراني بالتحليلات والتخمينات التي ناقشت مدى جدية أو مصداقية إدارة (ترامب) في الانسحاب من الاتفاق النووي من جانب واحد عقب الإطاحة بوزير الخارجية، وتسليم (مايك بومبيو) زمام المبادرة لمواجهة طهران، لكن ما هو موقف الأطراف الضامنة دول مجلس الأمن الأخرى وألمانيا من التصعيد الأميركي في حال الانسحاب من الاتفاق النووي، التي بدأت فعلياً تشاطر واشنطن حول ثلاثة قضايا رئيسية : – البرنامج الصاروخي الإيراني. – ودعم إيران للإرهاب . – وكذلك الدور الإيراني المتعاظم من خلال مداخل الأزمات الإقليمية، الذي بدأ يتعاظم نحو مزيد من الاشتعال .. والسؤال الذي يطرح نفسه أيضاً في هذا السياق هو: هل سيشكل رحيل تيلرسون ، والتغيير على قيادة أكبر جهاز استخباري في العالم ” السي أي ايه” مرحلة فاصلة في رفع وتيرة التهديدات الأميركية، وانتقالها إلى مستوى جديد غير الخطابة والحشد والتحريض ؟ ما يقلق واشنطن ليس فقط الاتفاق النووي، ولا التجارب الصاروخية الإيرانية التي تنشط طهران بإجرائها دون رادع، والتي تزايدت وتيرتها منذ وصول (ترامب) إلى البيت الأبيض، ولا يقلقها فقط سياسات طهران إزاء دعمها للإرهاب وتجاهلها لحقوق الإنسان وانتهاكاتها لقرارات مجلس الأمن الدولي، إلى جانب دور إيران في زعزعة الأمن والاستقرار من خلال مداخل الأزمات الإقليمية؛ ولا سيما في سوريا واليمن، بل ما يثير واشنطن أن طهران خرجت عن الدور المرسوم لها فبدأت تفكر بعقلية التوسع والهيمنة على موارد الطاقة في العراق وسوريا والتلويح بتهديد أمن الممرات كمضيق هرمز وباب المندب، والتفكير بعقلية الدول الإقليمية العظمى، وهذا بات أمراً غير مسموح به على الإطلاق؛ من هنا ذكّرت واشنطن بأنّ العقوبات الأمريكية المتسلسلة والجديدة ضد إيران ليس لها صلة بالاتفاق النووي مع إيران، ولا بالبرنامج الصاروخي فقط . إستراتيجية (ترامب) التي أعلنها قبل سبعة أسابيع، وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تشير إلى أن هناك انعطافه أميركية واضحة، وعزم نحو تنفيذ إستراتيجية سيتم السير بها مع التغييرات في الخارجية و(السي أي أيه)، لأن دول المنطقة المحورية بدأت تشعر بعدم جدية واشنطن في التعامل مع الخطر الإيراني، بعد تراكم التصريحات النارية من خلال دبلوماسية ” تويتر ” التي يتوسل بها (ترامب) للتبشير بسياسات أميركا، لكن الملفت أنه وبعد كل تصريح حيث هدّد أكثر من مرّة بإلغاء ما وصفه بـ”أسوأ اتفاق دولي على الإطلاق” ” إيران تدعم الإرهاب ” و” إيران تهدد الاستقرار العالمي “، : “إيران تلعب بالنار، والإيرانيون لا يُقدّرون كم كان أوباما طيباً معهم، أما أنا فلست مثله”، لكنه مع كل هذه التهديدات النارية، والتوصيفات عالية السقف كان يتراجع في كل مرّة عن تهديداته وتوصيفاته.. خيار المواجهة مع إيران : إنّها إذاً لعبة مكاسرة الإرادات السياسية التي توائم بين دبلوماسية الاحتواء وسياسة فرض العقوبات غير الفعالة وغير الذكية التي لا تستهدف الإطاحة بالنظام الإيراني فيما سبق؛ لكن ما حدث في التغييرات التي جرت مؤخراً على كرسي الخارجية والمخابرات يعني أن واشنطن قد حسمت أمرها في المواجهة والتصعيد . لا بُدّ من التذكير أولاً أنّ إيران منخرطة وبقوة من خلال مداخل الأزمات الإقليمية بدءاً بالعراق مروراً بسوريا ولبنان واليمن، وباتت تسيطر – كما تقول على ستة عواصم والحبل على الجرار ….. ، ولديها تقاطعات في السياسات، وهي ركن في المحور الروسي-الإيراني الذي تم تدشينه بمباركة أمريكية واضحة سواء في جنوب سوريا أو مناطق خفض التوتر التي فشلت فشلاً ذريعاً ، كما أنها ضامنة رئيسية للاتفاقات في سوريا إلى جانب روسيا وتركيا ، التي بدأت تتباعد المصالح فيما بين أطراف هذا المحور المؤقت . هذا عدا عن نفوذها المباشر، والقوي في لبنان واتهامها بدعم حزب الله واعتباره منظمة إرهابية، إلى جانب جهود إيران الحثيثة لإدخال أسلحة نوعية فتاكة إلى اليمن تحت سمع وبصر الأسطول الخامس الأميركي دون أن تحرك ساكنًا، مما يثر الاستغراب والدهشة، الذي يبادر مشكوراً بنقل المعلومات إلى الرأي العام ووسائل الإعلام، والحديث عن ذلك في الأمم المتحدة. وبناء عليه يُمكن فهم هذا النوع من التداخل والتعقيد والشبهات في العلاقات الأمريكية الإيرانية، بل يجب فهم بعض ما ذكر في إطار سياسي تكتيكي يُحقّق أهدافاً براغماتية جانبية لأمريكا ولإيران معاً تتطلّب إبقاء حالة التوتر والصراع بين الدولتين، وذلك للتغطية على السياسات الإيرانية الحقيقية الخادمة للأجندة الأمريكية، التي تسير بالمنطقة نحو الفوضى ” غير الخلاقة “، وللاستمرار في قيام إيران بلعب دور الفزّاعة ضد الدول العربية لاستمرار أمريكا في ابتزازها لدول المنطقة، وعقد صفقات التسلح الهائلة . لكنّ الأهم من تحقيق تلك الأهداف السياسية والإستراتيجية خشية واشنطن من استمرا التطبيع الاقتصادي الأوروبي والصيني والروسي مع إيران، ووجود أطماع أمريكية اقتصادية في إيران، فالعقوبات والتهديدات الأمريكية لإيران ما هي في الواقع سوى عقوبات على أوروبا وروسيا والصين، بينما يُروّج الساسة الإيرانيون من خلال تصريحات فارغة يزعمون فيها أنّهم يُواجهون دول الاستكبار؛ وفي مقدمتها الشيطان الأكبر، بينما هم في الواقع مُجرد أدوات لها. الاستخفاف الإيراني : تسابق المسؤولون الإيرانيون كعادتهم في التقليل من حجم التغييرات التي تمت في واشنطن مؤخراً، مع وصف تصريحات (ترامب) ضد إيران بأنها غير فارغة وغير مفيدة ومجرد تهديدات من شخص دون تجربة سياسية، وشددوا على أن إيران مصممة على مواصلة تطوير برنامجها الصاروخي دون رجعة، والاختبارات الصاروخية جزء من ذلك ؛ لأنها إحدى الضمانات الرئيسية للدفاع عن الأمن الإيراني، معتبرين أنها لا تنتهك الاتفاق النووي الموقع مع الدول الست الكبرى في 2015، ولا القرار الأممي / 2231 / الذي صادق على الاتفاق، وطالبوا الجيش والحرس الثوري الإيراني بتكثيف إجراء التجارب الصاروخية، وتسريع خطوط الإنتاج بلا هواده . في هذا السياق هدّد المرشد (خامنئي)، والرئيس الإيراني (حسن روحاني) وقائد الجيش والحرس قبل أيام قليلة بأنّ إيران لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التهديدات الأميركية، وأنها قد تنسحب من الاتفاقية بشأن برنامجها النووي في غضون ساعات، في حال استمرت أمريكا بتوسيع العقوبات، بالمقابل أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أنّ “ترامب أثبت للعالم أنّه ليس شريكاً جيداً بتهديده بإلغاء الاتفاق النووي، متهماً إياه بأنه جاهل بالتاريخ، وأن ما يقوله هو وإدارته يومياً لا يستحق الرد مطلقاً.
إلى أين تتجه الأمور ؟ : يبدو أن التصعيد على الأجندة الأميركية بات هو سيد الموقف، وربما سنشهد خلال الأسابيع القليلة القادمة مزيداً من التطورات الدرماتيكية على الأقل. كما يبدو أن المقصود من رسالة الرئيس ( ترامب) لطهران من خلال التغييرات على عدد من المواقع السيادية، ولاسيما الخارجية والمخابرات، وأن الأمور لم تعد لمجرد الاستهلاك، لأن طهران قد خرجت عن حدود الدور المسموح لها، وبالتالي سنشهد تعزيز الإجراءات العقابية ضدها التي باتت أمراً حاسماً في هذه اللحظة التاريخية .
ربما كانت إيران تراهن على انشغال أميركا بموضوع كوريا الشمالية لابتزاز واشنطن على أمل الاستمرار في سياساتهم العدوانية؛ لكن يبدو أن الأمور باتت تتجه نحو الحل .
بموازاة ذلك ثمة مؤشرات مؤكدة على أن طهران ماضية في سياسة التحدي والاستمرار في برامجها العبثية والتدميرية، في الوقت الذي بدأت تنخفض معه هامش الثقة بسياسة إدارة ترامب السابقة، من خلال الشعور الذي تولد لدى الدول العربية على وجه التحديد بأن واشنطن غير جادة في ترجمة ما تقول إلى إجراء ردعي فعال يُنهي طموحات إيران التوسعية، على اعتبار أن ممارسة سياسة الردع ربما لا يكون ممكناً في ظل هذا التوقيت الإقليمي والدولي الحساس، وهو ما كانت تراهن عليه طهران سابقاً. لاشك بأن المضي في حل مشكلة الأزمة الكورية الشمالية سيسهم في تخفيف حجم الانشغال الأمريكي بهذا الملف الخطير، وهو ما كانت تراهن عليه طهران بقوة؛ لضمان بقائها بعيدة عن خيارات الآلة العسكرية الأميركية، لكن ما جرى هو العكس تماماً، وسوف يُشكل حلحلة الملف الكوري الشمالي أولاً رسالة واضحة للقيادة الإيرانية لإثبات عزم وجدية الإدارة الأميركية لترجمة ما تقوله إلى أفعال لتحجيم نفوذ إيران الذي قد يبدأ من سوريا والعراق للضغط على الولي الفقيه وزبانيته للرضوخ للمطالب الأميركية التي بدأت هي أيضاً حاجات دولية وإقليمية لتحقيق الأمن والاستقرار . لا شك بأن طهران باتت تدرس بجدية خياراتها للرد على سياسة الرئيس الأمريكي، (دونالد ترامب)، ضدها وتنص هذه الخيارات، على التوسل بالدب الروسي وإعطاء امتيازات كبيرة في قطاع الطاقة، وإنشاء قواعد عسكرية مشتركة روسية إيرانية على الأراضي الإيرانية، مقابل التزام بوتين بالدفاع عن النظام الثوري الإيراني في حال حدوث مواجهة مع الآلة العسكرية الأميركية، فضلاً على العمل على تصعيد الساحات المشتعلة من خلال مخالبها المنتشرين في سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان، وخلاياها النائمة في البحرين والكويت والسعودية ودول المنطقة مجتمعة، في محاولة بائسة لإشغال إدارة ترامب وحلفائه في الشرق الأوسط واستنزافها. الإيرانيون وعدوا العالم بمفاجآت؛ طبعاً تندرج في إطار إثارة العنف والإرهاب والفوضى، كعادة الولي الفقيه الذي يشير بصولجانه إلى وكلائه في المنطقة ليتحركوا بكبسة ” زر”، إلى جانب إعلان طهران رسمياً إلى أنه تم التوافق مع الجانب الروسي للتوجه نحو إلى إنشاء حلف استراتيجي مع روسيا، وأن هناك تغييرات جادّة تحصل على مستوى القضية الفلسطينية واللبنانية واليمنية كما أجمع على ذلك (علي لاريجاني)، ومحسن رضائي، وعلي شمخاني، ومحمد علي جعفري، وأن التصعيد من خلال هذه الجبهات سيسلب الخصوم والأعداء من مواجهة إيران، ويشلّ سياسات ترامب، ويظهر مدى عجزها عن مواجهة طهران، ويبعد الخطر عن المجال الحيوي الإيراني . إذاً ستكون حرب مفتوحة كما وعدتنا طهران، عنوانها تدمير الأمن الإقليمي، وشن حرب إرهاب بلا هوادة ضد العالم العربي وشعوبه، لكن المؤكد أن الإرهاب والسياسات العدوانية التي تمارسها طهران سيكون حبل المشنقة الذي يلتف حول رقبة النظام الإيراني تدريجياً، انسجاماً مع القاعدة الشرعية ” أن الجزاء من جنس العمل ” ما لم تنصاع طهران للمنطق والعقل، وتنسحب من الإقليم، وتوقف ذبح الشعوب تطبيقاً لقاعدة الهذيان المهدوي بحجة بناء إمبراطوريتها الموعودة، وتنصاع للإرادة الدولية، وتتعايش إقليميا ودولياً وفقاً لقواعد ومعايير الشرعية والقانون الدولي والإنساني. *رئيس وحدة الدراسات الإيرانية - مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/17 الساعة 00:16