اغتصاب من نوع آخر
في حديث جانبي مع سيدة هولندية تعمل في الأردن أبدت تقديرها للثقافة العربية وما فيها من ترابط وتعاطف وحرص على المشاركة في المناسبات، وتحدثت عن سمو الاخلاق وكرم الضيافة, كما أبدت أسفها لوجود انطباعات سلبية لدى الغرب تولدت من اعمال العنف والارهاب والقتل الجماعي الذي يرتكبه البعض ممن يتظاهرون بالتدين ويرفعون شعارات الجهاد ومن الصور النمطية للاثرياء والشيوخ اضافة الى السلوك المتهور لبعض الزعماء.
الشيء الآخر الذي كان لافتا بالنسبة للسيدة الهولندية التي أمضت سنوات في الاردن يتعلق باتجاهات وسلوك الناس المرتبط بالبيئة والذي ينم عن الكثير من الاستخفاف وقلة الاحترام والتعدي السافر عليها, حيث قالت وهي تشير الى الشوارع المحيطة ببلدة عين الباشا "انظر الى حجم النفايات الملقاة على جوانب الطريق .. في بلادنا لا يمكن أن يحصل ذلك فلا أحد يقدم على إلقاء القمامة في الشارع ولا السلطات تتهاون في ملاحقة من يرتكب مثل هذا العمل".
ما قالته السيدة الهولندية صحيح جدا فاذا كنت في طريقك الى جرش عبر شارع الاردن فما عليك الا ان تنظر الى جانبي الطريق الواصل بين ابو نصير وموبص لترى الآلاف من أكياس البلاستيك الملونة وعبوات المياه الفارغة في كل مكان ولا احد يتحرك لإزالتها.
على طرقات القرى والبلدات المجاورة لعمان تجد عشرات الأطنان من فضلات البناء والاغنام والدواجن على أكتاف الشوارع بصورة تدفعك للاعتقاد بوجود قوة خفية تسعى الى تدمير وتلويث البيئة ومعاقبة الانسان وسلبه كل فرصة للاستمتاع الآمن بمزاياها الطبيعية. الانطباعات والملاحظات التي أبدتها الخبيرة الأممية حول بلادنا تثير أسئلة جوهرية حول معرفتنا بالبيئة وموجوداتها وتقديرنا لها والاستعداد للحفاظ عليها وحمايتها إضافة إلى وجود اوغياب القيم والأخلاق والمعايير والقوانين التي توجه سلوكنا البيئي.
في المجتمعات المتحضرة يجري تدريب الافراد على احترام البيئة وحمايتها منذ الصغر؛ فالأشجار والتربة والنباتات والمياه والحيوانات أجزاء ومكونات وعناصر وشركاء للانسان لا يحق له التعدي عليها او التغيير في طبيعتها او تلويثها. القيم والاتجاهات والقوانين وثقافة تلك المجتمعات تضمن الحفاظ على البيئة وحمايتها. فلا أحد يلقى الفضلات من نافذة السيارة ولا أحد يشعل النار للشواء في أي مكان يحلو له؛ فالاستمتاع لا يعني التعدي وإذا ما حدث ذلك فهناك قوانين صارمة يؤخذ تطبيقها على محمل الجد.
في هذا العام كانت الاردن أكثر خضرة وربيعا من الكثير من الأعوام السابقة. الآلاف من الأسر الاردنية وجدت في الأجواء الربيعية المعتدلة فرصة مناسبة للخروج إلى الأرياف والحقول والطرقات المجاورة. الكثير من الحقول والبساتين وحتى مداخل المزارع والبيوت الخاصة تحولت الى ساحات ومتنزهات وملاعب.
تكدُّس المتنزهين على جنبات الطرق وتحت الاشجار في فضاءات خالية من المرافق الصحية والحمامات وأماكن الجلوس واللعب والحاويات واللوحات الارشادية يفصح عن حاجة المجتمع الى متنزهات عامة مجهزة بالمرافق والتسهيلات والخدمات الضرورية واللائقة.
من حق المواطن على الدولة توفير أماكن وحدائق وفضاءات مهيئة للتنزه والترفيه والاستجمام. غياب مثل هذه المرافق والخدمات عوامل أساسية في تنامي الاحباط وتشكل الاتجاهات المعادية للبيئة وتطور الميل للعنف والعدوان. وجود بعض الأماكن غير المهيئة يشجع على الاستخدام العشوائي للبيئة والقاء الكثير من الاوساخ والمخلفات على امتداد المساحات التي يشغلونها.
العلاقة القائمة بين الإنسان الأردني والبيئة فيها الكثير من العنف والتعدي وهي أقرب ما تكون الى علاقة الاغتصاب التي لا يحترم فيها المغتصب طبيعة وحقوق ومشاعر الشريك. هذه العلاقة قائمة على اعتقاد الانسان بامتلاكه الحق في استخدام الطبيعة وعناصرها وموجوداتها كيفما شاء ومتى شاء، فالفضاء مفتوح لكل الاستخدامات وبالطريقة التي تحلو للمستخدم. على وزارة البيئة ومؤسسات التعليم إيلاء موضوع العلاقة بين الإنسان والبيئة الأهمية التي يستحق ليحدث التحول نحو المجتمع النظيف المتحضر الآمن والخالي من العنف والتلوث والتعديات.
الغد