«الكرامة» أول انتصار.. شهادات لأبطال لا يهابون الموت (فيديو)
الزميل اليماني يكتب عن الكرامة وينتج فيلم (الكرامة أول انتصار)
شهادات لأبطال لا يهابون الموت ولا يخافونه هزموا العدو على أرضها قبل خمسين عاما
مصابون عسكريون يتذكرون سيرها قصصا وحكايات أسطورية شاركوا بصنعِ ملحمتِها بحروف مدادها الدم والشهداء
أخفى العدو أعداد خسائره خوفا من انهيار معنويات جيشه الجرار المسلح بأفضل أنواع الأسلحة والطائرات
جرحى تمنوا الشهادة وشهدوا لحظات استشهاد زملائهم في معركة تجاوزت مدتها (15) ساعة وكتب الله لهم النصر المظفر الخالد
استعادوا ذكرياتهم وتحجر الدمع بعيونهم وهم يتحدثون عن بطولاتهم في ساحات الوغى كأنها تحدث اليوم
رغم تقدم أعمارهم لا زال حب الجندية يسكن قلوبهم ويقسمون بالله أن الأردنية أبطال
كتب : عبد الله اليماني
تحت وهج حرارة شمسها الحارقة، وأشعة نور قمرها المنير، نسجوا خيوط كوفية الأردنيين (الاشماغ الأحمر) المميز رافعي الرأس يطاول السماء.
على أرضها كتبوا عشرات القصص من البطولات، هي نتاج التضحيات وهم على خط النار، يواجهون العدو الصهيوني. كانوا يبعدون عنه بضعة أمتار، كتبوا حروف النصر والشهادة. جرحى عاشوا أصعب لحظات حياتهم، لم تكتب لهم الشهادة.
أوقعوا في العدو خسائر فادحة في الأرواح (250 ) لقوا حتفهم، و(450 ) جريحا. وشراسة المعركة تدل على أن خسائره كانت تفوق ذلك العدد بكثير. نظرا لبسالة الجيش الأردني، ولكنه لم يفصح عن عدد قتلاه وجرحاه الحقيقي ، في معركة تجاوزت مدتها 15 ساعة كانت حامية الوطيس . الذي اقتحم أراضي الأغوار في جيش جرار تجاوز 15 ألفا . خاض فيها الجيش الأردني معركة عسكرية وجها لوجه مع العدو. واكتفى بتلك الأرقام.
اليوم الأبطال الذين شاركوا فيها يتذكرون أحداثها، وهم يذودون عن حياض الأردن بالأرواح والدماء الزكية التي روت ترابه الطهور.
يومها واجهوا جيشا ( الأقوى عدة وعتادا). أراد احتلال جزء عزيز ( أراضي الأغوار) الأردنية بعد مرور (9) أشهر على هزيمة الجيوش العربية في حرب حزيران عام 1967 م. معتقداً أنها ستكون لقمة سائغة له. ومتوهما أن الجيش الأردني (ضعيف). لا يقوى على مقاومته والصمود أمامه. ومتذرعا أن حربه التي شنها للقضاء على رجال المقاومة الفلسطينية (الفدائيين) الذين كانوا يوجهون له ضربات شبه ليلية في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة . لكنها في الحقيقة كذبة كبيرة أراد فيها احتلال مرتفعات (جبال البلقاء وعمان). وفرض شروطه الاستعمارية على الأردن. فانتصر الجند الأردنيون على الجند الصهاينة المتغطرسين، وكبّدوه خسائر فادحةً في الأرواح والمعدات. وأسقطوا من قاموسه ( نظرية الجيش الذي لا يقهر) . وسجلوا (النصر ) في التاريخ العسكري الحديث ( كرامة الفخر) . بطولات فردية وجماعية. فاجبروه على الانسحاب، والتقهقر تحت وقع ضربات أسلحتهم . ومنعوه من تدنيس واحتلال التراب الغالي . فأذهل جيشنا العربي العالم ببسالته الأسطورية . في ساح الوغى . لقد أعاد النصر في الكرامة بارقة أمل للجيوش العربية بان لا مستحيل من ( النصر ) . فكانت الحرب العربية الأولى التي ينتصر فيها الجيش الأردني على العدو الصهيوني.
خمسون عاما تمر والتغني في ذالك النصر وبطولاته كأنها تحدث (اليوم ). وبكل مناسبة يحتفل بها ويقال عنها الكثير ، وانطلاقا من كوني شاهداً عليها، وعلى غيرها من الاشتباكات شبه الليلية مع العدو فلا تكاد تمر ليلة إلا وتتوقف ( إذاعة عمان) ، لتذيع بيانا للناطق العسكري فيما سمي (حرب الاستنزاف). عن وقوع تبادل للقصف ما بين القوات الأردنية وقوات العدو الصهيوني . على اثر عبور الفدائيين (الشريعة) لـ الضفة الغربية.
فلهذا اكتب عن الجند في يوم الكرامة وعن ليالٍ قضيناها في الخنادق. روايات بطولية وشهادات حية ما زالت عالقة في أذهان النشامى يا لها من لحظات امتزج فيها الألم المتوج بالنصر وهم على أسرة الشفاء بالتمني في الشفاء العاجل لكي يعودوا إلى ميادين الرجولة إلى منازلة العدو الصهيوني.
أجساد توسمت بـ"شظايا ". وأحاديثهم تنصب كيف وقعت المعركة، وكيف كانوا فيها اسودا يصرعون العدو وعن زملاء لهم ارتقوا شهداء. وآخرون لم يصابوا بأذى .
إنها (قصص ذات معاني سامية). وبهدف تدوين قصص وذكريات المصابين العسكريين التي عاشوها بأدق تفاصيلها توجهنا بهم إلى ارض الكرامة وصورناهم بالصوت والصورة حيث كنا نسير ببطء من اجل استذكار وتصوير الأماكن التي شهدت أحداث المعركة.
كان ذاك اليوم ليس كباقي أيام المعتادة (الصحيان ) من النوم فيه باكرا (اليقظة ) ، لان هناك أمراً مريباً وغير طبيعي ومألوف. وللأشاوس أصحاب الوقفات والهامات العالية بصمات فيها لهذا ورغم تقدم أعمارهم أجدها فرصة ثمينة يستعيدون فيها أحداثا لا تنسى عبق النصر،وأجمل لحظات الفرح في حياتهم عاشوها ( شموخا وكبرياء) . كانوا خلالها أبطالا شاركوا بتطريز بصمات لهم فيها ووجدتهم أن حب الجندية لا يزال يسكن قلوبهم ويقسمون أن الأردنية أبطال. كيف لا وهم الذين كتبوا بدمائهم الزكية قصة( فداء وعطاء وتاريخ وضاء ) ، نصرا أضاء سماء الأردن منتصرا على جيش مسلح بأفضل (أنواع الأسلحة ) .
اليوم يوبيل الكرامة ( الذهبي ) . وعلى أرضها تجدهم يقولون : هنا كانت دباباتي ومدافعي وخندقي ، وهنا جرحت واستشهد زميلي ومن هنا نقلونا زملاؤنا إلى المستشفى . ويبتسمون وهم يقولون : هنا كان الأغلى والاثمن أننا ( حققنا النصر الأكبر).
الناطق العسكري
صرح الناطق العسكري بما يلي: في تمام الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم قام العدو بشن هجوم على منطقة نهر الأردن الجنوبية وعبرت قواته النهر إلى الشرق في كل من منطقة جسر الأمير محمد (دامية) وجسر الملك حسين واشتبكت مع قواتنا ولا تزال مشتبكة معها بجميع الأسلحة، كما اشتركت طائرات الهيلوكبتر من قبل العدو في العملية، وقد دمر للعدو لغاية الآن أربع دبابات وأعداداً من ناقلات الجنود المجنزرة والآليات الأخرى وما زالت المعركة قائمة بين قواتنا وقوات العدو حتى هذه اللحظة. هنا وهم يرحبون بك قائلين : أهلا بكم في أرض الإقدام والخير ، نعيدهم إلى أجواء المعركة لكي يسردون بطولات الجنود والضباط كل حسب الواقع الذي عايشه ، فقالوا :
مذكرات ضابط المشاة
العقيد التعمري
يروي ضابط المشاة العقيد المتقاعد المصاب خلف أبو هنيه التعمري مذكراته ، بشكل أسطوري حكايته قائلا : كنت ضابط مرشح ومهمتي جمع معلومات عن العدو أي ( استطلاع متقدم) لمعرفة أحواله وتحضيراته ونواياه الخبيثة التي يضمرها لنا من قبل المدنيين القادمين من الضفة الغربية . وتأكد لنا يومها نية العدو باجتياح الأغوار عن طريق محورين رئيسين جسر الأمير محمد ( داميا ) وجسر الملك الحسين . وكانت نواياهم احتلال جبال البلقاء وعمان والقضاء على العمل الفدائي ، حيث كنا على انسجام تام وإرادة حقيقة مع المقاومة الفلسطينية في الدفاع عن الوطن وحمايته . وفي صبيحة يوم معركة الكرامة كنت أتواجد في العارضة بالمواقع الرئيسة ننتظر تحرك العدو ،وكنا يقظين ومستعدين للقائه بالرغم من إمكانياتنا المتواضعة .ولم نعرف طعم النوم ليلة صباح الخميس فرحا وترحيبا بلقاء العدو وصده على أعقابه . وفي الساعة الخامسة بدأ العدو بالقصف التمهيدي المكثف على قطعاتنا الأمامية في الحجاب عند جسر دامية والملك حسين والمغطس والكرامة ومثلث العارض ( المصري ) وشعشاعه حيث كانت هناك قوات الحجاب . في الطمونيه وسويمره ،وتصدت لجحافله قواتنا الباسلة في الحجاب والقطاعات الرئيسة والمدفعية السادسة والتاسعة والدبابات وكافة أنواع الاسلحه بمهارات فنية رائعة من قبل قادة الكتائب والفصائل والبطاريات بمعنويات عالية .وكنا نشاهد في المواقع الرئيسة حركة قواتنا وهي تتصدى لقطاعات العدو المهاجمة .ونراها تناور وتصدها قواتنا بمهارة عالية تفوق الوصف . وقد أبلت المدفعية السادسة بلاء حسنا وكذلك المدفعية التاسعة وبطاريات المدفعية المختلفة (25 رطل ) .ونرى الدخان يغطي عنان السماء من هول العراك بين الآليات الثقيلة . وقد رأينا إعطاب كاسحة ألغام كانت تتقدم أمام دبابات العدو .وقد تم عطبها تماما من قبل مدفعيتنا ودباباتنا . وكان الله معنا . وعلى أصوات الزغاريد جنودنا التي كانت تنطلق بحماس منقطع النظير فقد أبلت القطاعات الأمامية في منطقة الكرامة ومثلث المصري في التصدي للعدو بالسلاح الأبيض وجها لوجه واستطاعت قوات المشاة بالتعاون مع قوات المقاومة الفلسطينية في ايقاع خسائر كبيرة في صفوف قوات العدو واستولوا على بعض آليات العدو اذكر ( خمس ) دبابات صالحة فر منها إعدادها واسر بعضهم وقتل آخرين شوهدوا مربوطين في السلاسل بداخلها . كما تصدت قواتنا إلى جانب الفدائيين لإنزال للمظليين شمال بلدة الكرامة وقتل منهم أكثر من 100 مظلي صهيوني . ويضيف لقد تمكنا من إيقاف تقدم العدو على محور داميا المثلث المصري في الساعات الأولى من المعركة وتقهقر وارتبك ارتباكا كبيرا وكأنني أراهم الآن أمامي وهم منهزمون باتجاه فلسطين بشكل فوضوي .
وقال : لقد أصبت في حوالي الساعة العاشرة صباحا في أنحاء متفرقة من جسمي جراء قصف العدو المدفعي حيث تعرضنا إلى قصف بقنابل ( منثاريه ) أطلقها علينا العدو . ومع ذلك بقيت في ارض المعركة لمدة أربع ساعات أقاتل مع الجنود بالأسلحة التي لدينا ونتصدى للطائرات المغيرة وتمكنا من الدفاع عن مواقعنا بكل جدارة وشجاعة فائقة . وكانت طائرات العدو تخشى الانخفاض وضرب مواقعنا خوفا من تعرضها للإصابة وإسقاطها من قبل قواتنا . وجرى إخلائي سيرا على الإقدام حيث كتيبة عمر بن الخطاب التي كان قائدها المقدم محمد عوض العمري رحمه الله .الذي أرسل لي فريق إسعاف برئاسة الملازم أول احمد عبد القادر من بني حسن لنقلي إلى الكتيبة ورفضت حيث تابعت مسيري سيرا على الأقدام حتى وصلت قيادة الكتيبة التي تبعد عن مكان إصابتي ثلاث كيلو متر . وأثناء سيرنا أغارت علينا طائرات العدو ولكن الله سلم . بعد أن قمنا بمهارات عالية من المراوغة والتخفي حتى وصلنا لها إذ تم إسعافنا بواسطة سيارة إسعاف وكان معي مصابا الرائد محمد الأعرج العجوري مساعد قائد الكتيبة الذي اخذ يشجعنا رغم جراحه البليغة .ووصلنا إلى مركز إسعاف حاطوم حيث جرى إسعافنا إسعافا أوليا جيدا لمدة ساعة ومن ثم تم نقلنا إلى المستشفى العسكري في ماركا . وهناك بقيت أسبوعا وهم يعملون على إزالة الشظايا من جسمي واذكر أن الذي عالجني هو الدكتور سطام حابس المجالي الذي اشرف على علاجي . وكان بجانبي من الجرحى المرشح خالد . بعدها عدت بمعنويات عالية وأدركت أن الوطن يفتدى بالأرواح والمهج .والتحقت مباشرة بوحدتي ومارست عملي في قيادة جنودنا وعمل التحصينات اللازمة في مواقعنا الرئيسة .
ويضيف انه يتذكر كيف أن أهل الأغوار كانوا على درجة عالية من الانسجام والانتماء الوطني وحب جيشهم . حيث كانت تقوم بعض العائلات بهدم بيوتها الطينية وتقدم أعمدتها الخشبية إلى الجيش لغايات تحصين الخنادق الأمامية لحماية العسكر من قنابل العدو المنثاريه، وان دل هذا على شيء إنما يدل على حب أهل الغور لوطنهم ، حب مبالغ فيه ،كحب المسلمين أيام انطلاق الدعوة الإسلامية .
وما زالوا وكنا أثناء حرب الاستنزاف نسير في مزارعهم وينتج عن ذلك . أضرار فيها ولكنهم لم يتضايقوا أو يتذمروا وكانوا على أتم الاستعداد لمساعدتنا في تسهيل واجباتنا في الكمائن من اجل التصدي للعدو . لله در هذه الجباة السمر الوضاءة وخصوصا الرتب الصغيرة من رتبة نقيب حتى جندي ، هذه الرتب الزرافات التي تموت من الوطن ،ويقول منذ أن تخرجت في نهاية عام 1967م لن نرتح يوما وقد دخلنا أيام الاستنزاف وكان قرارا سياسيا عربيا على الثلاث جبهات ،الأردن مصر وسورية .وكانت الأردن الجبهة الأنشط والمطلوب التعامل فيها مع الفدائيين الفلسطينيين لرد اعتبار حيث كنا نشعر بالمهانة من هزيمة عام 1967 م عاشوا الموت مرات ولم تكتب لهم الشهادة وعاشوا لحظات استشهاد زملاءهم
الضمور
وتحدث المصاب النقيب احمد سالم علي الضمور من كتيبة المدفعية الرابعة لمقاومة الطائرات ( م ط) والذي كان برتبة رقيب يومها قائلا : كانت كتيبتنا وهي مدفعية مقاومة الطائرات الرابعة (مدفع ثنائي مضاد للطائرات )، في منطقة تله الرمل بالعارضة وكان المسؤول عنا الرائد نعيم محمد سعيد ، وكان يتواجد لواء مشاة وكتيبة مشاة قائدها عوده عويد السرحان ومهمتنا حماية مدفعية الـ (25 رطل ) الميدانية من هجوم الطائرات الصهيونية ، وقبل المعركة في 48 ساعة جرى تحذيرنا من هجوم إسرائيلي على الأردن، وفعلا في صباح يوم الخميس وفي الساعة الخامسة والنصف أطلقت القوات الصهيونية أول قذيفة مدفعية علينا يسمونها قذيفة (إيجاد مدى) أي تحديد إصابة الهدف ، وسقطت القذيفة على بُعد (50 ) مترا عن مدفعنا ) ، والمنطقة رملية ، وبعيده عن مثلث العارضة حوالي كيلو ونصف ، وتقع على رأس تله مرتفعه ، وواجبنا حماية مدفعية الميدان من هجوم الطائرات الصهيونية عليها .
ويتذكر انه بعد سقوط القذيفة على موقعهم حدث تبادل لإطلاق نيران كثيفة من مختلف الاسلحه من قبل العدو وكانت المدفعية الأردنية كانت ترد عليها، وفي حوالي الساعة السابعة والثامنة صباح يوم المعركة رأينا (أربع طائرات ) حربية صهيونية من نوع ( سكاي هووك ) ، تطير من فوقنا ، قادمة من فوق منطقة الصبيحي ، ونحن تدربنا على ما يعرف( الرماية الشمسية ). أي نقوم بتوجيه المدفع نحو الشمس ونبدأ بإطلاق النيران بذاك الاتجاه ، نحوهن لأننا لا نستطيع رؤية الطائرات من وهج شعاع الشمس ، حيث كان شغلنا الشاغل بهذه اللحظة تلك الطائرات ، الثلاث التي لم تهاجمنا ، و كنا نوجه مدفعنا نحوها برماية مكثفة ، حتى رأينا الطائرة الرابعة التي انفردت عن باقي تلك الطائرات ، تَغيرُ علينا ولم نراها إلا وهي على مسافة ( 200 متر ) وفورا قمنا بتوجيه مدفعنا يمينا نحوها ، ولكنها كانت الأسرع ، فأطلقت علينا صاروخا سقط على بعد (10 ) أمتار من مدفعنا وقد احدث الصاروخ حفرة كبيرة قطرها ( 47 قدم ) ، وكون طبيعة الأرض رملية فقد انفجر الصاروخ ، وتناثرت شظاياه وأصبت بجروح بليغة نقلت على أثرها إلى مركز صحي يبعد عنا حوالي كيلو متر تقريبا ، وهي نقطة تمريض عسكرية وتم إجراء إسعاف أولي لي ، ومن هناك نقلت إلى مركز يقع في( زي ) ، ومنه نقلت إلى المستشفى العسكري (الرئيسي ) في ماركا، حيث وصلت إليه قبل صلاة العصر تقريبا ، والحمد لله لم يصب احد من زملائي وعددهم (7) أشخاص بأية جروح ، رغم أن الطيران الصهيوني كان يقوم بإلقاء قنابله من ارتفاعات عالية ، على إخواني في الموقع ، ومكثت في المستشفى لمدة أسبوع ، وجرى إخراجي من المستشفى ، وعدت إليه مرة أخرى لإجراء عمليات لإخراج الشظايا التي أصبت فيها وتتواجد بأجزاء في جسمي .
وكشف الضمور أن الضابط حيدر مصطفى والذي وصل إلى رتبة لواء كان أثناء المعركة يتنقل على دراجة نارية بين القطاعات العسكرية . ووصف أجواء المعركة قائلا : لقد كانت أجواء حماسية (زغاريد ) كنا في عرس وطني ، وبعد أن تماثلت للشفاء عدت إلى زملائي، مضيفا أن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية لم تقصر معنا ففي كل احتفال بيوم الكرامة وتحت الرعاية الملكية السامية يتم دعوتنا وتكريمنا .
النواطير
أما المصاب العريف محمد علي العبد الحق النواطير فيقول : لم نرتاح ولم نعرف بعد مكاننا الجديد الذي نقلنا له لأننا كنا في الجبهة قبل أن يجري تبديلنا وقد حل مكاننا بواسل جدد . منوها انه مابين المعركة ومغادرتهم أرضها وتواجدهم في طبربور، موقع ( موسيقات القوات المسلحة حاليا ) مدة ( 21 عشر يوما ) . وجاءتنا الأوامر بالتحرك إلى المعركة في الساعة الثالثة فجرا واعتلى النشامى ظهور الدبابات ،( الكتيبة الخامسة). متوجهين إلى الغور ،وسارت الدبابات على الجنازير، وتوزعنا ( قسمين ) قسم إلى (الشونة الجنوبية ) . وقسم إلى ( العارضة )، وكان قائد السرية الثانية عارف أرشيد مرشود ، وعند وصولنا إلى على مقربة من سد الشونة الجنوبية أعدنا توزيع الدبابات إلى الخنادق التي كانت فيها قبل انسحابنا منها.
قسم يمين السد وآخر شماله ، ومن ضمن المواقع الدبابات دبابة تمركزت فوق ألتله المطلة على الشونة وصرح الجندي المجهول حاليا ، وما أن تمركزنا في خنادقنا حتى وجهنا مدفع دبابتنا صوب دبابات العدو . فدمرنا دبابة وسيارة لاند روفر.
وما أن علم العدو بوقوع الخسائر في صفوفه حتى رأينا طائرتين للعدو قادمتين من وادي شعيب تغيران علينا بالصواريخ، واذكر أني قبل الغارة كنت اجلس فوق الدبابة عند البرج، وما أن دخلت فيها حتى انفجر أول صاروخ أطلقته الطائرة بنفس المكان ، فأصاب جسم الدبابة بأضرار بسيطة وأصيب المدفعي ، وسائق الدبابة والاشاره (اللاسلكي ) بالشظايا والحروق ، وهم زميلي آمر الدبابة (الشاويش) علي المتروك العجارمه، والمدفعي علاوي حسن ، وأصبت بشظايا وحروق في جسمي وعلى اثر ذلك فقدت الوعي وتم إخراجي من الدبابة ووضعوني في خندق حفر من قبل رجال المشاة .
في هذه الأثناء عاود الطيار الصهيوني بالإغارة علينا فأطلق صاروخا على مؤخرة دبابتنا ( المحرك ) لكنه لم ينفجر . وعن لحظة إصابته وما يتذكر من تلك الساعات يقول : عندما دمرنا دبابة العدو وآليته اللاند روفر كانت ردت الفعل من قبل العدو (هجوم الطيار )، علينا كانتقام على تدميرنا لهما .وكانت يدي وكتفي مصابة بالحروق وجسمي مليء بالشظايا،وتم إسعافي من خلال ناقل جند كان يقودها بمهارة الملازم أول عارف أرشيد ومعي جريحان آخران، وكان يناديني أبو الحق . وخلال المعركة كنا نطلب الشهادة والنصر المؤزر.
ويتابع حديثه بأنه يتذكر أن الطيران الصهيوني أغار عليهم وهم في طريق وادي شعيب مرتان وكانا يستهدفان (الناقلة ) .إلا أن احترافية الضابط أرشيد في سياقه الناقلة حالت دون إصابة الناقلة بأية أضرار . وكان يطلب منا مراقبة الطائرة عند إغارتها علينا ، وحين تغير الطائرة كان تارة يقودها يساراً وتارة يميناً . وهكذا حتى أوصلنا إلى (جسر وادي شعيب ) . حيث كانت تتواجد فئة طبية، وفيها جرى إسعافنا ونقلنا منها إلى المستشفى الرئيسي ، وبقيت مدة ستة شهور،أتلقى العلاج ولما تماثلت إلى الشفاء عدت إلى نفس دباباتي ، بعد أن تم إصلاحها . وحادينا إلى النصر قائدنا الأعلى المغفور له الملك الحسين رحمه الله الذي كان قاد المعركة بحنكه . وكانت معنوياتنا عالية وعلى أجهزة الاتصال فيما بيننا كنا تارة نكبر ونهلل على السماعات الداخلية في الدبابات وتارة نزغرد ونغني (أضرب رصاص خلي رصاصك صايب وإحنا الشباب ما فينا واحد هايب ). أجواء حماسية رائعة .
بني عامر
ومن جانبه تحدث المصاب العريف موسى بني عامر من مرتب كتيبة المدفعية السابعة ، عن سير المعركة ويصفها بأنها معركة المعتمد على الله والواثق بأن الله سوف ينصرهم على العدو الصهيوني ، ويتابع حديثه : كنا معسكرين في وادي شعيب ، وعملي في نقطة ملاحظة على مقربة من جسر الملك حسين ، وقبل المعركة بثلاثة أيام ، كنا نشاهد الحشود الصهيونية بمنطقة أريحا غربي النهر، خلف المرتفع الذي مازلت أحفظ رقم (347) واجبنا الإبلاغ عن تحركات حشود العدو الصهيوني للجهات ذات العلاقة أولا بأول، وفي يوم ( الخميس ) تقدمت جحافل جيش العدو متجاوزة نهر الأردن وهي تجتاز جسر الملك حسين باتجاه الشونة الجنوبية ، وذلك عند الساعة الخامسة والثلث صباحا ، وكنت يومها أتواجد في خندق الاتصال أي ( نقطة المراقبة ) القريبة من الجسر . ورأيت عشرات الدبابات والآليات المصفحة المجنزرة والسيارات الصهيونية وكان ضابط (الملاحظة ) النقيب خالد عوض الذي أوعز لمدفعيتنا (السابعة ) بالقصف عند تقدم قوات العدو نحو الشونة عابرة الجسر ، وقامت المدفعية ( السادسة ) التي أطلق عليها ( المدفعية المجنونة )بعيدة المدى بقصف الجسر.
وكان ضابط الملاحظة التابع لها يقوم بإعطائها أوامر الرمي وتحديد الأهداف وهو الملازم الأول خضر شكري درويش من مدينة معان وللأمانة هذا الضابط أبلى بلاء حسنا فلدى اكتشاف نقطة الملاحظة المتواجد فيها من قبل طائرة الاستطلاع الصهيونية (الاوستر) تطويقه من قبل دبابات العدو الصهيوني ، طلب من زملائه في المدفعية السادسة قصف موقعه ما يسمى (تخليص الأرواح ) نظرا لاكتشاف موقعه ، وخوفا أن يقع أسيرا بيد العدو ومن ثم حصولهم على خرائط موقع المدفعية السادسة وعلى اثر ذلك يعمل العدو على تدميرها ، ولكي لا يتحقق لهم ذلك طلب قصف موقعه . فقاموا بقصفه واستشهد هذا البطل ومعه مجموعته .
وهنا توقف عن الكلام واخذ يبكي .. هذا هو الشهيد خضر ابن معان ، (هؤلاء هم الأبطال ) . وسألني أتعرف لماذا ابكي ولم يدعني للرد عليه، ابكي لأنني كنت شاهدا على بسالته ولحظة استشهاده مع زملائه ، وكنت أشاهد كل ما يدور على ارض المعركة ، ولم نكن نعرف أي معنى ( للخوف ) . ويتابع حديثه : لقد قلت لجلالته وأنا في المستشفى ( الطيران ) يا مولاي ، فلولاه لما عاد من عدونا واحد حي يخبرهم عما جرى لهم ، لقد أسقطنا للعدو( 7 ) طائرات مقاتله بالرشاشات ألـ ( 500) ، وإصابتي جراء انفجار قذيفة بالقرب مني وتوسم جسدي بالعديد من شظاياها المختلفة وبسببها فقدت الوعي ، ونقلت من ارض المعركة ،وتم إسعافي إلى مستشفى السلط ومنه إلى المستشفى العسكري ( الرئيسي ) في ماركا الشمالية .
ويضيف عندما زارني جلالة الملك الحسين رحمه الله ، قلت له يا مولاي : نريد طائرات ، فلولا الطائرات يا سيدي ما عاد للعدو ( دبابة ولا جندي ) ولدمرناهم في ارض المعركة ، فانا الذي طلب من جلالته الطائرات وقيل عني يومها ( جندي يطلب طائرات من الملك وهو تحت الموت ). ويتذكر انه خلال فترة علاجه في المستشفى زارهم الرئيس السوري حافظ الأسد رحمه الله . وتلقى الحسين التهاني من الرئيس المصري جمال عبد الناصر ، والكثير من الوفود العربية والأجنبية ،ويتذكر أن قائد الكتيبة النقيب عارف شخاتره، واستشهد ضابط الملاحظة عيسى من بلدة مغير اربد ومجموعته المكونة من ثلاث جنود .
كتبوا قصص أسطورية بحروف مدادها الدم بمعركة تجاوزت مدتها ( 15 ) ساعة
الطقاطقه
ومن جانبه تحدث الرقيب المدفعي المصاب مطلق سليمان الطقاطقه من الدبابات الخامسة ، السرية الأولي ، الفئة الأولى ، الحظيرة الأولى . بقوله :كنا متواجدين في طبربور حيث تحركنا باتجاه الغور عند الساعة الرابعة فجر يوم الخميس ، وسرنا بالدبابات على الجنزير، وعندما وصلنا على مثلث صويلح ، باتجاه ناعور هاجمتنا الطائرات الصهيونية . وتابعنا المسير باتجاه ناعور، العدسيه، ولدى وصولنا إلى ( قهوة حنا ) في بلدة الرامه، اشتبكنا مع الدبابات الإسرائيلية عند المرتفع (202) مثلث الرامه ، وهناك وقعت ملحمة بطولية عند المثلث حيث دمرنا ( ثلاث دبابات ومجنزرتين للعدو)، وشاهدنا سائقي هذه المدرعات مربوطين بالسلاسل، حتى لا يانهزموا من المعركة .
وأشار إلى أن مدافع ( أل 106 ) المحمولة على الجيبات أبلت بلاء حسنا في قنص دبابات العدو والياته فكانت تقنص كل إلية صهيونية وتدمرها ، مضيفا أن المعركة ( شهدت مناطحة) حسب قوله: بين الدبابات الأردنية والصهيونية عندما فرغت من الذخيرة ، ( عند قهوة حنا ) وانه لولا الطيران الذي كان سيد الموقف لما استمر العدوان لغاية العاشرة ليلا . ودارت هناك معركة شرسة أجبرت جيش العدو على التقهقر ، واشتبك جنود المشاة الأردنيين مع مشاة جنود جيش العدو بالسلاح الأبيض . وأثناء تمركز الدبابات الخامسة على مثلث الرامه ، تصدت لقوات العدو التي كانت تظهر بين الحين والأخر بهدف تعزيز قواتهم في المنطقة وتواجه شراسة قتالية من قبل قواتنا وقواتهم التي كانت ترمي بأعداد كبیرة وكثیفة على قواتنا الأمامية (قوات الحجاب) ،وكان قائد الفئة الشهيد الملازم أول محمد هويمل الزبن الذي استشهد رحمه الله في موقع ( 206) ناقص ،كما استشهد جندي أول حسن عبد ربه السبعاوي، وهو من طاقم دبابتي ونوعها ( باتون ) وهي دبابة قتال ، واستشهد الرامي المدفعي نايل مليح السردي، ويتذكر أن دبابات العدو كان نوعها ( سنتوريون ) .وهذا الاختلاف بنوعي المدرعات بيننا وبين العدو ساهم في تمييز الدبابات الأردنية عن الإسرائيلية .
وقال مطلق : مع قوة الضغط من قبلنا على مدرعات العدو انسحبوا من محور مثلث الرامه باتجاه الشونة الجنوبية تحت غطاء جوي كثيف وقصف مدفعي صهيوني ، ومن الملاحظ أن الطيران الإسرائيلي لم يتمكن من قصف دباباتنا لان الاشتباكات بين دباباتنا ودبابات العدو كان وجها لوجه لهذا لم يقصف دباباتنا خوفا أن تصيب نيران طائراته دباباته ، موضحا أن العدو فشل بإرسال الفرقة الثانية لتعزيز قواته المحاصرة تحت رحمة نيران المدافع الأردنية وكانت تتواجد غربي جسر الأمير عبد الله – سويمه الرامه . وعندما كنا عند قهوة حنا أطلق علينا العدو صاروخا ، أصيب جسمي كاملا بالحروق من الدرجة الأولى ، ونقلت إلى مستشفى ماركا العسكري واستمرت فترة علاجي ( سنة و8 أشهر) ولم استطع التكلم لمدة (شهر و 14 ) يوم ،حيث وضعوني في غرفة معقمه . ويتذكر كان المغفور له الملك الحسين رحمه الله يزورنا صباحاً ومساءاً، وزارنا الأمراء والأميرات والضيوف العرب والأجانب ، وقد اشرف الملك حسين شخصيا على ما قدم لي من علاج ، فاصدر توجيهاته السامية بإحضار أمهر وأشهر الأطباء فتم إحضار الدكتور( الطرزي) من فلسطين وهو طبيب عظام و(الطبيب ايلي) من لبنان لمعالجة حروقي وكان الملك حسين يقول لهم : لا تدخروا أي شيء من اجل شفائهم .
الملك الحسين في الميدان
وقبل أن يرحل ليل يوم( 21 آذار 68 ) كان الملك الحسين رحمه الله يتفقد الجرحى ويسأل عنهم ويطمئن على عمليات إنقاذهم ونقل الدم وإخلاء الخسائر، ويعرف كل صغيرة وكبيرة عن الضباط والشهداء والجرحى وسير مجريات المعركة ، ويتحدث مع الجرحى ويطمئن على الإصابات التي تعرضوا لها . ويقول : أن الملك الحسين رحمه الله زارهم في المستشفى وكان يتفقد أحوال الجرحى واحدا واحد ،ويسال عن وضعهم الصحي من الأطباء ويطمئن عليهم ، ويتأكد بنفسه من المصاب شخصيا حيث يسأله عن وضعه الصحي ونوع إصابته ومكان وقوعها ، وقد سألني أين أصبت؟ فقلت له : سيدي أصبت في العارضة وصنفي مقاومة طائرات( م ط) فقال لي جلالته: لقد أسقطنا ( 7 طائرات ) للعدو .
ويضيف : كان جلالته يتوقف عند جريح ويسال عن الإصابة ، وسأل جريح بجانبي عن إصابته وطبيعة مهنته فقال له : مولاي سائق سيارة ، وهنا قال جلالته : انتم كنتم تقودان سيارتان قريبتان من بعض , وتعرضتما لهجوم من طائرة ويفترض أن تكونا بعيدين عن بعضكما لكي تتجنبا الاصابه ، الحمد لله على سلامتكم . واخبره جلالته أن الذخيرة وصلت من دون أية أضرار . واذكر أن بعض الجرحى طلب من جلالته العودة إلى المعركة متوقعين أنها مازالت تدور رحاها ، فالمصاب منا لا يشعر بالألم فالروح المعنوية عالية ، وأكد انه أثناء العلاج كنا نتمنى الشفاء العاجل للعودة للمنازلة العدو مع زملائنا . يا أخي البسالة ما بتلاقيها إلا عند (الجندي الأردني ) . إن استبسالنا عنوان لنا ، منوها أن الجند كان القتال بالنسبة لهم ،كما وأنهم يقبلون على الحیاة ، فالأردن (الوطن) هو الحياة . وأتذكر أن عمري حين التحاقي في الجندية كان (16 عام ) ولم يمضي وقت على تخرجي من مركز التدريب سوى (5 ) شهور . ورفعت ترفيعا ميدانيا من جندي إلى عريف ومن عريف إلى رقيب من قبل المغفور له الملك الحسين ، ويختم حديثه قائلا : لقد نصر الله الأردن ، بقيادة الحسين ، ومهما قدمنا لوطنا الأردن ما نوفيه شيئا جزاء ما يقدمه لنا .
الطيران الإسرائيلي ساهم بنجاة قواتهم البرية من الموت المحقق
العواوده
الرقيب السائق المصاب عايد سعيد العواوده قال : كنت أسوق مع الرائد عدنان الأخرس قائد البطارية الثانية المدفعية المحمولة. وأثناء وقوع المعركة كنا في منطقة وادي شعيب قرب (السد ) حاليا وقبل حلول شروق الشمس قطعت جسر الملك حسين دبابات واليات مجنزرة ونصف مجنزرة العدو ، وبلغنا من قبل ضابط الملاحظة المتواجد على ضفة الشريعة الشرقي بهذا التقدم ، وكان لدينا ملاحظة على التل المطل على مكان الجندي المجهول حاليا . ويضيف لقد رأينا دبابات العدو قرب مدرسة الشونة ( الجندي المجهول) الآن ، وتقدم من عندنا مدفعين( 106 ) محمولين على سيارة لأند روفر ويسمى قانص الدروع تقدموا مسرعين ، فكروا أن الدبابات التي عند المدرسة أردنية ، ولم يتوقف احد هاذين المدفعين إلا أسفل ( سبطانة مدفع دبابة العدو) . فما كان من رامي مدفع دبابة العدو إلا أن أطبق عليه ب ( سبطانة مدفع دبابته) وقفز طاقم مدفع الـ ( 106 ) وتدحرجوا نحو الوادي والله أنجاهم ، والمدفع الثاني الأردني دمرها وحرقها . ودمرت 6 دبابات أخريات، ومن هناك هربت بقيت الدبابات . وتعرض الملازم آنذاك عارف الشخاتره إلى أصابه فأرسلته بالسيارة لإسعافه إلى السلط ، حيث اجروا له عملية فورية . وفي طريق عودتي إلى موقع المعركة ،شاهدت طائرات العدو تغير على طريق السلط - وادي شعيب بهدف قطع الطريق لمنع وصول التعزيزات للقوات الأردنية إلى ساحات المعركة ،فأوقفت سيارتي واحتميت تحت صخرة كبيرة على جانب الطريق ، وقامت طائرة بقصف سيارتي وتدميرها محدثة حفرة كبيرة تختفي فيها دبابة . فأصبت بالشظايا واخذ الدم يسيل من جسمي ، وهب جنود متواجدين على مقربة من مكان الغارة ونقلوني ، إلى مستشفى السلط ومنه إلى مستشفى ماركا العسكري وبقيت قيد العلاج مدة شهر ، وكتب الله لي عمرا جديدا.كنا فخورين بالنصر على العدو .
ماء الحياة
فني المختبرات ألعبادي حضرنا أكثر من( 50 ) وحدة دم
لم تنتهي فصول تلك المعركة بوقف إطلاق النار في ساحاتها وسحب العدو لقواته وإقامة أفراح النصر في ربوع المدن الأردنية وتشييع الشهداء وزيارة الجرحى ، فقد كان لرجال الخدمات الطبية الملكية دور هام في إجراء العمليات الجراحية للمصابين وتزويدهم بماء الحياة ( الدم ) وعن هذا الدور تحدث تكامل الأدوار في معركة الكرامة فني المختبرات العريف آنذاك النقيب المتقاعد محمد عبد المناصير العبادي ،قائلا : كنت اعمل في بنك الدم في مستشفى عمان العسكري فني مختبرات وكنت مسؤولا عن تحضير الدم للجرحى . وما أن بدأت تأتينا حالات الجرحى أولا بأول كنا نعمل على توفير الدم لهم حيث حضرنا يومها أكثر من( 50 ) وحدة دم وبقينا نستقبل الجرحى طيلة تلك الليلة بعد توقف المعركة،ولم نخلد إلى النوم بتلك الليلة ومعي زملائي . وأضاف المناصير ،لقد كان لدينا مخزون كبير من وحدات الدم ،وطلبنا من الوحدات العسكرية بإرسال متبرعين منها لتغطية أي نقص قد يحصل أثناء إجراء العمليات للجرحى . واستمر عملنا على أداء هذا الدور الوطني حتى آخر قطرة دم احتاجها جريح . وكان مدير المختبر جلال حدادين ومن الأطباء الدكتور أسامة المعايطة ومسؤول الأفراد جاد الله جريس ،ومدير المستشفى المقدم الطبيب محمد علي ومدير الخدمات الطبية آنذاك الطبيب العقيد عبد السلام المجالي .
تصريح
صرح الناطق العسكري الأردني بما يلي : تم تطهير أرضنا من فلول العدو في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء ، وقد توقفت الرماية من قبل العدو والتي استمرت مدة خمس عشرة ساعة، وصد الهجوم جعلهم ينسحبون مرغمون من شراسة الرد وقوته ، ومنعه من تحقيق أهدافه باحتلال أي شبر من أراضي الوطن الغالي ، إذ قامت أثناءها قواتنا المسلحة بمعارك ضارية مع العدو مبديه من ضروب الشجاعة والتضحية ما يستحق التقدير والإعجاب.
رايات النصر
ورفرفت رايات النصر الأردنية عالية خفاقة ، بعد أن هزم جيشنا ، جيش العدو واجبر على سحب قواته تحت نيران المدفعية السادسة والقوات المساندة الأخرى التي قامت بقصف فلول العدو وهو ينسحب باتجاه الضفة الغربية المحتلة تاركا خلفه آلياته وقتلاه ، وهو يطلق نيران أسلحته بشكل جنوني وهستيري لإخراجها من وحل ارض الكرامة، اعترافا منه بهزيمته النكراء ، فلم يعد قادرا على ( البقاء فيها منتصرا ) . وأخذ يتوسط دولا أجنبية ومجلس الأمن لوقف لـ ( إطلاق النار ) . تارة بالضغط وتارة بالتوسل ولكن القائد الأعلى رفضها إلا بعد سحب آخر جندي جنوده من ارض المعركة . وتحسبا من عدم التزامه بالانسحاب لم تتوقف نيران الجيش الأردني ، وفي المساء شنت الطائرات الصهيونية اعنف الغارات على بلدة عيرا، وقصفتها بشكل متواصل لإسكاتها . لان ضربات السادسة كانت قاتلة لها .
هكذا خرجوا من وحل طينة ارض الكرامة ، فلم يعد قادرا على (الخروج أو البقاء ) فيها منتصرا ، بعد أن تبخر كلام ليل (موشي دايان)، وهو يعدهم ب( احتلال مرتفعات البلقاء ). ودعوة الصحفيين إلى عقد مؤتمر صحفي صباح ذاك اليوم في مكان ما شرقي النهر. وتحول الوعد إلى (هزيمة قاتلة ) . بدأ الانسحاب وهو ذليل دمرت وعطبت له في ارض المعركة ( 88 آلية ) مختلفة ، شملت( 27) دبابة و(18) ناقلة جند و(24) سيارة مسلحة و(19) سيارة شحن و(20) دبابة وآلية مختلفة ، بقيت في ارض المعركة. وأسقطت له ( 7 ) طائرات مقاتـلة . وخسائره في الجانب البشري (250) قتيلا ، و (450) جريحاً ، وقدرت قواته المشاركة في المعركة أكثر من (15 ألف) . هذا ما أعلنه ولكن هناك أمورا كثيرة أخفاها . منها انه انتهج
أسلوب التضليل الإعلامي والحرب النفسية عبر بث بياناته العسكرية ومجريات المعركة مشتعلة تارة يتحدث عن انتصاراته واحتلاله للأراضي الأردنية وتارة عن مطاردته لرجال المقاومة الفلسطينية وتدمير مواقعهم والتحدث عن القتلى في صفوفهم . وتكذب وتغير في الحقائق، خوفا من انهيار معنويات جيشه حيث تمنع الرقابة العسكرية نشر أي بيانات حول أعداد القتلى والمصابين بصفوفه وخسائره في المعدات والطائرات والأفراد .
وقد ارتقى من بواسلنا ( 91) شهيدا بطلا ، نالوا شرف الشهادة ومدونة أسماءهم في سجل الشهداء في موقعة ارض الكرامة ، وقد طلبوها فنالوها . بعد أن كتب الله عز وجل لهم ( النصر والشهادة ). وأقيمت لشهداء الوطن مراسم جنائزية مهيبة ( أعراس وطنية لفوا بالعلم الأردني حملوا على أكتاف زملائهم ، وتقبل ذويهم التهاني بزغاريد الفرح والعز والفخار . وقد جرح (108 جريحا ) بطلا من أبطالنا الأشاوس ، وفي المعدات كانت خسائرنا تدمير ( 10 ) دبابات و(10) آليات مختلفة، و(مدفعين ) . وبعد دحر قوات العدو على كافة المحاور قام الجيش العربي في سحب الآليات ( الغنائم ) إلى عرين العرب ( عمان ) . فاحتشد العطشى في ساحة ( الجامع الحسيني) . وهم في لهفة بالنصر ( رجالا ونساء شيوخا وأطفالا ) عاشوا أجمل لحظات العمر في حياتهم بأجواء احتفاليه كبيرة (بفرح النصر المؤزر) وانتصار الإرادة والإصرار الأردني على تحقيق النصر وكبح غرور وصلف العدو الصهيوني وهم يرون بأم أعينهم مرتزقة العدو الصهيوني ( مُكبلون بالجنازير داخل دباباتهم).
هكذا أذاق رجال (الجيش العربي ) وخلفهم الشعب الأردني العدو ( طعم نزهتهم موتا وذلا وقهرا على الأراضي الأردنية ). لم ( يهابوا الموت ولا تطور سلاح العدو وكثرته وتفوقه ) فكان يوما أردنيا بامتياز، فيه (محوا الصورة السوداوية) الجاثمة على صدور الأردنيين وأبناء الأمة العربية الأحرار (هزيمة حرب 1967) م. فلذلك اكتب انطلاقا من كوني شاهد عليها وغيرها عن ليال طوال كان السكان فيها ينامون في الخنادق . وكنا بالعين المجردة نشاهد حشود قوات العدو غربي النهر في منطقة أريحا وجنوب عقبة جبر قبل ( 48 ساعة ). وكعادتها والدتي رحمها الله ، كانت تقوم فجرا بإعداد الخبز البلدي على الصاج ، بذاك الصباح المعطر برائحته بدأ الهجوم . فقلت: (أرعدت ) ، وأخذت والدتي تهدئي من روع إخواني وتقول لهم : (عادي مثل كل مرة) ، فقلت لها : المعركة بدأت . وكنا نسمع رجال المدفعية (التاسعة هاوزر 155 ملم) يصرخون على ( المدافع ) ، يا شباب . بذلك الصباح تركت أسرتي تحتمي بالملجأ ، وذهبت إليهم وفي البداية حاولوا إبعادي ، قائلين : ( روح عند اهلك ) . وأجبتهم (روحي ليست أغلى من أرواحكم ) . فكلفوني بوضع الصاعق على مقدمة القذيفة . وكنت أرى أم مازن الوخيان رحمها الله تأتي حاملة الشاي لهم وهي تزغرد ( عليهم يا نشامى ). والمدافع تطلق قذائفها ، والزغاريد وصيحات التكبير (الله اكبر)، مع كل طلقه. وبين الحين والآخر يأتيهم اتصال من ضباط الملاحظة في الخطوط الأمامية ( إحداثيات جديدة ) . قوات العدو تنشئ جسرا ، على الشريعة . يسرعون بإدخال الإحداثيات وتوجيه المدافع وإطلاق القذائف . واراهم ( يرقصون فرحا دمرنا الهدف ). ( أبوك يا الموت ) . لم تثنيهم قذائف العدو المتساقطة هنا وهناك، وطيرانه الذي حلق فوقهم بكثافة ولكنه لا يجرؤ على قصفهم ،لان المضادات الأرضية ألـ ( م ط 40 ملم ). تتصدى لها وتمنعها من القصف . وتجبرها على التحليق عاليا . لم أعد إلى أسرتي بذاك اليوم إلا بعد العاشرة ليلا تقريبا.
وبقيت مئذنة مسجد الكرامة شاهدت على وحشية العدو، وعدم احترامه للمعايير والقوانين الدولية والإنسانية. كان ( يوم الخميس ) يوما أردنيا رائعا بامتياز تفوق فيه الجنود الأردنيين على ( جنود العدو ) . فلم أجد أجمل ولا أروع من العودة بهم إلى تلك الـ ( 15 ) ساعة . لإشعارهم أنهم في (القلب والوجدان) ، موجودون ، رغم مرور خمسون عاما عليها . للاستماع إليهم وهم يتحدثون عن ذكرياتهم الجميلة بكل عفويه، لعل الأجيال تقرأ ما قالوه وضحوا من اجله ويتعرفون على معنى (الكرامة الحقيقي) . وثمارها الطيبة المباركة، ( نعمة الأمن والأمان ). و( غرسها الضارب في الأعماق ) ، الاستقرار والازدهار الذي ارتوى بدماء وعرق أبطالها الأشاوس حماة (الوطن والمواطن ومن نتاج تلك التضحيات،(( العيش على ثراه امنين مطمئنين)).
هذه بعض من قصص أشاوس الجيش العربي كتبوا حروفها(شهداء وجرحى ) وبواسل لم يصابوا بأذى،وكانوا يتمنون الشهادة ). وقد انتزعوا النصر من جيش العدو ،وعم الفرح بألوانه الزاهية الأراضي الأردنية، وغنوا ورقصوا ، وتهتز صدورهم عند انطلاق قذائف أسلحتهم وهي تتصدى للعدو ، وأياديهم حاملة الرايات وأصابعهم على الزناد. فكانت مصنعا لمعاني (البطولة والرجولة والإقدام ). على وقعها تحررت أراضي الأغوار من دنس العدو الصهيوني. وتركت المعركة أثرا وارثا كبيرا إذ محت من الذاكرة تلك الصورة السوداوية . ( هزيمة حزيران ) . فكان يوما أردنيا بامتياز، تفوق فيه الجندي الأردني على الجندي الصهيوني .
لقد كان انتصار الجيش الأردني الحدث الأبرز والأكثر تداولا بين الناس . ووصفوا معركته بأنها ( ملحمة بطولية لم يشهد لها التاريخ مثيلا ) . وشهد العدو فيها قبل الصديق . وجرى تداولها في أحاديثهم الساخنة،كيف لا وهو الذي (هزم العدو وحطم غطرسته وأوهامه وآمال أسطورته) ، وكشف حقيقة كذبه ( الجيش الذي لا يهزم ). وحطمها الجندي الأردني ، بثباته وصلابته وجسارته وشجاعته وبسالته. فيه سجل الجندي الأردني انه البطل وسفرا خالدا جديدا يضاف إلى أسفاره في حروبه السابقة. فكانت مثالا ساطعا لانتصار إرادة الشعوب العربية على العدو الذي لا يزال يحتل أرضا عزيزة علينا .( الجولان والضفة الغربية) وعاصمتها ( القدس الشريف )، وقبلتها المسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، الذي يحتله العدو ويستبيح أقصاه وسيادته . ونحن نعود إلى ميادين البطولة والشرف الأجمل والأرقى ( صرح الناطق العسكري ). ووجدتهم رغم تقدمهم في السن ،كما كانوا في عنفوان شبابهم ، يتحدثون بلغة الواثق بالله ، وبنفسه أن النصر على العدو الصهيوني ( ليس مستحيلا ) . بذاك اليوم الغير اعتيادي كان الأشد ضراوة وصعوبة فالعدو دخل بكل ثقله العسكري عبر جيش جرار لاحتلال أراضي أردنية غالية علينا . يوما ليس كباقي أيام الاعتداءات السابقة ، كان الصحيان فيه باكرا (اليقظة ) ، فالأمر مريب وغير طبيعي ومألوف. خرجنا ونحن مفتون بما سمعنا من قصص الشجاعة والإقدام . التي لقنوا العدو فيها درسًا لن ينساه نصرا أردنيا عربيا الأول في الحروب العربية الصهيونية .
هذي بعض من حكايات بطولية وشهادات ميدانية حيه لرجال شجعان ستبقى في ( القلب والوجدان) .( محفورة بطولاتهم في عقل وذاكرة الأردنيين ).
رحمة الله شهداء الجيوش العربية عامة ، والجيش الأردني خاصة الذين نالوا شرف الشهادة ، دفاعا عن أرضها ومقدساتها خاصة . وأعادوا الاعتبار لكرامة الأمة العربية المسلوبة. الماضون على العهد جنودا أوفياء للوطن وقائدهم الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، هاماتهم لا تنحني إلا لله. وراياتهم عالية خفاقة دائما بإذن الله.
كل يوم تتجدد ثقة الأردنيين بـ((حماة الوطن )) ويقفون معهم صفا واحدا في الدفاع عنه.
الأردنيون بواسل ((روح قتالية عالية ،جنود تحمل السلاح ، يعتلون ظهور آلياتهم ، ويتناولون قهوتهم المعطرة بالهيل . اسود الليل لا تمنعهم عتمة أو مسافة بعيدة ))، جاهزون ( لبيك آبا الحسين ) ، كل شبر من وطنان هو ارض الكرامة . فلا كرامة لمواطن ((إذا تعرض الوطن إلى زعزعة أمنه واستقراره)) .
قال الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (صدق الله العظيم .