الأمن الناعم.. المكاسب والخسائر

مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/05 الساعة 00:11
تصريحات مدير الأمن العام المعيّن حديثا اللواء فاضل الحمود عن مصطلح الأمن الناعم، أثارت الجدل من جديد حول المفهوم، الأمر الذي تطلب منه توضيح موقفه تجنبا للفهم الملتبس. الحمود هو الابن الشرعي لجهاز الأمن العام، تدرج في مختلف المواقع والرتب وصعد السلم من أولى درجاته، وبعد إحالته على التقاعد عاد مديرا للجهاز، متسلحا بخبرة عقود من العمل في المؤسسة الأمنية الأكثر احتكاكا مع الناس. حاول منذ تسلمه منصبه أن يبعث برسائل واضحة للرأي العام ومنتسبي الجهاز مفادها أن سيادة القانون على الجميع هي شعار الجهاز في المرحلة المقبلة. والصحيح أن الأمن العام أظهر منذ سنوات التزاما كبيرا في تطبيق هذا الشعار، لكن حادثة باص "جت" وما ترتب عليها من تداعيات سلبية أضرت بصورة الأمن العام واستوجبت حملة لإعادة الاعتبار لمبدأ النزاهة في تطبيق القانون.
وفي هذا السياق جاء استدعاء مفهوم الأمن الناعم والخشن للقول بأن للقانون مفهوما واحدا لا يحتمل أكثر من توصيف. وهذا صحيح بالطبع. لنعد إلى الوراء سنوات قليلة ونتذكر بأن مفهوم الأمن الناعم ظهر في مرحلة الربيع العربي وحراكات الشارع الأردني. وهو في الواقع شعار مرحلي لا يخص عمل جهاز الأمن العام بشكل عام، بل رسالة للشارع الأردني مضمونها أن الدولة الأردنية لن تسير على نهج أنظمة عربية أخرى واجهت مظاهرات الشعوب بالقمع والقتل. وترجم هذا المفهوم بالتزام رسمي بعدم قمع المسيرات والمظاهرات التي استمرت لثلاث سنوات تقريبا، باستثناء حالات تم فيها فض تجمعات اتخذت منحى العنف ومحاولة الإضرار بممتلكات عامة وخاصة. وقد أثمرت هذه السياسة مكاسب للدولة والمجتمع جنبت البلاد الانزلاق في الفوضى والاقتتال الداخلي. ما حصل في ذلك الوقت أن بعض المسؤولين والدوائر الرسمية في الدولة توسعت في تطبيق مفهوم الأمن الناعم في غير محله، وتراخت في تطبيق القانون بذريعة عدم استفزاز الناس في مرحلة حرجة، فتوسعت دائرة الاستثناءات لتطال جرائم الاعتداء على المال العام وأراضي الدولة وسرقة المياه والكهرباء وفي بعض الحالات جرائم الاتجار بالمخدرات. وفي مثل هذه المناخات شهدنا زيادة مقلقة في حالات التطاول على رجال الأمن والاعتداء عليهم، وتجرؤ مجرمين وتجار الممنوعات على إطلاق النار عليهم وقتلهم بدم بارد. وقد استغل كثيرون مرحلة "المشمشية" لفرض وقائع غير قانونية وتحويلها لمكتسبات وحقوق، ونتيجة لذلك واجهت الحكومات وأجهزتها صعوبة في استعادة زمام المبادرة وإعادة الهيبة لسلطة القانون، وهي مشكلة ما نزال نواجه تبعاتها حتى اليوم. وفي مسعى لحث مؤسسات الدولة على الإمسكاك من جديد بسلطة القانون، طرح الملك عبدالله الثاني ورقة نقاشية خصصها لموضوع سيادة القانون، وتجاوز زمن صار فيه تطبيق القانون هو الاستثناء للأسف. أفضل ما يمكن أن يفعله اللواء الحمود حاليا هو أن يتمسك بنهجه الذي بدأ فيه عهده، ويطوي إلى الأبد الجدل حول الأمن الناعم والخشن، ويمضي في طريق فرض سلطة القانون دون تردد على أن تبقى ممارسة رجال الأمن لسلطاتهم تخضع للمساءلة والرقابة. الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/03/05 الساعة 00:11