تضامنوا مع عمر.. لا تنشروا الفيديو
حظيت قصة الاعتداء على طالب في مدرسة خاصة من قبل زملائه بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، في مؤشر على حجم القلق الاجتماعي من ظاهرة التنمر في مدارسنا.
وزير التربية والتعليم الدكتور عمر الرزاز وبحكم موقعه دخل على خط النقاش، داعيا لحوار مجتمعي للتصدي لهذه الظاهرة المتفشية. تغريدة الرزاز فتحت على الفور باب النقاش، وأدلى العشرات من المواطنين بآرائهم واقتراحاتهم.
الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي للطفل عمر ضحية الاعتداء كان مؤلما بحق، ويضع المدرسة وإدارتها في موقع المساءلة. والمؤسف حقا في الموضوع ليس موقف المتفرجين على الاعتداء، إنما إقدام أحدهم على تصوير واقعة الاعتداء ونشرها على منصات التواصل الاجتماعي.
هذا السلوك الشاذ تكرر ويتكرر يوميا في حوادث مشابهة؛ هنا وفي عموم دول العالم من قبل أشخاص غريبي الأطوار يتصرفون بدم بارد مع مواقف إنسانية، يفضلون إزاءها كسب المتابعين على صفحاتهم عوضا عن التحرك لتقديم المساعدة، أو في أقل الأحوال احترام كرامة الإنسان وعدم تصويره في ظروف مهينة.
لم يفكر صاحب فيديو التنمر الأثر النفسي القاتل الذي يمكن أن تتركه المشاهد المصورة على الطفل الضحية عندما يكبر.
ينبغي على إدارة المدرسة أولا تحديد هوية هذا الشخص وإيقاع أشد العقوبات بحقه وعلى جهات التحقيق أن تتولى ملفه وتحيله لمركز أحداث ليعاد تأهيله من جديد، فالفعل الذي اقترفه أشنع من فعل المعتدين.
إن النقاش حول سبل مكافحة ظاهرة التنمر في مدارسنا على أهميته، ينبغي أن لا يلهينا عن إظهار مشاعر التضامن مع الطالب عمر الذي مايزال يرقد على سرير الشفاء في المستشفى ويعاني من كسور وجروح، وبَعْثِ رسائل الدعم والمساندة لذويه الذين سيواجهون وحدهم مهمة تخليص فلذة كبدهم مما لحق به من إهانة. وعلينا جميعا أن ننتبه بأن كل شخص يقوم بإعادة نشر الفيديو إنما يساهم دون وعي بإهانة عمر وأهله، وإهانة كل طفل تعرض للتنمر أو سيتعرض له مستقبلا.
ينبغي أن نتوقف عن الترويج لثقافة العنف والكراهية، واحترام كرامة البشر خاصة إذا كانوا أطفالا، فالجريمة هنا مضاعفة.
في الرسالة التي بعثت بها والدة الطفل عمر للناشطة السيدة ديما علم فراج، أظهرت تماسكا ووعيا تحسد عليه حقا. دافعت عن حق ابنها وحق عائلته في متابعة الملف بالوسائل القانونية وهذا حقها وعليها أن لا تتنازل عنه أبدا. لكنها لاتحمل حقدا في قلبها على المعتدين وتعتبرهم ضحايا الجهل وثقافة العنف مما يستدعي إخضاعهم للعلاج النفسي والسلوكي المطلوب.
المدارس حول العالم تعاني من ظاهرة التنمر، ورغم الاهتمام المتزايد بسبل محاربتها إلا أنها لن تختفي، وستبقى تحديا للتربويين وإدارات المدارس والأهالي. وما من شك أن أولياء أمور الطلبة يتحملون المسؤولية الأكبر وعلى عاتقهم يقع واجب تصويب الانحرافات في سلوك أبنائهم، خاصة في سن المراهقة.
"التربية قبل التعليم"، لطالما تغنينا بهذه المقولة، لكنّ ما أخشاه أننا وبعد أن خسرنا تميزنا في التعليم نكاد نخسر دورنا في التربية؛ مؤسسات وعائلات.
الغد